بعد أن وعد الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة خلال العام الماضي، بإصلاح الإعلام وذلك استجابة لموجة احتجاجات في الجزائر وبلدان الربيع العربي ، جاء مشروع قانون جديد تسعى الحكومة إلى عرضه على البرلمان، لإقرار التعددية في مجال الإعلام التليفزيوني ليثير حالة من الجدل بالجزائر. وفي خطوة تسبق إصدار القانون الجديد المنظم للقطاع السمعي البصري، سمحت السلطات بإنشاء عدد من القنوات الخاصة، لكنها فرضت عليها أن تبث من الخارج وأن تحصل على اعتماد من وزارة الإعلام كقنوات أجنبية.
وحتى ديسمبر الماضي كان يوجد في الجزائر خمس قنوات تليفزيون وخمس إذاعات وطنية و47 إذاعة محلية، وجميعها مملوكة للدولة.
ومنذ عدة أشهر تبث خمس إذاعات جزائرية خاصة "يغض الطرف عنها" برامجها من الخارج لكنها تملك استوديوهات وفرقا عاملة داخل الجزائر.
وكانت الجزائر قد أعلنت أن قانون فتح المجال السمعي البصري أمام القطاع الخاص سينظر في النصف الاول من العام المقبل .
مصداقية على المحك ويؤكد المشروع التمهيدي للقانون المتعلق بنشاط السمعي بصري، الذي ينتظر أن يعرض قريبا على مجلس الحكومة، أن سلطة ضبط السمعي بصري التي توكل لها مهمة تنظيم القطاع لاحقا، ستكون معنية بالكامل من طرف كبار مسئولي الدولة، وهو ما يضع مصداقيتها ومن ثم قراراتها على المحك.
وأفرد المشروع الذي حصلت صحيفة "الشروق" على نسخة منه، فصلا كاملا لحيثيات تشكيل وتنظيم سلطة الضبط، وتشير المادة التاسعة من المشروع، إلى أن سلطة ضبط السمعي بصري تتكون من 11 عضوا يعيّنون بمرسوم رئاسي، خمسة منهم يختارهم الرئيس، واثنان يختارهم رئيس مجلس الأمة، وعضوان آخران يختارهما رئيس المجلس الشعبي الوطني، وعضوان آخران يختارهما رئيس المجلس الدستوري لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، على ألا يكونوا منتخبين.
وتنبع خطورة الطريقة التي يعيّن بها أعضاء هيئة الضبط، في كونها "تعتبر حجر الأساس بالنسبة للنظام السمعي بصري الوطني الجديد"، حيث "تتمتع بجميع الصلاحيات التي تسمح لها بمراقبة المطابقة القانونية لمختلف أشكال ممارسة النشاط السمعي بصري، من خلال بسط سلطتها الضبطية بصفتها الحارس والضامن في آن واحد لهذه الحرية"، كما جاء في نص المشروع.
ويستفيض المشروع في تحديد مهام هيئة الضبط، مؤكدا أنها تتمثل في السهر على حرية ممارسة النشاط السمعي البصري ضمن الشروط المحددة في التشريع المعمول به، والسهر على عدم تحيز القطاع العمومي للسمعي بصري، و"ترقية وإشعاع اللغتين الوطنيتين والثقافة الوطنية"، و"ضمان احترام التعبير التعددي لتيارات الفكر والرأي بكل الوسائل الملائمة في برامج البث الإذاعي والتلفزيوني، لا سيما خلال حصص الإعلام السياسي والعام"، والسهر لدى ناشري خدمات الاتصال السمعي بصري، حتى تقدم برامج التنوع الوطني، ومراقبة مدى احترام الكرامة الإنسانية وتشجيع برامج سمعية بصرية لترقية مكانة المرأة وتسهيل وصول الأشخاص ذوي العاهات البصرية أو العاهات السمعية إلى البرامج الموجهة للجمهور".
تبريرات حكومية وتبرّر الحكومة باعتبارها الجهة التي أنجزت المشروع، خيار تعيين أعضاء الهيئة بدل الانتخاب، بقراءة أشارت إليها في الديباجة، حيث تحدثت عن "التأثير الكبير لهذا النوع من الاتصال على الرأي العام والضمائر، ومن هذا المنطلق تجد السلطات العمومية نفسها مجبرة على عدم البقاء على الحياد في مهمتها المتمثلة في حراسة المصالح المعنوية للأمة، مما يضفي الشرعية على تدخلها بكيفية أكثر وضوحا وعمقا"، قبل أن تعترف بأن "هذا التصور قائم في جميع الديمقراطيات الليبرالية الغربية، حيث لم يفلت الاتصال السمعي البصري من احتكار القطاع العمومي إلا مؤخرا".
