تشهد العلاقات الامريكية – الروسية حالة من التوتر الشديد ، وخاصة بعد الحادث الأخير لمقتل طفل روسي تتبناه أحد العائلات في أمريكا ، والذي أظهر تقرير الطب الشرعي لتشريح جثة الطفل أن وفاته ناجمة عن "حادث عرضي" وأنه "تسبب بنفسه" بجروح أصيب بها، مما يبرئ على والديه بالتبني من اتهامات روسية لهما بقتل الطفل. وجاء هذا التقرير بعد أن طالب مجلس الإتحاد الروسي الكونجرس الأمريكي بإجراء تحقيق في الجرائم بحق أطفال روس متبنين بأمريكا ، وجاءت وفاة الطفل بعد أن عاش أشهرا قليلة فقط قبل أن يقضي نحبه في أحد المستشفيات، وقيل أن هناك لآثار الضرب على جسد الطفل التي بدت واضحة، وكذلك تضرر بعض أعضائه .
وتقول موسكو ان تقرير الطب الشرعي اوضح انه لم توجد اثار عقاقير او علاجات كيميائية في دم ماكس بينما كانت الاسرة الامريكية تقول انها كانت تواظب على اعطائه عقاقير لعلاج حالته النفسية والعقلية.
وأدت وفاة الطفل مكسيم البالغ 3 سنوات في منزل العائلة التي تبنته في تكساس إلى موجة توتر جديدة بين الولاياتالمتحدةوروسيا منذ أعلن مفوض الكرملين لحقوق الطفل بافيل استاخوف في 18 فبراير عن الوفاة، متهماً الوالدة بالتبني بقتل الطفل.
وتسبب هذا الحادث في خروج آلاف الروس إلى الشوارع للتظاهر احتجاجا على السماح للأجانب بتبني أطفال روس، وطالبوا بإصدار قانون يحظر حظرا تاما هذا الأمر على غرار القانون الذي يحظر على الأمريكيين فقط تبني الأطفال الروس.
حوادث مأساوية وزادت هذه القضية من التوتر الذي ساد العلاقات بين البلدين اثر حظر موسكو تبني اطفال روس من قبل عائلات امريكية اعتبارا من مطلع العام.
وبرزت قضية إساءة معاملة الأطفال الروس في الولاياتالمتحدة على قائمة المسائل المثيرة للاستياء والجدل، بعد الكشف في الصحافة الأمريكية عن هروب الطفل دانييل كروتشين ذي الثمانية أعوام خلال العام الماضي من بيت والديه الأمريكيين بالتبني، واستنجاده بغرباء كي يحولوا دون عودته إلى العائلة التي تبنته وتسببت بجروح وكدمات على جسده جراء الاعتداء عليه وضربه.
وقامت عائلة سويني الأمريكية ماثيو 39 عاما وزوجته ايمي 41 عاما بتبني الطفل دانييل في العام 2006، ونقله إلى الولاياتالمتحدة حين كان عمره 3 أعوام، ودانييل هو الطفل الوحيد المتبنى في العائلة.
وقامت شرطة ولاية فيرجينيا الأمريكية، باعتقال ماثيو وايمي سويني، وتوجيه الاتهام لهما بإساءة معاملة الطفل والاعتداء الجسدي والنفسي عليه.
وهناك حوادث أكثر مأساوية في هذا المجال، إذ كانت آخر القضايا التي حظيت باهتمام كبير، قضية الطفل دانييل بوخاروف الذي تعرض لمعاملة سيئة من قبل والدته بالتبني جيسيكا بيغلي. ففي إطار برنامج تلفزيوني عرضت بيغلي فيديو كانت قد صورته وهي تؤنب دانييل على عدم انصياعه لأمر المعلمة وتعاقبه على فعلته.
وذكرت صحيفة "الزمان" العراقية انه عندما عرضت الشريط على الحضور في الأستوديو كانت بيغلي تعتبر أن طريقتها في التربية صحيحة. وبدت على الشريط وهي تطعم دانييل الصلصات الحارة، ومن ثم تضعه في حمام من المياه المثلجة.
بعد هذه الحادثة فتحت الشرطة تحقيقا في الوضع أعلنت في نهايته الهيئة الاجتماعية لولاية ألاسكا أنه لا سوء في معاملتها للطفل، وبرأتها من علامات الاستفهام التي وضعت حول أسلوب تعاملها مع أطفالها بالتبني.
