"علاقة مائعة".. هذا ما ذهب إليه الكثير من الخبراء والمحللين واصفين صلة تنظيم القاعدة بطهران، وذلك إثر الكشف عن مخطط لاستهداف قطار ركاب في مدينة "تورونتو" في عملية اتهمت فيها السلطات الكندية اثنين من المشتبه بهما بتلقي دعم من "عناصر القاعدة في إيران"؛ الأمر الذي حمل معه الكثير من التجاذبات والتكهنات في حالة ربما هي الأولى التي تُتهم فيها عناصر "قاعدية" مقرها إيران، بتوفير المساعدة على رسم مخطط لاستهداف الغرب. ويرى محللون ودبلوماسيون أنه رغم انتشار مفهوم غربي خاطئ يصف إيران بأنها قوة شيعية بارزة تتحرك بدافع الدين، لكن الواقع يدل على أنها دائماً أكثر نفعية في السعي لتحقيق مصالحها الخاصة؛ الأمر الذي يسمح لها بغضّ الطرف عن بعض تجاوزات "القاعدة". فمثلما كان غياب القاعدة محل تساؤل، يكون ظهورها (أيضاً) محل تساؤل يشوبه القلق على المستقبل في المنطقة وخاصة سوريا التي مثلت مسرحاً لمرحلة خطيرة من هذه العلاقة، وعند الوقوف على المجريات الحديثة من تصريحات الشرطة الكندية حول عدم وجود ما يشير إلى رعاية الحكومة الإيرانية مخطط القطار، وقول المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "رامين مهمان باراست" حول عدم تلاقي معتقدات تنظيم القاعدة مع معتقدات الجمهورية الإسلامية، تشير بعض التقديرات في المقابل إلى وجود نوع من "تزاوج المصالح"، وكان تقديم إيران الدعم الكثيف لأفراد من تنظيم القاعدة بعد سقوط حكومة طالبان في أفغانستان عقب الغزو الأمريكي عام 2001، سبيل دعوة العديد من المحللين إلى وجود علاقة ضبابية ومائعة ربطت صلة تنظيم القاعدة السني بالجمهورية الإسلامية الشيعية. علاقة مائعة تعود العلاقات الإيرانية بتنظيم القاعدة إلى أكثر من عقد، فبعدما رفضت الولاياتالمتحدة عرض المساعدة من إيران في عملياتها العسكرية في أفغانستان عام 2001 وقيام الرئيس السابق "جورج بوش" بوضع إيران ضمن دول "محور الشر" على خلفية برنامجها النووي، توجهت إيران إلى دعم تنظيم القاعدة ووفرت لهم وكلاء السفر والوسطاء الماليين في باكستان وغضت الطرف عن تحركاتهم في المنطقة عبر أراضيها. وبالفعل سمحت إيران بدخول مئات من كبار الشخصيات في حركة طالبان إلى أراضيها، ومن بينهم أفراد من عائلة بن لادن، والسماح للجماعة باستخدام الأراضي الإيرانية كطريق عبور من وإلى أفغانستان؛ لنقل الأموال والمقاتلين بهدف دعم نشاطات القاعدة في جنوب آسيا. وفي حركة غريبة غيرت إيران لهجتها بعدما وضعت هؤلاء الوافدين رهائن تحت الإقامة الجبرية لدى الحكومة الإيرانية، وآخرين في السجون في جنوبإيران، وكانت تنظر إلى هؤلاء الرهائن كأوراق للمساومة. وازداد الأمر سوءً بعدما طردت إيران سليمان أبو غيث، المتحدث الرسمي السابق للقاعدة وصهر أسامة بن لادن، مما دعا بعض المحللين إلى اعتبار هذا الموقف الصارم انعكاساً لتوترات متنامية بين رجال الدين الشيعة والجماعة السنية في تنظيم القاعدة. نقطة تحول وإذا كان الكثير من المحللين والخبراء الأمنيين قد أجمعوا على أن مسار العلاقة بين إيران والقاعدة