ومن بين النقاط التي ينتظر أن تخلف نقاشا حادا في المستقبل، هو منع أي مساهم من أن يمتلك أكثر من 30 بالمئة في الرأسمال الاجتماعي، أو في حقوق التصويت لنفس الشخص المعنوي الحائز على رخصة استغلال خدمة البث الإذاعي والتليفزيوني"، ويكون المشروع قد برّر هذا الشرط في الديباجة، ب"الاحتياط من أخطار الضغوط التي يمكن أن تشكلها التكتلات المصلحية في توجيه البرامج على حساب مقتضيات الخدمة العمومية".
غير أن حديث المشروع التمهيدي عن تدخل الدولة في دعم القطاع يطرح أكثر من تساؤل :"الدولة تدعم السمعي البصري حتى تضمن بكل حرية مسئولية خدمة عمومية تنسجم مع الانتظارات الشرعية للمجتمع، وتأخذ في الحسبان مقتضيات الانفتاح والعصرنة التي تمكن الشخصية الوطنية من الازدهار".
وأفرد المشروع عقوبات صارمة ضد كل من يخرق نصوص القانون بعد ترسيمه، وتصل العقوبة إلى 500 مليون سنتيم بالنسبة لكل من يمتلك أكثر من 30 بالمائة من الرأسمال الاجتماعي أو في حقوق التصويت، كما سيغرّم كل من ينشط خارج الترخيص بغرامة مالية تصل حتى مليار سنتيم، إضافة إلى مصادرة وسائله ومنشآته المتصلة بالنشاط السمعي البصري.
تعزيز المجال وصرح وزير الاتصال محمد السعيد الاثنين الماضي بقسنطينة أن مشروع قانون السمعي البصري سيعرض على الحكومة نهاية الأسبوع المقبل وذلك لدراسته قبل تقديمه للنقاش بالمجلس الشعبي الوطني خلال دورته الحالية.
وأضاف الوزير خلال لقائه مع الصحافة المحلية على هامش زيارة التفقدية إلى قسنطينة أن مشروع قانون السمعي البصري "سيعزز المجال الإعلامي من خلال استثمارات خاصة وقنوات تلفزيونية موضوعاتية جديدة وذلك في إطار دفتر شروط واضح و محدد".
وحول تخوف بعض رجال المهنة ألا يكون فتح القنوات الخاصة قبل رئاسيات 2014 قال "نحن كحكومة سنقوم بعملنا والتطبيق سيأخذ الوقت الكافي لذلك لأن لجنة الضبط تطلب شروطا معينة في الأعضاء وهذا ربما يأخذ بعض الوقت". وأوضح محمد السعيد كذلك أن مشروع القانون المتعلق بالإشهار الذي تم استكماله سيعرض بدوره في غضون الشهر المقبل على الحكومة "في انتظار ذلك المتعلق بسبر الآراء الذي سيأتي لاحقا". ولدى تطرقه الى سلسلة التدابير الموجهة ل"إعادة تنظيم" و "إضفاء مزيد من الاحترافية" على قطاع الاتصال أوضح الوزير أن الوزارة ستقوم قريبا باستحداث سلطة الضبط للصحافة المكتوبة و كذا سلطة الضبط للسمعي البصري و المصادقة على القانون الخاص بالصحفيين.
وبعد أن تطرق إلى "مشكل تمثيل الصحفيين الذي أخر تنصيب هذه الهيئات" دعا السيد محمد السعيد ممثلي هيئات الصحافة إلى "تنظيم أنفسهم" و"تعيين متحدثين باسمهم" وذلك من أجل "المضي قدما في الإصلاحات التي أدخلت على قطاع الاتصال".
تراجع الاداء وكان الوزير قد اعترف الوزير بتراجع أداء التليفزيون العمومي، وتعهد بتشجيع النوعية بمنح الفرصة للجميع للتنافس "بشفافية" على أساس "معايير الجودة والاحترافية لترقية الإنتاج الوطني الذي يجب أن تكون له حصة الأسد في الإنتاج المعروض في الشاشة الصغيرة"، معتبرا ذلك "التحدي الأول الذي يسبق المنافسة في الفضاء الرحب للقنوات الفضائية العربية والمتوسطية المملوكة في أغلبيتها الساحقة للقطاع الخاص".
وتساءل محمد السعيد، عن مصادر تمويل بعض القنوات الفضائية الخاصة وهويتها ورسالتها وعن مدى مراعاتها لقواعد المهنة وأخلاقياتها، وأوضح أن "فتح السمعي البصري سيتم بتجنب الفوضى والتسرع والارتجال" .
وأضاف "من مصلحة الجزائر أن تفتح المجال تدريجيا أمام القنوات الخاصة التي يبادر بها مهنيون جزائريون، حتى لا يضطر المواطن إلى التقاط قنوات فضائية أجنبية تروج لأفكار ومعتقدات بعيدة عن واقعنا".
وما بين التفاؤل والتشائم ينتظر الكثيرون ما سيحمله القانون الجديد للاعلام الجزائري ، ويبقى المشاهد في موضع المترقب.