حي يفوح بعبق التاريخ، مجرد أن تطأه بقدميك حتى تشعر أنك عدت قروناً إلى الوراء، ورغم أنه من الأماكن المنسية في القاهرة إلا انه ملئ بالآثار والتاريخ والأسرار. "محيط" تجول في شارع "باب البحر" المتفرع من الفجالة وتعرف على أشهر معالمه الأثرية التي طالتها يد الإهمال. يعد "باب البحر" من أبواب الأسوار الأيوبية لمدينة مصر العاصمة فقد سمى بذلك الاسم لقربه من النيل، وبقيت آثاره حتى سنة 1847 م ، ثم تم هدمه بأمر محمد على ، ولم يبق منه شئ. وكان "باب البحر" أحد بابين جعلا فى جزء من السور الشمالى، الذى شيد فى العصر الأيوبى أيام صلاح الدين بعد توليه السلطنة ليحمى العاصمة وليكمل امتداد سور حصن القاهرة الشمالى نحو الغرب. شيد باب البحر والباب الآخر، وهو باب الشعرية فى ذلك القطاع من السور ، فى سنة 572 ه ( 1174 م) على يد الخصى بهاء الدين قراقوش وزير صلاح الدين ، الذى هدف من ذلك إلى أن يحيط العاصمة كلها ، بما فيها من أحياء ، مثل القاهرة أو حصن الفاطميين والفسطاط والعسكر والقطائع ، وما استجد حولها وبينها من أحياء فى غرب القاهرة حتى ساحل النيل الشرقى . مسجد العروسي هذا الجامع بشارع سوق الزلط بالقرب من منزل الشيخ العروسى، أنشأه الشيخ أحمد الشهير بالعريان، يقول على باشا مبارك فى "الخطط التوفيقية"، أن المسجد يشتمل على ستة عشر عمود من الرخام غير عمودى المحراب وكان قد حصل فيه خلل فعمره ناظره الشيخ مصطفى العروسى وقام بشعائره جميعها؛ ويعرف أيضا بمسجد ابن بدير وهى كنية الشيخ أحمد العروسى صهر الشيخ العريان وقبره به. اشتكى سكان الشارع الذي يقع به الجامع إلى "محيط" من التشققات العديدة الموجودة في مئذنة المسجد، وداخله رغم أنه خضع للترميم من قبل الآثار منذ ثمان سنوات، وهي فترة ليست بعيدة ورغم ذلك سقطت إحدى أحجاره الكبيرة لتكسر مقام الشيخ أحمد العريان، رغم أن حجم الإنفاق على ترميمه بلغ 3 مليون ونصف. وأكد السكان أن شروخ مئذنة الجامع تنذر بكارثة إذا ما أدت إلى سقوطها، لأنها من الجرانيت! مكدين انهم استغاثوا بالآثار لكن ما من مجيب. ولفت القاطنين بجوار المسجد ان الاحتفال بيوم مولد الشيخ العروسي هو النصف من شعبان، لكن الاحتفالات بهذا اليوم متوقفة منذ أكثر من عشرين عام. وقال الجبرتى فى حوادث سنة 1184 أن الشيخ العريان هو الولى العارف بالله تعالى أحد المجازيب الصادقين الشيخ أحمد بن حسن التسترى الشهير بالعريان، كان من أرباب الأحوال والكرمات. ولد أول القرن، وكان يلبس الثياب الخشن وهى جبة صوف، وكان كثير الذكر، تأتيه الأمراء والاعيان لزيارته للتبرك به ويأخذ منهم دراهم كثيرة ينفقها على الفقراء المجتمعين عليه، أنشأ مسجده بجوار داره، لازمه الشيخ أحمد العروس فكان لا يفارقه وزوجه احدى بناته. يؤدي المدخل الرئيسي لمسجد العريان إلى دركاه مستطيلة التخطيط، يتصدرها من الجهة الجنوبية الشرقية درج سلم عدده عشر درجات يؤدي إلى داخل المسجد ويتبع تخطيط المسجد النمط المحلي الذي عرفته مصر في العصر المملوكي. يتوسط