ضحايا العنف ويعرف تبني الأطفال في روسيا تراجعا ففي العام 2011 ، تم تبني نحو 3400 طفل، ذهب ثلثهم إلى عائلات أمريكية، إلا أن تقارير أشارت إلى أن 16 طفلا توفوا من سوء معاملة الوالدين خلال 17 عاما من ممارسة التبني. ففي 14 تموز / يوليو 2010، بدأت محاكمة في قضية مقتل الطفل فانيا سكوروبوغاتوفا، الطفل الروسي الذي تبنته أسرة أمريكية وتم توجيه أصابع الاتهام إليها في التسبب بوفاته.
وكشف مفوض حقوق الطفل الروسي بافيل أستاكوف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أظهرت السجل الأعلى في حالات الانتهاكات بحق الأطفال الروس المتبنين.
ونقل راديو "صوت روسيا" عن أستاكوف قوله - ردا على سؤال وجهه إليه صحفي أمريكي - قوله " إنه لم تسجل دولة أخرى ذلك الكم الكبير من حالات الوفاة أو استخدام العنف ضد الأطفال الروس" .
وأضاف أن معدل تبني الأمريكيين للأطفال الروس ارتفع بشكل يقارب نظيره في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، ولكن تلك الدول لم تظهر تضييقا للرقابة على الأطفال أو ممانعة لتوفير المعلومات عنهم.
وخلال ال20 عاما الماضية تم تبني 60 ألف طفل روسي كانوا دون وصاية الأهل، مع الإشارة إلى أن أغلبية هؤلاء الأطفال تبنتهم أسر أمريكية. وتبنى أمريكيون أكثر من 45 ألف طفل روسي منذ عام 1999 من بينهم 962 طفلا تم تبنيهم العام الماضي.
وطبقا لاستطلاع للرأي أجرته في 23 ديسمبر / كانون الأول الماضي مؤسسة الرأي العام ومقرها موسكو قال 75 في المئة ممن شملهم الاستطلاع إن روسيا يجب أن تفرض قيودا إضافية على تبني الأطفال في الخارج أو حظره.
وتجري 80 في المائة من عمليات التبني عن طريق منظمات معتمدة متخصصة في هذا المجال وتملك التراخيص اللازمة، بينما تجري عمليات التبني الأخرى بشكل مستقل مما يحول دون أي متابعة أو رقابة عليها. ووقعت روسياوالولاياتالمتحدة منذ فترة قصيرة اتفاقية تنظم عملية التبني وتفرض عليها قيودا تسمح بمتابعة أوضاع الأطفال وتشديد الشروط على الأهل الراغبين بتبني الأطفال الروس.
حظر التبني إلا أن روسيا قامت مؤخراً بإصدار قرارا يحظر تبني الاطفال الروس في أمريكا ، بعد وقوع حالات عديدة للعنف ضد الأطفال الروس المتبنين في أمريكا جعلت المشرعين الروس يتبنون ما سمي ب"قانون ديما ياكوفليف" الذي يفرض حظرا على تبني الأطفال الروس من قبل مواطنين أمريكيين.
حيث وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قانونا في ديسمبر الماضي يحظر تبني الأمريكيين للأطفال الروس ويفرض عقوبات أخرى ردا على قانون أمريكي جديد لحقوق الإنسان يقول بوتين إنه يضر العلاقات بين البلدين.
ووصفت واشنطن القانون الروسي الجديد بأنه خاطئ وقالت إنه يربط مصير الأطفال "باعتبارات سياسية لا علاقة لهم بها" . وقال محللون إنه من المرجح أن يعمق فتورا في العلاقات الأمريكية الروسية ويضر بصورة بوتين في الخارج.
ونقلت وكالة انترفاكس للأنباء عن مفوض حقوق الطفل في روسيا قوله إن 52 طفلا كان يتم إنهاء اجراءات تبنيهم من أسر أمريكية سيبقون الآن في روسيا.
ويقضي القانون الذي أصدره الكرملين بحظر نشاط بعض المنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلا أمريكيا ويفرض قيودا على إصدار التأشيرات ويجمد أصول الأمريكيين الذين يتهمون بانتهاك حقوق الروس في الخارج.
