رغم المشهد الدموي الذي تشهده سوريا يومياً يأتي السلاح الكيماوي ليزيد من معاناة السوريين، هذا السلاح الذي ربما تصل عواقبه إلى مختلف أنحاء سوريا ، فهذا النوع يعتبر بمثابة أسلحة دمار شامل . وأشار مركز البحوث في الكونجرس الأمريكي من قبل أن ابرز مراكز الإنتاج والتخزين تتركز في مواقع قرب حلب ودمشق وحماة واللاذقية وحمص ، فقد ذكرت تقارير غربية أن سوريا تمتلك أكبر مخزون من السلاح الكيماوي في العالم، بين 400 و500 طن من سائل وغاز "السارين" الفاتك بالأعصاب. وتشهد سوريا منذ ما يقرب من عامين حركة احتجاجات مناهضة للنظام الحاكم تطورت لتشهد عمليات عسكرية وأعمال عنف فى معظم المناطق، ما أدى لسقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح ونزوح مئات الآلاف الآخرين إلى داخل وخارج البلاد. اتهام النظام وحول من المستخدم لهذه الأسلحة المدمرة نجد أن المعارضة والنظام السوري كل منهما يحمل الطرف الآخر المسئولية من خلال تبادل الاتهامات . وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد وجه الجمعة تحذيرا جديدا إلى النظام في سوريا من أن استخدام أسلحة كيماوية يمكن أن يؤدي إلى "تغيير قواعد اللعبة"، وذلك بعد يوم واحد من إقرار مسئولين أميركيين للمرة الأولى باستخدام غاز السارين المميت في هجمات محدودة من جانب النظام السوري ضد معارضيه. وقد أعلنت الأممالمتحدة الجمعة أن فريقها المكلف بالتحقيق في استخدام أسلحة كيماوية بسوريا بدأ العمل من الخارج في جمع معلومات وبيانات تفيد تحقيقاته، وأن العمل من الخارج جاء بسبب استمرار النظام في رفض السماح لهم بدخول أراضيه. بدوره، اعتبر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الجمعة أن "الأدلة المتزايدة على استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية تصعيد خطير وجريمة حرب". وفي باريس، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية أن على دمشق السماح لبعثة للأمم المتحدة بالتحقق في استخدام محتمل للأسلحة الكيماوية "دون أي مجال للتهرب". هذا وقد أعلن العميد المنشق زاهر الساكت رئيس فرع الكيمياء في الفرقة الخامسة في قوات النظام السوري إن أمرا صدر باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الجيش الحر في إحدى المعارك في بصر الحرير. وأكد العميد الساكت في تصريح خاص لقناة "العربية" الاخبارية اليوم الاحد انه استبدل هذه المواد الكيماوية بماء الجافيل غير القاتل. كما أكد رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر اللواء سليم إدريس، إن بحوزته أدلة على استخدام القوات الموالية للرئيس بشار الأسد السلاح الكيماوي في عدة هجمات، مشيرا إلى أنه قدم الأدلة التي تضم عينات من الدم والتربة لجهة لا يمكن الكشف عن هويتها، دون أن يستبعد وجود أجهزة استخباراتية تمتلك أدلة مماثلة، بينها الموساد الإسرائيلي. وقال اللواء إدريس، في مقابلة عبر الهاتف مع شبكة "سي إن إن" الامريكية: "يمكنني تأكيد أن قوات النظام استخدمت السلاح الكيماوي في أكثر من مناسبة، وبينها استهداف المدينة القديمة في حمص، كما استخدمتها أكثر من مرة في حلب، في خان العسل والشيخ مقصود وفي العتيبة بريف دمشق، ونوع السلاح هو غاز سام". وحول الأدلة التي بحوزته قال: "أخذنا بعض العينات من التراب ودماء القتلى، كما لدينا عينات من الجرحى وتقارير الأطباء الذين يؤكدون وجود آثار للسلاح الكيماوي...الأطباء قالوا لي إنهم قدموا العينات إلى جهات أخرى تراقب الوضع في سوريا، ولا يمكنني الآن الكشف عن تلك الجهة ولكن النتائج واضحة جدا". ونفى إدريس امتلاك قواته لسلاح كيماوي كما يتهمها النظام، كما نفى علمه بما قد تقوم به واشنطن عند التأكد من تجاوز الأسد "للخط الأحمر" الذي حددته الإدارة الأمريكية له غير أنه قال: "نحن لا نحب حصول تدخل ولكن لديهم الكثير من الأدوات ويمكنهم منع النظام من استخدام هذه الأسلحة وصواريخ السكود ضد المناطق المحررة". المعارضة وتركيا إلا أنه خلافاً لما سبق ، رفض وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، الاتهامات الأمريكية والبريطانية لبلاده باللجوء إلى السلاح الكيماوي في حربها ضد المعارضة، واصفا التقارير المتعلقة بهذا الموضوع بأنها "دون مصداقية" واتهم بالمقابل المقاتلين المعارضين باستخدام تلك الأسلحة في منطقة مجاورة لحلب، بعد الحصول عليها من