الحلف بالقرآن العظيم قد تعارفه الناس فى أيمانهم مثل الحلف بقوله واللّه العظيم فيكون يمينا لأن القرآن كلام اللّه تعالى، ومنه تعارف الناس وخاصة فى هذه الأزمان الحلف بالمصحف أو وضع اليد عليه وقولهم وحق هذا وقد قال العلامة العينى من الحنفية إنه يمين وأقره صاحب النهر وقال ابن قدامة وإن حلف بالمصحف انعقدت يمينه، وممن ذهب إلى ذلك محمد بن مقاتل وقال، وبه أخذ الجمهور وقال فى التفاوى الهندية وبه نأخذ. واختاره الكمال بن الهمام الحنفى فى فتح القدير (كما فى الدر وحاشية ابن عابدين وقال الإمام ابن قدامة الحنبلى فى المغنى، إن الحلف بالقرآن يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها وبهذا قال ابن مسعود والحسن وقتادة ومالك والشافعى وأبو عبيدة وعامة أهل العلم مستدلين بأن القرآن كلام اللّه وصفة من صفات ذاته فتنعقد اليمين به كما لو قال وجلال اللّه وعظمته).
وكان قتادة يحلف بالمصحف ولم يكره ذلك إمامنا (يعنى أحمد بن حنبل) وإسحق لأن الحالف بالمصحف إنما قصد بالحلف المكتوب فيه وهو القرآن فإنه بين دفتى المصحف بإجماع المسلمين.
والذى يتجه فى النظر أنه يمين منعقدة فإذا حنث الحالف فيها لزمته كفارة اليمين وهى ما ذكر فى قوله تعالى { إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم } المائدة 89 ، والآية صريحة فى أنه لا يصار إلى الصوم إلا عند العجز عن الأنواع الثلاثة المذكورة قبله وأن الحانث مخير بين هذه الأنواع الثلاثة وأن مصرف النوعين الأولين هم المساكين وهم كما قال فى المغنى الصنفان اللذان تدفع إليهما الزكاة المذكوران فى أول أصنافهم فى قوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } التوبة 60 ، والفقراء مساكين وزيادة لكون الفقير أشد حاجة من المسكين ولأن الفقر والمسكنة فى غير الزكاة شىء واحد لأنهما جميعا اسم للحاجة إلى مالا بد منه فى الكفاية.
والكفارة بالإطعام أن يطعم عشرة مساكين غداء وعشاء فى يوم واحد أو يطعم مسكينا واحدا غداء وعشاء مدة عشرة أيام.
وجوز الحنفية إعطاء قيمة الطعام والكسوة للمساكين المذكورين لأن المقصود نفعهم وقد تكون القيمة لهم أنفع كما فى الزكاة وصدقة الفطر، ومنع إخراج القيمة مالك والشافعى وأحمد فإن لم يجد الحانث شيئا من الإطعام والكسوة وعتق الرقبة صام ثلاثة أيام متتابعة. ** من فتاوى الشيخ حسنين مخلوف رحمه الله