قدم الله تعالي الانس عن الجن في الأمر بعبادته، حينما قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ 0لْجِنَّ وَ0لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } الذاريات: 56 ، والحديث هنا عن الخَلْق المختار الذي ينتظر منه الطاعة، وينتظر منه العصيان. فلماذا قدَّم الجن على الإنس في هذه المسألة؟. قال بعض العلماء: قدَّم الجن على الإنس، لأن العبادة إما سرية وإما جهرية، وعبادة الجن سِرية لأننا لا نراهم، والعبادة السرية أفضل لأنها لا يدخلها الرياء، أما عبادة الإنس فجهرية في الغالب ويدخلها الرياء. ويقول الشيخ الشعراوي -رحمه الله- : هذا القول يمكن الردّ عليه بأن عبادة الجن سرية بالنسبة لنا، لأننا لا نراهم لكن جهرية بالنسبة لجنسه، ويمكن أيضاً أنْ يدخلها الرياء، فهم يرى بعضهم بعضاً. لكن يمكن توجيه المسألة توجيهاً آخر، فنقول: لو أنك قرأتَ القرآن باستعياب لوجدتَ أن الجن خُلِقوا قبلنا { وَ0لْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ 0لسَّمُومِ } الحجر: 27، فقدَّمه على الإنس لأنه خُلِق قبلهم. ويستأنف : ثم إن معظم انصراف الإنس عن العبادة بسبب الشيطان وهو من الجن { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ 0لْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ... } الكهف: 50، ولهذا قدِّموا علينا في مسألة العبادة. والأسلوب في قوله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ 0لْجِنَّ وَ0لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } الذاريات: 56 أسلوب قصر. أي: قصر خَلْق الإنس والجن على العبادة، فهي العلة الوحيدة لهذا الخَلْق، ما خلقهم لشيء آخر سوى عبادته سبحانه.