أفرزت ذكرى ثورة يناير المصرية حركة شبابية جديدة تمكنت فى وقت قصير من فرض إسمها على الساحة , و تعاطفت معها بعض الأراء و إعترضتها أراء أخرى , و بدأت التيارات السياسية المختلفة فى محاولة التعامل معها سواء بالتقرب منها لإحتوائها كأحد وسائل الإستقواء بها أو بإتهامها بأنها حركة تابعة للتيار المعارض بوصفها تنتهج أهداف تعارض أنظمة حكم التيار الإسلامى المتمثلة فى الإخوان المسلمين فى مصر. رغم ندرة المعلومات المتوافرة عن مثل هذه المجموعات و التى تطلق على نفسها أسماء مختلفة مثل البلاك بلوك أو الكتلة السوداء نسبة الى مجموعات نشأت فى ألمانيا و منها إنتشرت فى أوروبا فى أواخر القرن الماضى و منا الى أمريكا و تمتزج مشاعرها بالحب والحماس و الغضب. إلا أن المجموعات المصرية التى إتخذت من هذا التكتيتك سبيلا لها للتعبير عن رايها فى ذكرى ثورة يناير إتخذت لنفسها عدة أسماء منها الحركة السوداء نسبة للمسمى الأصلى الكتلة السوداء أو البلاك بلوك فضلا عن إتجاههم لتوضيح أن هذه المجموعات رغم تناثرها فى العديد من المحافظات بأنها تعمل تحت مظلة واحدة أطلقوا عليها إتحاد أشباح الثورة , كما إتخذت بعض المجموعات منها إسم كتيبة المشاغبين نسبة الى الهوليجانز Hooligans و هى مجموعات ظهرت فى بريطانيا و تنتهج سلوك غير شرعى و غير قانونى فى تصرفاتها مثل عمليات الشغب و التنمر و التخريب المتعمد للممتلكات العامة والخاصة .
و على الرغم من أن هذه المجموعات غير مرتبطة تنظيميا ببعضها البعض حتى الآن و لكن يمكن أن نؤكد أن إرتباطها و إتحادها , نتيجة للنجاح الذى حققته منذ يوم 25 يناير 2013 , أصبح وشيكا بفعل وسائل الإتصال الحديثة و شبكات التواصل التى أتاحت لهذا الجيل إمكانيات لم تكن متاحة لأسلافه . كما أنه وضح من خلال متابعاتنا أنه على الرغم من أن هذه المجموعات لا تسمح بإنضمام عناصر جديدة لها فى الشارع و أنها تعتمد على معرفتهم الشخصية ببعضهم البعض إلا أنه يتم التنسيق بين المجموعات حال ظهورهم فى صورة مجموعات فى الميدان.
تتكون كل مجموعة من مجموعات البلاك بلوك أو الكتلة السوداء من حوالى 20 – 40 شاب و لا يشترط الجنس حيث نجد أن هناك مجموعات تضم فتيات فى قوامها , و هى مجموعات إتسمت بالنظام و لكل مجموعة قيادة و يلتزم أفراد كل مجموعة بتعليمات القياده , كما أنه من الواضح أن هذه المجموعات أعدت نفسها بصورة جيدة و تعرف أهدافها و عادة ما يكون فى أوساط كل مجموعة عناصر مسلحة بفعل ما توافر بالسوق المصرى من سلاح غير شرعى سواء كان مهرب أو مصنع بصورة محلية بحيث يضمن أعضائها تغطية عمليات الإنسحاب فى حالة تعرضهم لموجات عنيفة من الأمن أو من أى مجموعات أخرى.
أعلنت هذه المجموعات بصور مختلفة عن أهدافها و التى تمثلت فى محاربة الظلم و الفساد وإستكمال أهداف الثورة كهدف اساسى فضلا عن وضوح رؤية هذه المجموعات فى الإختلاف مع الإخوان المسلمين و أنهم يعتبرون انفسهم بأنهم الجيش الحامى لحمى الثورة , و أنهم لا يستهدفون الشرطة فى المقام الأول كما يظن البعض و لكن تدخلهم ضد الشرطة عادة ما يكون عندما تقوم الشرطة بإستهداف التظاهرين أو إستخدام العنف ضد المتظاهرين , كما أعلن تلك المجموعات بأن شعارها الأساسى هو الله – الوطن – الثورة.
نجحت هذه المجموعات بفرض نفسها على الساحة من خلال وسائل مختلفة بدأت بالترويج لنفسها من خلال الإنترنت و الظهور المكثف بمناطق مختلفة بعدد من المحافظات فضلا عن ظهورهم فى مواقف متعدده أبهرت المتواجدين و المعتصمين بالميادين و كان أبرز هذا الظهور عندما حاول البعض دخول المتحف المصرى فى حوالى الساعة التاسعة من مساء يوم 26 يناير و قامت هذه المجموعات بحماية المتحف من أعمال الشغب و البلطجة , كما برز دور هذه المجموعات اثناء محاولات التعدى على بعض المسيرات المتوجهة للميادين التى أعلن عن التظاهر بها فى ذكرى الثورة , و فى الحقيقة قد لاقت هذه المجموعات إستحسان من جموع المسيرات كما أشادت شهادات العديد من الثوار المتواجدين بالميادين بمواقف هذه المجموعات.
