كما أنقسم المصريون إلى متدينين وعلمانيين .. أو إلى مؤمنين وزنادقة .. ها هم يتشتتون من جديد بين الاخوان والجيش .. مره أخرى أصبح العسكر – رغما عنهم – فى مواجهة السلطة الحاكمة .. فى يناير 2011 انحازت القوات المسلحة للشعب ضد قائدهم الأعلى ابن القوات المسلحة / الرئيس السابق مبارك .. يومئذ اختار العسكر الديمقراطية .. وكان مفهومهم أنها تأتى من خلال صناديق الأنتخابات .. وجاءت عملية الأقتراع بالتيار الأسلامي ليكتسح خمسة انتخابات فى عامين ( استفتاءان على الدستور ورئاسه ومجلسى الشعب والشورى ).. غير أن المصريين بلا جدال يشعرون الأن بخطأ اختياراتهم .. وهم كعادتهم متعجلون يريدون أن يرحل الأخوان ويتولى الجيش مقاليد الحكم .. بل أن الحنق من الأخوان دفع المصريين فى بعض المحافظات إلى تحرير توكيلات للفريق أول عبد الفتاح السيسي / وزير الدفاع لإدارة شئون البلاد ، وهو نفس ما فعلوه من قبل مع د. محمد البرادعى رئيس حزب الدستور عندما توسموا فيه أنه يمكن أن يكون بديلاً للرئيس السابق حسنى مبارك ، لكن التوكيلات لا تجدى طالما أنه ليست هناك انتخابات رئاسيه ..
نعم المصريون عاطفيون .. ولم تنضجهم الديمقراطية بعد .. فالجيش الذى يستجدونه الآن لأنقاذهم من جحيم الأخوان ، هو نفسه الجيش الذى اهانوه وسبوا قياداته السابقة ، وجابوا الميادين يهتفون ضده " يسقط .. يسقط .. حكم العسكر " .. والمصريون أيضاً هم الذين القوا القاذورات والمخلفات الآدميه والحجارة على جيش بلادهم الذى حمى ثورتهم .. وسقط من القوات المسلحه شهداء ومن الشعب ايضاً .. لكن الفرق أن الجيش كتم ألمه وغضبه ولم يعلن اسماء شهدائه الذين قتلهم اخوتهم فى أول سابقة فى التاريخ المصرى .. بينما تاجر الأخوان والسلفيون والثوار بدماء الشهداء مستعجلين عوده الجيش لثكناته والقفز إلى كراسى الحكم بإعتبارهم سلطة مدنية منتخبه جاءت من خلال الصندوق ، واتفقت غالبية القوى السياسية على ارتكاب الجيش لأخطاء كثيرة تستوجب الرحيل الفورى ..
وهكذا تمت الأطاحة بالمشير طنطاوى وعنان ، وتولى الفريق أول السيسي وزارة الدفاع والفريق صدقى صبحى رئاسة الأركان .. وتصور المصريون أن القاده العسكريين الجدد تابعون للأخوان خاصة وأن مدير المخابرات العامة الجديد اللواء رأفت شحاته أدى اليمين أمام رئيس الجمهورية وعدسات التليفزيون المحلية والعالمية واضعاً يده على المصحف الشريف وهو التصرف الأول من نوعه منذ إنشاء جهاز المخابرات !!