جدار القبلة في مسجد أحمد العريان أو "العروسي" حنية المحراب وهي حنية نصف دائرية يتوجها من أعلى عقد مدبب. مسجد محمد البحر هذا المسجد داخل شارع "باب البحر" وهذا الشارع يبتدأ من ميدان باب الشعرية وينتهى إلى شارع رمسيس أو شارع كلوت بيك، وهو عبارة عن مسجد صغير به مقام كتب عليه مقام "سيدى محمد البحر"، وهو مسجد يضم ضريح آخر هو ضريح العارف بالله تاج الدين الذي بنى هذا المسجد. يقول أحد المسئولين عن المسجد ل"محيط" أن العامة يحتفلون بمولد محمد البحر في الصنف من شعبان، لكن الاحتفال به أصبح نادراً على عكس السابق حين كان يتوى اثنان من الفرسان إحياء المولد، سيراً بالخيل من الفجالة إلى سوق البقر مروراً بالفواطية انتهاء بباب البحر. والجامع يعاني من الإهمال حيث يحتاج إلى مزيد من الاعتناء به في مظهره ومخبره. مسجد أحمد الزاهد هو أحمد بن أبي أحمد بن سلميان المصري المعروف بالزاهد. كان رجلاً صالحاً من أهل العلم والعمل، وأصله من مدينة فاو بالصعيد، وانقطع للوعظ والإرشاد بالقاهرة. قيل أن سبب تسميته بالزاهد أنه أتاه رجل علّمه الكيمياء فى ليلة، فعمل منها خمسة قناطير ذهبًا ثم نظر إليها فقال: أفٍّ للدنيا. فأمر خادمه فى صبيحتها أن يرميها بالخلاء، وألا يتكلم بذلك. فأصبح الناس يقولون: الزاهد، ولا علم لهم بشىء مما حدث. كان خيراً مقبولاً من أهل عصره من أمراء وعلماء. وقد بدأ شيخنا في بناء جامعه هذا الذي سماه على اسمه جامع سيدي أحمد الزاهد في عام 817ه/1414م، واكتمل في عام 818ه/1415م، ويذكر المقريزي أنه استخدم فيه أنقاض مسجد الجاكي الذي كان يقع بدرب الجاكي المعروف الآن بدرب الجنينة، وذلك بعد تخربه، وبيع أنقاضه، وظل شيخنا قائماً مسجده هذا حتى توفي في 24 ربيع الأول سنة 819ه/1416م ؛ مات الشيخ الزاهد بمرض الطاعون الذي عم القاهرة في هذا الشهر، ودفن بمسجده، بالقبر الذي شيده لنفسه داخل هذا المسجد في الجهة الشمالية الشرقية منه. يتكون المسجد من مستطيل مقسم إلى أربع أروقة تقسمها ستة صفوف من البوائك. يعلوها كرادى خشبية ترتكز على دعائم مربعة حجرية. ويعلو الرواق الرابع من المسجد ، في وسطه يوجد فتحة (شخشيخة) بطول الرواق تقريبا بها نوافذ للتهوية والإضاءة. وفى الضلع الشمالى من المسجد ومقابل الأروقة الثلاثة الأخيرة منه يوجد ضريح الشيخ أحمد الزاهد. ويتكون الضريح من حجرة مربعة في كل ركن من أركانها مقرنص كبير ويعلو المقرنصات رقبة مثمنة الشكل بكل ضلع من أضلاعها نافذة قنديلية الشكل وتقوم القبة فوق الرقبة المثمنة وبها أربع نوافذ صغيرة مربعة. كما يوجد في الجهة الشمالية وإلى الشرق من الضريح الميضأة وأرض فضاء وكان يشغلها من قبل غرف وخلاوى المريدين. ونلاحظ أن داخل المسجد قد جدد حديثا، أما الوجهة الغربية التى يوجد بها المدخل الرئيسى والمئذنة التى تعلوه وكذا الضريح فقديم. وتتكون المئذنة من ثلاث دورات الأولى والثانية قديمتان أما الدورة العليا فيدل طرازها المعمارى على أنها جددت في العصر العثمانى.