عبر المراحل المختلفة ميزه قاسم مشترك يشوبه التوتر، فإنها أصبحت أكثر توتراً؛ بل تدهورت بعد عام 2011، حيث اختلف الجانبان تجاه الأزمة السورية. وفي هذا الخصوص، أشار مصدر غربي إلى أنه في ظل تدهور العلاقات بين إيران والقاعدة؛ بسبب الحرب الأهلية في سوريا تحركت طهران في الآونة الأخيرة لمنع المقاتلين من العبور إليها عبر المناطق القبلية التي تخضع لإدارة اتحادية في باكستان للانضمام إلى المسلحين الإسلاميين الذين يقاتلون للإطاحة بالأسد. فمن ناحية تحالفت القاعدة مع "جبهة النصرة" (أكبر حركة مقاتلة ضد نظام الأسد في سوريا) بعد إعلان قائد التنظيم السوري المسلح "محمد الجولاني"، مبايعة زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري"، بينما تقف طهران لمساندة النظام السوري مما أثار انتقادات زعيم القاعدة. وبالتالي مثلت الأزمة السورية استقطاباً حاداً للقوتين الإقليميتين في المنطقة، بعد اتخاذهما مبدأ الدربين المتناقضين للموقف الدولي والإقليمي. دروب متباينة وبعد التأكيد على هذه الحالة الغامضة في العلاقة التي تجمع إيران وتنظيم القاعدة، يصعب وضع خريطة من السيناريوهات في ظل تعقد الأحداث في المنطقة، فضلاً عن عدم فض الاشتباك في الأزمة السورية. وعلى الرغم من ذلك، يمكن التكهن بالسيناريو الأول الذي يذهب إلى سعي إيران "لإمساك العصا من المنتصف"، بمنح ومنع الخدمات لتنظيم القاعدة بالتناوب؛ حفاظاً على تبعيته وضمان عدم مهاجمته للحكومة الإيرانية، فضلاً عن إمكانية الحفاظ على خيار العمل مع القاعدة لاستغلالها في تنفيذ هجمات ضد أهداف غربية في حال تعرض إيران للهجوم، فضلاً عن استغلال علاقتها بالقاعدة في القيام بعمليات ضد بعض الدول، في حال توتر العلاقات فيما بينها، وعلى رأسها السعودية، وذلك من خلال التعاون مع الجماعات المناهضة للنظام السياسي. ويقوى هذا السيناريو مع ظهور الوثائق التي تم الحصول عليها من مجمع بن لادن في باكستان، والتي ألقت المزيد من الضوء حول العلاقة القوية بين الطرفين رغم انعدام الثقة والخلافات الحادة حول الأيديولوجية والأساليب. وفي المقابل، ونتيجة لما أوردناه من أن الأزمة السورية مثلت دافعاً جوهرياً في تدهور العلاقات الإيرانية مع تنظيم القاعدة، فإن السيناريو السابق يصبح مستبعداً ليفسح المجال أمام نظيره المتباين، وهو تواصل التوتر في العلاقة بين الدربين. فبلا شك أن الجمهورية الإسلامية "الشيعية" وتنظيم القاعدة "السني" خصمان على الناحية الأيديولوجية والدينية، لاسيما بعد أن نجح تنظيم القاعدة في التحالف مع أقوى جماعة سورية معارضة "جبهة النصرة" وانتقاها الدعم الإيراني لنظام الأسد. ولعل الأنباء الأخيرة عن دخول أفراد من حزب الله إلى الأراضي السورية للقتال بجانب قوات النظام ستشهد مسرحاً حامياً للتوتر، الذي يمكن أن يقود إلى صراع مباشر بين الدربين، بجانب انتشار تسجيل صوتي لزعيم القاعدة "د. أيمن الظواهري" الذي وجه فيه انتقادات لإيران، والذي لا يختلف في مضمونه عما حذر منه سابقه بن لادن بأن "إيران لا أمان لها".