أكد منقذ أبوعطوان الباحث في شئون الأسرى الفلسطينيين أن سجون الاحتلال الإسرائيلي هى البديل السيء للقتل، قائلا "إنه بالنظر إلى طبيعة السجون الإسرائيلية من الخارج فهى تبدو وكأنها قلاع مشيدة ومسيجة بأسلاك جارحة لا يستطيع العصفور أن يمر من خلال سياجها". وقال أبوعطوان وهو أسير سابق ، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، إن السجون الإسرائيلية من الداخل مرعبة ومخيفة وهى أشبه بعلب أسمنتية يكسوها اللون الداكن والضوء الخافت، مغلقة لكل فسحات أو شطحات للفكر قد تخرج الحلم بالحرية والانعتاق.
وأضاف "أن السجون الإسرائيلية أعدت وصممت على أيدي مهندسين معماريين استمدوا فكرة تأسيسها من أساتذة علم النفس والاجتماع وما توصلت إليه آخر أبحاثهم في تدمير النفس والجسد لقاطنيها من السجناء".
ونبه إلى أن السجون الإسرائيلية هى بمثابة قبور جماعية لأموات أحياء، بل أن ما يميزهم عن الأموات أنهم يتنفسون ويأكلون فكلاهما السجناء والأموات، محجوبون عن الشمس، ومعزولون عن الفعل الاجتماعي.
وتابع أبوعطوان "رغم أن هذه السجون الإسرائيلية أعدت لتكون بديلا لأعواد المشانق، أو بديلا سيئا للتصفية الجسدية للمناضلين الفلسطينيين، إلا أن الأسرى استطاعوا ترويضها وتحويل أهدافها من مؤسسة هدامة وفتاكة بالروح والجسد إلى مؤسسة تعيد إنتاج ذات وطنية مقاومة أسست وأسهمت في تطوير وسائل وأساليب مواجهة المحتل من خلال الأدلجة والفكر المقاوم الذي تسلح به الأسرى داخل السجون، وبدأوا يمارسونه وينشرونه خارج السجن بعد تحررهم وخروجهم من السجن.
وقال منقذ أبوعطوان الباحث في شئون الأسرى الفلسطينيين إن الأسرى هم جزء من الجسد الاجتماعي العام، فما حملته أجسادهم من قهر وألم من السجان ومن فكر مقاوم من الأسرى انتشر وعمم من الجسد الفردي إلى الجسد العام (المجتمع) وهذا شيء طبيعي طالما أن الإنسان لا يستطيع العيش إلا داخل وسط اجتماعي - أو كما قال ابن خلدون "الإنسان مدني بالطبع" - يؤثر فيه ويتأثر به .. هذه الحال من إعادة بناء الذات الفلسطينية.
وأفاد بأن عمليات الأدلجة وتثقيف للأسرى الفلسطينيين لم تكن تحدث بعيدا عن عيون السجان (المحتل)، فهو حاربها بأشكال عدة وعديدة، سواء بالتنقلات بين السجون وجعل الأسرى يعيشون حالة عدم الاستقرار والترقب، أو بالاعتداء المباشر على بعض رموز الأسرى وعزلهم داخل زنازين قاسية، أي عزلهم فوق عزلهم الأساسي (السجن) أو من خلال الإبعاد أو التصفية المباشرة للأسرى كما حدث مع الأسرى الشهداء بسام سمودي وأسعد الشوا وغيرهم من أطلقت عليهم النار من مسافة الصفر، بطرق عدة ووسائل مختلفة.
وأشار إلى أن إدارة سجون الاحتلال واجهت التغييرات والتحولات الفكرية والثورية لدى الأسرى، بل تجاوز الأمر إلى أبعد من ذلك في الأونة الأخيرة من خلال تجريب بعض الأدوية على الأسرى والتعامل معهم وكأنهم فئران تجارب لمختبراتهم.
ولفت إلى أن الكثير من الأسرى يخرجون من السجن وهم محملون بكثير من الأمراض والأعراض غير المعروفة كما حدث مع الأسير الشهيد أشرف أبو ذريع مؤخرا، حيث تم حقنه بإبرة سامة لا يعرف نوعها أدت إلى تأكل جسده وأدخلته في غيبوبة أفضت إلى الموت، أو كما حدث مع الأسير زياد ردايده الذي خرج من السجن عام 2008 مريضا ولم يستفد جسده من العلاج إلى أن وصل الأمر إلى فشل رئوي أفضى إلى موته.
وقال إن السجن الذي كان البديل السيء للقتل أصبح اليوم هو من يمارس القتل والتصفية علنا دون أي تحرك أو احتجاج أو شجب من المؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية، قتل مباشر وغير مباشر للأسرى داخل السجون، تمارس عليهم أدوات القتل في داخل السجن ثم يخرجون من السجن لكي يموتون في خارجه، متسائلا ماذا تقصد إدارة سجون الاحتلال من ذلك؟.
وأعرب منقذ أبوعطوان الباحث في شئون الأسرى الفلسطينيين عن اعتقاده بأن إدارة سجون الاحتلال تعيد تحديث وتطوير ذاتها من خلال دورها في تدمير الجسد والروح للانسان الفلسطيني من خلال عاملين أساسيين وهما الأول : إدخال الرعب والخوف داخل الوسط الاجتماعي الذي يعيش في الأسير.
وقال إن الأسير يحمل معه آلام وقهر السجن للجسد الاجتماعي العام بعد تحرره من السجن، فالأسير المحقون بالإبر السامة أو الأمراض غير المعروفة وموتهم متأثرين بها تجعل الأخرين يخافون ويهابون من السجن أكثر، وبالتالي التراجع عن المشاركة أو المساهمة في أي فعل نضالي من شأنه إلحاق الأذى في المحتل.
وأوضح أن العامل الثاني يتمثل في أن إطلاق سراح الأسرى وهم على وشك الموت هى بالأساس فكرة استعمارية تستهدف حرمان الأسرى من التحول إلى شهداء ورموز يحج إلى قبورهم، وليس سلوكا نابعا من إنسانية السجان، بل أن السجان يدرك ويعرف جيدا أن إطلاق سراحهم لا يمكن أن يتم إلا بعد دراسة تفيد بأن الحالة أصبح ميؤوسا منها ولا يمكن أن تستفيد من العلاج كما حدث للأسير زكريا عيسى من بيت لحم أو الأسير زهير لباده من نابلس أو أشرف أبو ذريع من دورا.
وأشار إلى أن المحتل من خلال سجونه لا يكتفي بعزل الأسير عن وسطه الاجتماعي ومصادرة حريته وحبس فكره وروحه، وإنما قتله وحرمانه من صفة الشهيد التي قد يتمتع بها إذا وافته المنية داخل السجن.
جدير بالذكر أنه يوجد داخل السجون الإسرائيلية حاليا 4800 أسير فلسطيني منهم 530 أسيرا صدر بحقه السجن مدى الحياة، إضافة إلى 283 أسيرا يعانون من أمراض صعبة للغاية ولا يقدم لهم سوى مسكنات للألم من بينهم 14 أسيرا موجودون فيما يسمى مستشفى سجن الرمله، علاوة على 14 أسيرة منهن من هى حامل أو مريضة بالإضافة إلى 219 طفلا لم يتجاوزوا عمرهم ال(16) عاما.