تركيا. وقال الزعبي: "السلاح الكيميائي الذي استخدمه الإرهابيون في خان العسل بريف حلب وصل على الأرجح من تركيا". وأوضح الزعبي أن الصاروخ الذي استهدف "خان العسل" أطلق من المكان الذي "يتواجد فيه الإرهابيون وهو لا يبعد كثيرا عن الأراضي التركية" وذلك حسبما جاء بوكالة الأنباء السورية . ولفت الزعبي إلى تأييد سوريا لقيام خبراء روس بالتحقيق في احتمال استخدام السلاح الكيميائي في خان العسل مذكرا بأن الحكومة السورية "بادرت بإرسال طلب للتحقيق بهذا الصدد". وحول الاتهامات الغربية لبلاده باللجوء إلى هذا السلاح في مناطق أخرى من البلاد قال: "المزاعم الأمريكية والبريطانية والغربية عموما بشأن ذلك لا تتمتع بأي مصداقية.. وهذا الكلام مفبرك ومزور وهم مسئولون مسئولية مباشرة عما حدث في خان العسل ويريدون الآن أن يتواروا خلف هذا الكلام". واتهم الزعبي الولاياتالمتحدةالأمريكية ب"التورط في عمليات إرهابية كبرى في العالم" على حد تعبيره، مضيفا أنها "متورطة الآن في سوريا بسبب دعمها وصمتها إزاء الإرهاب الذي ترتكبه المجموعات المسلحة فيها وصمتها على التمويل القطري الخليجي وعلى توريد الأسلحة للإرهابيين إليها". قلق اسرائيلي هذا ويتابع مسئولون أمنيون اسرائيليون ردة فعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما على التقارير الاستخبارية التي تحدثت عن قيام النظام السوري باستخدام سلاح كيماوي ضد المعارضة في سوريا، كونها ستكون معيار لقياس مدى جدية الإدارة الامريكي في التحرك من أجل القضاء على التهديد النووي الايراني. ويخشى المسئولون من أن عملية أمريكية ضد نظام الأسد ستحرف أنظار المجتمع الدولي عن النووي الإيراني والذي يعتبر التهديد المركزي بالنسبة لاسرائيل، ومن جهة ثانية يرى المسئولون أن استهداف مواقع كيماوية بسوريا ممكن أن يؤدي لكارثة، والدخول لتأمين السلاح الكيماوي خطيرة جداً في ظل الحرب الاهلية. وكما هو مذكور فإن الرئيس أوباما أوضح إن استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي يتوقع أن يغير نظرته ورده على ما يحدث في سوريا ولكنه لم يذكر تفاصيل حول ذلك، وأيضاً المسؤولون الأمنيون الاسرائيليون يعترفون بأن أي من الخيارات المطروحة على الطاولة ليس سهلاً للتطبيق. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" اليوم الاحد، أن مسئولي البيت الأبيض يرون أن أوباما يخشى من تكرار أخطاء سلفه 'جورج بوش' في العراق، وفي نفس الوقت يريد منع تضاعف أعداد القتلى على يد النظام السوري، وغير ذلك فالأمريكيون يعلمون أن إيران تتعقب الردود الأمريكية في سوريا. وحسب التقارير فإن الرد الأمريكي ممكن أن يشمل إشراك أذرع من الجامعة العربية ضمن قوات الناتو، وفي هذه الحالة ستكون 'إسرائيل' راضية من جدية أوباما للعمل بشكل حقيقي تجاه التهديدات النووية، ولكن ما تخشاه إسرائيل هو طمس عملية في سوريا خطر التهديد الايراني وتعتبره ضرراً كبيراً لها. "أقنعة واقية" وسواء كان استخدام هذا السلاح من قبل النظام السوري أو المعارضة فإن المواطن السوري هو المتضرر الأكبر من هذا السلاح ولهذا نجد أن السوريين لجأوا لتحصين أنفسهم من تلك الأسلحة من خلال اللجوء إلى الإمكانيات المتاحة لديهم لتقليل من مخاطر تلك الأسلحة. فقد لجأ البعض لتصنيع أقنعة واقية من الغازات السامة والسلاح الكيمياوي، مستخدما عبوة مشروبات فارغة وفحما أسود وقطنا مغمسا بمشروب غازي. ومن هؤلاء أبو طارق (72 عاما) الذي ينتمي إلى كتيبة العز بن عبد السلام المنضوية تحت الجيش السوري الحر وتقاتل ضد قوات النظام بجبل التركمان في محافظة اللاذقية، وقد التقت به وكالة الصحافة الفرنسية أثناء تجربة قناعه. ويقص عبوة العصير البلاستيكية من الأعلى لتوسيع فوهتها ، ثم يضع كمية قليلة من الفحم المطحون داخلها مع قطعة من القطن مغمسة بمشروب غازي ويقفلها. ويربط أبو طارق القناع بشريط مطاطي حول رأسه ويأخذ نفسا عميقا، ثم يعلق بالقول "الأمر سهل"، إلا أنه يقر بأن قناعه لا يحمي لفترة طويلة من الغازات القاتلة التي يمكن أن تفتك أيضا بالبشرة. ومع ذلك فهو يرى أن اختراعه أفضل من وضع منشفة مبلولة على الوجه، وأنه قد ينقذ حياة الإنسان بمنحه وقت كافيا للهرب إذا تعرض لهجوم كيمياوي. وتقول عناصر كتيبة العز بن عبد السلام إنهم يفضلون اتخاذ تدابير وقائية، لا سيما مع توالي التحذيرات من حصول هجمات بأسلحة كيمياوية.