إن ظهور و تكوين مثل هذه المجموعات من وجهة نظرنا و خاصة فى أعقاب الثورات وحالات الفوضى و إنتشار أعمال البلطجة و السلب و النهب و إنعدام الامن أصبح أمر لا مفر منه , كما أن هذه المجموعات تعتبر أحد نماذج التطور الطبيعى لفكرة اللجان الشعبية , إلا أن هذه المجموعات الشبابية و تماشيا مع عصر السرعة أصبحت فى تكوينها اسرع بكثير من فكر التنظيمات السرية أو الإرهابية خاصة مع نبل مقاصدها و نصاعة أهدافها , و لكن هل من الممكن أن تتطور مثل هذه المجموعات فى حالة إستقوائها لتكون مجموعات إجرامية أو مجموعات أناركية بمعنى فوضوية تلعب دور بارز فى إنهيار الدولة بمفهومها الأمنى الشامل؟ و هل من الممكن أن تشكل مثل هذه المجموعات جماعات ضغط مزمنة فى وجه الدولة ؟ وهل تهدأ هذه المجموعات بعد تحقيق أهدافها ؟ و هل لها تأثير على الأمن و الأمان ؟
إن الإجابة على الأسئلة السابقة هى حل لألغاز لا يمكن التنبوء بها أو المراهنة عليها خاصة فى ظل حالة عدم الإستقرار و الإنقسام التى تشهدها البلاد و التفاعل السلبى من النظام الحاكم و سياسات التكفير و التخوين التى ينتهجها تيار الإسلام السياسى و إن كنا نرجح زيادة فى هذه المجموعات لما ستمثله هذه المجموعات من كيان نفسى يمثل تحرك الشباب و الشارع فضلا عن فاعليتها فى إستدرار الإستحسان من قاعدة عريضة من الشارع المصرى مع الإخفاق المستمر لرموز المعارضة السياسية و التى اصبحت تستمد أدائها و منهجها من الشارع الذى أصبح دائما يسبقها بخطواط عديده.
إن تطور هذه المجموعات أصبح أمر لا مفر منه خاصة مع ما مثلته من كيان أشبه بالمنقذ الذى طال إنتظاره و خاصة مع تيقن التيار المعارض لتيار الإسلام السياسى بأنه لا يملك المقومات التنظيمية و الكتائب التى كثر الكلام عنها و التى باتت تمثل أحد وسائل دفاع النظام عن نفسه , كلما كانت البيئة مناسبة لإنتشار و زيادة هذه المجموعات كلما كانت فرص الاتحاد بينهم أكبر و بالتالى فإن هذه المجموعات مرشحة بصورة كبيرة لتفرض نفسها كأحد مفردات العمل السياسى خلال المرحلة القادمة . و لا يمكن التقليل من حجم هذه المجموعات كأحد أبرز المجموعات المرشحة لتكون جماعات ضغط قوية على النظام إسوة بما مارسته مجموعات ألتراس الأهلى من ضغط على النظام .
أما أن تتحول هذه المجموعات لمجموعات فوضوية أناركية فإن هذا المسار سيحدد بفعل تعاطى الدولة مع هذه المجموعات و مدى إنتهاجها لوسائل ضغط مختلفة قد تتطور من الدفاع الى الهجوم و إن كانت معايير عمل هذه المجموعات فى الوقت الحالى 90 % دفاع و 10 % هجوم فإن عكس هذه المعايير وارد فى ظل إستمرار الشرطة فى التعامل العنيف مع الشارع وعدم تحقيق مطالب الثورة و إستمرار النظام فى الإختفاء و التعامل بإستعلاء مع هذه المجموعات الشبابية التى لا تهاب السلطة و ليس لديها ما تفقده أو تبكى عليه ما دامت لا تتوافر لها معايير الأمل لمستقبلها.
و لكن قياس مدى قدرتها على التعاطى مع ردود فعل الدولة تجاه أهدافها فإنه من الواضح ان أى مجموعات لها قيادة يمكن أن يتم السيطرة عليها و لكن ندرة المعلومات عن مدى ثقافة هذه المجموعات و مدى قدرتها على تحديد المحددات التى لا يمكن تجاوزها و مدى قدرتها على إنتظار النتائج تصبح أحد أهم المحددات فى قياس قدرتها على العودة للهدوء و قد يكون من الأفضل أن تسعى الدولة للتفاعل مع مثل هذه المجموعات بالتحاور و الإحتواء و توجيه مجهودات هذه المجموعات للعمل بحيث بمكن الإستفادة منها بصورة إيجابية و إلا ستظل أحد الكيانات الغير مسيطر عليها و التى يمكنها أن تنفجر مع كل موقف.
أما من الناحية الأمنية فإن مثل هذه المجموعات و كما أشرنا سابقا بأنها مسلحة فإنها تمثل خطرا على الأمن و لا يمكن السيطرة على ردود افعالها لما لها من قدرات تتمثل فى شبابيتها و إمتلاكها لعناصر المبادءة و عدم قبول ميلها للعنف مع سلطات تنفيذ القانون و بالتالى فإنها قد تكون أحد وسائل إنتهاك القانون بالدولة , و قد يمتد الأثر السلبى لمثل هذه المجموعات فى قيام بعض عناصر البلطجة و عناصر الجريمة بإنتهاج نفس أساليب تلك المجموعات لتكون ساترا تلعب من وراءه لتحقيق أهدافها الغير مشروعة , بل قد يمتد الوضع لتدخل هذه المجموعات الأصلية ذات المقاصد النبيله فى معارك مع سلطات تنفيذ القانون للدفاع عن المجموعات التى تحاكى مظهرها فى تنفيذ عمليات غير مشروعة إستنادا لإنعدام الثقة الذى سيتولد قريبا بين هذه المجموعات و الشرطة و القضاء.
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه