عبداللطيف لمحيط : الجماعة والشارع الأكثر تأثيرا عمار حسن : لا فائدة من حوار مرسي الوطني
كتب – شيماء عيسى وعمرو عبدالمنعم
أكد الدكتور عماد عبداللطيف، خبير البلاغة السياسية، أن خطاب مرسي الأخير يعكس التردد والرغبة في إظهار الحسم أمام الجماهير، وأكد أن الجماهير تحتاج لرئيس له مصداقية ولا تختلف أقواله عن أفعاله ولا يحمل خطابه تمييزا لفصيل على حساب آخر ويعرف كيف يستمع لمعارضيه ويتواصل معهم . وعلى الجانب الآخر رأى عبداللطيف أن خطاب جبهة الإنقاذ براجماتي يسعى لتحقيق مطالب محددة، ولكن هذا الخطاب مختلف عن تصريحات قادة الجبهة في الفضائيات والتي تحمل اللغة الاتهامية للرئيس وترفض أي حوار معه .
وصرح عبداللطيف ل"محيط" بأن جماعة الإخوان وجماعات الغاضبين والثوار بالشوارع صاروا أكثر فاعلية في المشهد المصري من مؤسسة الرئاسة والأحزاب والجبهات ، وبالتالي يجب دراسة خطاباتهم جيدا لأنها مؤثرة في مستقبل مصر . كما حذر من خطايا الخطاب السياسي التي تعوق الحوار الوطني وقد تورط في ذلك كل الفصائل السياسية والرسمية بلا استثناء حين واصلت حملة التشويه والإقصاء المتبادلة .
جاء ذلك على هامش مناقشة كتاب "بلاغة الحرية" للدكتور عماد عبداللطيف مدرس البلاغة بجامعة القاهرة، والذي شهده صباح اليوم معرض القاهرة الدولي للكتاب ، ضمن النشاط الثقافي ، بحضور الدكتور عمار علي حسن خبير الاجتماع السياسي ، والدكتور نبيل عبدالفتاح المحلل الاستراتيجي، وذلك ضمن ندوة أدارها الناقد والصحفي مدحت صفوت .
وقال عمار حسن ل"محيط" أنه يرفض الحوار الوطني الذي دار صباح اليوم، بدون أن يحمل صفة الجدية وفي غياب أجندة واضحة أو أسس تضمن نجاحه وتنفيذ توصياته . وأضاف أن مشكلة مصر حاليا أنها يحكمها مسار واحد فقط تسير في ركابه، بينما الامم القوية تصنع أكثر من بديل لعلاج مشكلاتها .
وكنتيجة لوضعنا الراهن فإننا نصبح مغنما أحيانا لجهة على حساب بقية الجهات، ونخضع لأراء مستبدة، وكثيرا ما نسعى لترقيع المسار الخاطيء لأننا لا نملك بديلا له . أخيرا أكد "عمار" أن أهواء الساسة دفعتنا لمنزلق العنف الخطير الجاري .
أما بخصوص الكتاب، فجاء في كلمة الدكتور عمار حسن، التأكيد على أهمية دعم تخصص البلاغة السياسية في مصر، لما له من قدرة على تحليل الخطاب السياسي بشكل عام وأثره في الرأي العام ، وضرب المثل بالحجاج بن يوسف الثقفي وهو طاغية شهير ولكنه كان خطيبا مفوها يستطيع أن يجذب انتباه سامعيه ببلاغته.
وفي الانتخابات الامريكية الأخيرة حين قيل إن اوباما استطاع أن يسحر الشعب الأمريكي ببيانه، فهو رجل مثقف استطاع برطانة معينة ، وكان الرئيس جمال عبدالناصر صاحب بلاغة ساحرة لرجل الشارع العادي، لبس بالكلمات وحدها ولكن بصدق القلب والعيون .
ويمتاز الكتاب كما يرى الدكتور عمار بأنه يحلل الخطاب البلاغي السياسي الراهن، والمستقى من مشهد الثورة، وليس كما كانت تدرس دروس البلاغة القديمة حين تدرس النصوص الجمالية المنبتة الصلة بالواقع ، كما يمتاز المؤلف بقدرته على تحليل الحركة وليس الكلمة فقط ، وتحليل أكاذيب الدعاية السياسية، والانتشار الافقي الذي يمكنه من دراسة كافة الفاعلين في المشهد بما في ذلك شبكة الفيس بوك وخطاب الشباب عليها وخاصة أنها استطاعت أن تضع خططا مرسومة لأفكار الشباب وليس كما نتهم دائما حوارات دائرية تنتهي من حيث بدأت.
يضيف عمار : يشير الكتاب إلى العقل التحايلي الذي يمتاز به المصريون، حين نادوا مبارك مثلا من الميدان "اهرب يا غبي قبل ما يقفشوك" وكأنها نصيحة ولكنها رغبة أيضا في إزاحته من الحكم ، وتجد السخرية عارمة ، فهناك بائع كتب على بضاعته "شاي التنحي"
وقد بنا العالم أحلاما كبيرة على ثورة مصر، خاصة أنها رفعت شعار السلمية، وكان الساميون أول من احتلوا مصر منذ أقدم العصور فجاء أورمي من الجنوب ليحررها بالفلاحين المصريين وكتب وثيقة لا تزال بيننا أنه وجدهم متحابين لا يسرق أحدهم نعل أخيه .
من جانبه رأى الناقد مدحت صفوت أنه لابد أن يضبط مبدأ السلمية حتى لا نتحول لثورة ملونة تميع مطالب الثورة وترقع النظام ولا تصلحه . وأكد أن الكتاب ركز على فخ الخطابات النقية مثل حماية المدنيين في ليبيا وأحيانا يتم استخدامها من جانب القوى الغربية لتصفية حسابات، وقد جرى ذلك في سوريا.
ورأى صفوت أن الإعلام ساهم في صناعة أسطورة وائل غنيم، واعتبر أن الكتاب ينقصه التركيز على أيقونة صورة خالد سعيد بجثته المشوهة إثر محاولات حشو لفافة المخدرات . وعاب الناقد استعارة السفينة التي استخدمها البرادعي حين قال أن المجلس العسكري ربانها ، ولكن تاريخنا مع هذه الاستعارة سيء فهي تكرس للطبقية والاستبداد وبها ربان وطبقان وقبطان وركاب السفينة وهم الأهل هم يحافظون على السفينة للوصول وهم لا ينتمون لها ، وسيكولوجية ركاب السفينة هي الخوف والهلع وليس الثبات والإصرار .
وقد غاب عن خطاب مرسي كما يرى صفوت فكرة الكيان الصهيوني ، وفكرة دولة عبدالناصر أيضا ، وهو ما يوضحه الكتاب .
الكتاب، كما يرى الدكتور نبيل عبدالفتاح يجسد المسرحية التي نعيش فيها والتي لجأ فيها الحاكم للطواريء للأسف، وقد استخدم الكاتب مفهوما هاما وهو بلاغة الميادين، التي نادت بالحرية والكرامة، وقد حملته الطبقة الوسطى والعليا الوسطى، وهو أمر مختلف عن استخدام الأحزاب ذات المرجعية الدينية للشعارات الإسلامية في الميادين والفضائيات بهدف الحشد .
والكتاب يشير إلى أن خطاب حزب الكنبة يعبر عن الخوف، وعدم الثقة من الحركات الانتفاضية . أما المنتج للغة الميادين فهم صناع الفعل الثوري، والتي تمتاز بالروح الساخرة والعفوية والمتمردة . وقد دخل تعبير العدالة الاجتماعية بعد جمعة الغضب 28 يناير .
أخيرا أكد مؤلف الكتاب أنه حاول استكشاف موضع أقدامنا في الربيع العربي، وركز على المناظرات والشعارات والخطب التي أنتجها الربيع، والثورات السلمية يكون الحسم فيها للخطاب إذا ما حيدت البندقية، وقد كان النظام يحارب بالشائعات وكانت الثورة تحارب باللافتات والشعارات . وقد فكر الباحث أساليب الإسلاميين في الحشد والدعاية، وقد ركز على تحليل خطاب الميادين والصناديق والشاشات .
وأكد عبداللطيف أن ما حدث ببورسعيد والسويس والقاهرة وغيرها، هو ما نجنيه من خطاب التخوين والكراهية والعنف التي استخدمت لأغراض نفعية مثل الوصول للصناديق أو إضعاف المعارضين . وقد كتب على الفيس بوك أمس : ما أشد احتياجي لك يا غاندي ، فرد أحدهم : لو لم تتقمص روح غاندي فعليك أن تتقبل شبح بن لادن ، والحقيقة أن الرصاصة والحجارة لا تنجز التغيير وأن "سلمية .. سلمية " هو ما يمكن أن يصنع من الثورة ثورة . وقد جرب الاخوان تجربة اليد الباطشة امام قصر الاتحادية وأدركوا أن الثمن باهظا ، ويجب أن نعلم أن كل صمت عن إدانة العنف والبلطجة والخروج على سلمية الثورة سوف يؤثر علينا جميعا ، وسيكون الجميع خاسرين .
لجورج اورويل تشبيه يقول : اللغة والسياسة وجهان لعملة واحدة ، ويتساءل : هل يعني هذا أن فساد أحدهما يؤدي لفساد الآخر ؟ ويجب نعم . ويرى عبداللطيف أن استخدام خطابات تحريضية تخون دون أدلة وتميز بين المواطنين على أساس انتماءاتهم وتميز بين المصريين وتوجه لحلفاء جماعة بعينها يؤدي لفساد السياسة، وبالمثل فإن الخطابات السياسية التي تراهن على مصالح فئوية هي أيضا خاسرة .
ويتساءل أورويل : هل يعني ذلك أنه يمكننا إصلاح السياسة بإصلاح اللغة ؟ وكانت إجابته بالإيجاب، حين نتبنى خطابا عادلا ، ويرى الباحث أننا إذا راجعنا طريقة التحاور ومنعنا المليشيات الإلكترونية من هذا التعدي البشع على الفكر ستتحسن السياسة .
أحد المتداخلين، تذكر خطاب ناصر حين قال أنه سيذهب لمناصرة الجماهير السورية باللاذقية، فهاجت الجماهير وصفقت، ثم رجع ناصر وقال انه لن يسمح برفع السلاح العربي على العرب وسيجعل سوريا للسوريين، فهاجت الجماهير أيضا، فهنا ندرك سيكولوجية الخطاب !