واجئ للسؤال الهام : لماذا يطالب المصريون الآن تحديداً بتولى الجيش إدارة البلاد ؟ أجتهد فأقول أن المؤسسة العسكرية هى الجهة الوحيدة المنزهه عن الهوى السياسي وشهوه السلطة لأن عقيدتها هى حماية الوطن واراضيه وأمنه القومى .. ثانياً : مع احترامنا لجميع السياسيين فى المشهد الحالى ، ألا أن أياً منهم لا يحظى بثقة الشعب .. ثالثاً : أدرك المصريون – بعد فوات الأوان – أنهم لا يمكن أن يغيروا رئيساً كل خمسة أشهر ، ولا يعقل أن تستمر حياتهم فى اعتصامات وعصيان مدنى ومظاهرات .. بصراحة أكبر بدأ المصريون يدركون أنهم سيغرقون للأبد لو لم يلق الجيش لهم طوق الأنقاذ قبل الأنتخابات التى تبدأ فى 22 أبريل .. فى داخل كل مصرى رغبة خفية فى أن يرى حاكماً قوياً لا يجامل جماعته أو أهله أو عشيرته .. رئيساً " يظبط " إيقاع البلد ويضفى حسماً على إدارة المرافق وتأديباً علنياً للمجرمين والبلطجية وأصحاب السوابق الذين يمرحون فى الطرقات بعد أن أطلقت الحكومة سراحهم .. نعم هناك كثيرون يعتقدون أن الجيش هو المنقذ لمصر ، لكن هذا الأعتقاد وإن كان صائباً إلا أن أحداً لم يفكر إذا كان هذا الأعتقاد يصب فى مصلحة الجيش أم لا !!
والسؤال هو هل يقبل الجيش الأستجابة لنداء الشعب الذى ينقله إليه وسائل الأعلام وتحثه الصحف يومياً للاستجابة له ؟ هل ستتحرك القوات المسلحة بعد أن حذر وزير الدفاع من انتشار الفوضى والاضطراب فى البلاد ؟! بل وبعد أن حذر وزير الدفاع صراحةٍ الزعماء السياسين – بما فيهم الرئيس مرسى نفسه – بان الوضع أصبح خطيراً وأن عليهم التوافق وإلا ربما تجد القوات المسلحة نفسها فى وضع تضطر فيه للتدخل.
غير أننى شخصياً لا أعتقد أن الجيش يفكر فى الانقلاب الأن حتى لو إزداد الضغط الشعبى عليه .. فأولاً : يؤمن الفريق أول السيسى – تحديداً- بأن الأفضل للجيش أن يبقى بعيداً عن السياسة وصراعاتها خصوصاً بعد ما ناله منها منذ 25 يناير وحتى نجاح الرئيس مرسى فى انتخابات يونيه 2012 .
ثانياً : يدرك الجيش أن زمن الأنقلابات فى الشرق الأوسط لن يتكرر إلا بموافقة ودعم من القوى العظمى ، وهذا الجيش الوطنى العظيم لن يرضى أن يحصل على ضوء أخضر للأنقلاب من أى قوة مهما كان جبروتها وسيطرتها لأنه يعلم أنهم سيطلبون الثمن .. كما فعلوا فى أمريكا اللاتينية وأوكرانيا وجورجيا والفيلبين وأماكن أخرى كثيرة .
ثالثاً : فى مقابلة جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى مع السيسى وزير الدفاع نقل الأول للأخير رسالة أمريكية ضمنية مفاداها أن للجيش مهمة محددة وللديموقراطية والسياسين مهمة أخرى .. أشاد كيرى بدور القوات المسلحة فى حماية الأمن والأستقرار خلال المرحلة الحالية مؤكداً على دعم العملية الديمقراطية فى مصر باعتبارها شريكاً إستراتيجياً فى المنطقة ، وفى الوقت ذاته أستوعب السيسي الرسالة وقال أنه يعتز بنمو العلاقات العسكرية بين مصر وأمريكا فى عدة مجالات وتطلعه إلى مزيد من التعاون وتطوير القدرة القتالية للجيش لدعم الأمن والسلام بالمنطقة ..
رابعاً : لن يسمح الجيش المصرى أن يقترن اسمه فى التاريخ بانقلاب على سلطة شرعية منتخبة ، كما أن ما حدث من تأييد القوات المسلحة لثورة 25 يناير يختلف تماماً عما يحدث الان .. فالجيش آنذاك كان لديه دافع حقيقي أخر لتأييد الثوار وهو أنه كان ضد مشروع التوريث ..
خامساً : يدرك الجيش أن هناك أزمة حقيقية خطيرة تواجه البلاد وقد تدخل وزير الدفاع من وراء الكواليس لإنهاء التصعيد ، فأجتمع بالقيادات السياسية المعارضة وحثهم على الأجتماع بعد يومين تحت إشراف الأزهر وصدرت وثيقة نبذ العنف بتوقيع الجميع .