وكان مشرعون موالون للكرملين قد وضعوا مشروع القانون في البداية ردا على القانون الأمريكي المعروف باسم قانون ماجنيتسكي والذي يحظر دخول الروس المتهمين بارتكاب انتهاكات مزعومة لحقوق الانسان وبالضلوع في وفاة المحامي المناهض للفساد سيرجي ماجنيتسكي اثناء احتجازه.
وتمت إضافة القيود على التبني والمنظمات التي لا تهدف للربح الى مشروع القانون في وقت لاحق مما صعد الخلاف مع واشنطن في وقت تشهد فيه العلاقات توترا بسبب قضايا مثل الأزمة السورية.
وقد يزيد قانون حظر التبني تشويه المكانة الدولية لبوتين في وقت تتعرض فيه سياسته لتدقيق شديد بسبب ما يقول منتقدوه إنه حملة على المعارضين منذ أن عاد إلى الكرملين للمرة الثالثة في مايو .
المعاملة بالمثل ويعد قانون حظر التبني ردا على مشروع اقترحه الكونجرس الأمريكي، تحت اسم "ماجنيتسكي"، يحظر دخول أمريكا على الروس المتهمين بانتهاك حقوق الانسان.
وينص "ماجينتسكي" على منع سفر وتجميد أرصدة مسئولين روس تعتبرهم أمريكا متورطين بوفاة المحامي الروسي سيرجي ماجنيتسكي في السجن.
وكان مجلس الشيوخ الأمريكي أقر مشروع قرار يلغي ما يعرف بتعديل جاكسون فانيك الذي يفسح المجال أمام تطبيع العلاقات التجارية مع روسيا، ولكنه يتضمن في الوقت نفسه ما يسمى بقانون ماجنيتسكي وقد صوت لمصلحة إقراره 92 عضواً مقابل 4 صوتوا ضده.
وكان المحامي الروسي سيرجي ماجنيتسكي موظف مؤسسة "هيرميتاج كابيتال مانجمنت" المتخصص بمكافحة الفساد، أُدخل إلى السجن بعد كشفه النقاب عن فساد مسئولين بالحكومة الروسية، وتوفي عام 2009 في السجن، وأدرجت السلطات الأمريكية مسئولين روس تزعم أنهم وقفوا وراء موت ماجنيتسكي، وارتكبوا انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، على قائمة أصبحت تعرف بقائمة ماجنيتسكي.
وينص القانون على منع هؤلاء المسئولين من دخول الولاياتالمتحدة واستخدام النظام المصرفي.
وانتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تشريعا أمريكيا يهدف إلى معاقبة الروس الذين ينتهكون حقوق الإنسان. وصرح بوتين بأن قانون ماجنيتسكي الأمريكي سيزيد من تدهور العلاقات المتوترة بالفعل بسبب الصراع في سوريا وطريقة التعامل مع معارضي الكرملين منذ عودته إلى الرئاسة في مايو / أيار الماضي. وأضاف بوتين حينها "لماذا يحتاجون إلى هذا؟ إنهم يتحدثون عن بداية جديدة في الوقت الذي يزيدون هم أنفسهم من الوضع سوءا" في إشارة إلى جهود الرئيس باراك أوباما في فترة ولايته الأولى لتحسين العلاقات بين البلدين.
وفي المقابل أقر مجلس الدوما الروسي بأغلبية 431 صوتاً مشروع قانون يحظّر مشروع القانون على المواطنين الأمريكيين الذين ارتكبوا جرائم بحق المواطنين الروس الذين يعيشون في الخارج، أو الأمريكيين الذين كانوا متورطين بهذه الجرائم دخول الأراضي الروسية.
وتنطبق أحكام هذا المشروع على المسئولين الأمريكيين المتهمين بتسهيل عملية الإفراج عن أشخاص متورطين في جرائم ضدّ مواطنين روس، أو باختطافهم أو سجنهم بطريقة غير شرعية، أو المسئولين الذين نشروا عبارات غير مبررة ومنحازة ضدّ مواطنين روس، أو شاركوا بأي شكل آخر في الاضطهاد الذي لا أساس له لهؤلاء المواطنين.
ويتضمن المشروع أحكاماً بتجميد الأصول المالية للمواطنين الأمريكيين الذي أعلن أنه غير مرحب بهم في روسيا، بالإضافة إلى فرض حظر على أي تحويلات لعقارات تعود لهم.