وتحليلي الخاص أن الجيش – بأحترافه ومقدرته وخبراته – لا يمكن أن يحل مؤسسة شرعية أنتخبت حديثاً ، رغم حماقتها فى إدارة البلاد وقرارتها المتعسفه ومخالفتها للقوانين وانتهاكها للدستور الذى أصدرته هى بنفسها ناهيك عن ملاحقة المعارضين وعدم أحترام القضاه ..
إذن ماذا سيفعل الجيش ، وهل سيقف متفرجاً والقتلى يتساقطون كل يوم والعصيان المدنى يشمل عده محافظات وعجلة الأقتصاد تدور للخلف والخزانة خاوية على عروشها ؟!
الأجابة أجتهاد شخصى فأولاً .. يمكن للقوات المسلحة أن تصدر تصريحات متعاقبة تحرج الرئاسة وتجبرها على الأعتذار وتكشف حجمها الحقيقي أمام الناخبين ، وهو ما حدث فعلاً من قبل وأضطر الرئيس والمرشد العام لجماعة الأخوان بالأعتذار مرتين للجيش وترضيه قادته..
ثانياً : لو عدنا للبيان رقم (1) الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة في فبراير 2011بعد أجتماعه بدون مبارك قائدهم الأعلى ، فإن هذا البيان ممكن أن يتكرر بدون ان يصحبه تحرك عسكرى بالضرورة.. هذا البيان لو صدر سيكون بمثابة دعم معنوى وشعبى لمعارضى الأخوان فى الأنتخابات القادمة خصوصاً إذا ظلت الأمور على تدهورها أقتصادياً وأجتماعياً .. هذا الدعم المعنوى تحتاجه المعارضة لأنها تفتقر إلى التنظيم السياسى الجيد والقاعدة الجماهرية التى يتمتع بها الأخوان ..
هذا فى رأيي سيكون أهم دور سياسي للجيش دون ان يتخلى عن عقيدته ومبادئه ، وهو أن يتمكن معنوياً من شد أزر المعارضة حتى لو حصل الأخوان على الاغلبية فأنها لن تكون كاسحه كالمرات السابقة .
فى هذا الصدد يهمنى التأكيد على أن القوات المسلحة المصرية مؤسسة وطنية لا علاقة لها بالسياسة ، وهى تحافظ على تراب هذا الوطن ويهمها بنفس الدرجة ألا تتخلف عن دول مجاورة من ناحية التجهيز والتدريب والتكنولوجيا الحديثة ، من ثم يظل تزويد الجيش بالسلاح أقوى رابط أستراتيجي بين القاهرةوواشنطن .. لذا فأن من مصلحة الجيش أن يتم النظر إلى مصر بأعتبارها دولة ديموقراطية مستقره سياسية وإن كانت بها بعض الأضطرابات والأحتجاجات ، وهذا يخدم سياسة تسليح الجيش الذى يعتمد فى 80% من تسليحه على واشنطن التى كثيراً ما تتخذ الأضطرابات السياسية ذريعة لخفض المساعدات العسكرية أو ألغائها كما كاد يحدث مع صفقة المقاتلات إف 16 التى تعطلت كثيراً .
ويبقى الأهم وهو متى يتدخل الجيش ؟ أجتهادى أنه لن يتدخل إلا إذا قامت حرب أهلية وشرع المصريون سلاحهم فى وجه بعضهم البعض وأصبحنا مثل لبنان أو اليمن أو السودان .. واتحدث عن المصريين المدنيين وليس عن أشتباكات بين الشرطة والشعب أو قتل مواطن بطريق الخطأ .. والجيش سيتدخل أيضاً إذا فوجئ بأقتحام فلسطينى لسيناء .. لن يقبل بضياع جزء من البلد تحرر بدماء الشهداء .. ساعتها لن ينتظر الجيش نداء الشعب أو ضوء أحضر من " القوى العظمى " سيكون الهدف ساعتها هو حماية التراب الوطنى وحقن دماء المصريين والحفاظ على وحدة البلاد ، وكلها أهداف تتفق مع العقيدة القتالية للقوات المسلحة المصرية ..
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع القائمين عليه