قبل يومين من انعقاد القمة العشرين للاتحاد الأفريقي.. يلتقي الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره الجنوبي سلفاكير ميارديت اليوم الجمعة في أديس أبابا، ومن المقرر أن تناقش القمة القضايا الخلافية بين البلدين حول الأمن واستئناف صادرات النفط الجنوبي عبر السودان، إلى جانب التصويت على مقترح الوساطة الأفريقية حول منطقة أبيي الخاص بإجراء الاستفتاء حول المنطقة في أكتوبر المقبل أو تقسيم المنطقة بين قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك أو تحويل الملف برمته إلى مجلس الأمن الدولي . وكانت قد اختتمت يوم 19 من الشهر الجاري جولة جديدة من المفاوضات بين الطرفين استمرت خمسة أيام ولم تنجح في إحراز أي تقدم بشأن تطبيق اتفاقات التعاون الموقعة بين البلدين، في السابع والعشرين من سبتمبر الماضي، والتي لم يدخل أي منها حيز التنفيذ حتى اليوم.
وقد شملت اتفاقات التعاون، التي وقعتها دولتا السودان، اتفاقا للتعاون الشامل لإنهاء الخلافات بينهما واستئناف تصدير النفط عبر الشمال، وشمل هذا الاتفاق عدة اتفاقات متعلقة بالاقتصاد ومن بينها النفط والتجارة الحدودية، إضافة إلى الترتيبات الأمنية التي تشمل المناطق منزوعة السلاح بما فيها "الميل 14" واتفاق الحريات الأربع.
اتهامات متبادلة وبعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة في تحقيق أي تقدم، أخذ كل طرف يلقي بالمسئولية على عاتق الآخر ويتهمه بأنه المتسبب في تعثر تلك الجولة، فمن جانب قال ممثلو دولة السودان إن الجنوب قدم مطالب جديدة لنزع سلاح منطقة حدودية متنازع عليها تعرف باسم "الميل 14"، فضلا عن رفض جوبا فك ارتباط قواتها بقوات الحركة الشعبية قطاع الشمال التي تقاتل الجيش السوداني.
وفي مقابل ذلك، أرجع الطرف الجنوبي إخفاق المفاوضات إلى الموقف غير المبرر للسودان في اشتراط تطبيق اتفاقات التعاون المشترك الموقعة بشروط جديدة لم يتفق عليها من قبل ولم تذكر في تلك الاتفاقيات، بالإضافة إلى التعنت في كل الأمور العالقة التي تشمل إقامة المنطقة الحدودية منزوعة السلاح، والمناقشات حول المناطق المتنازع عليها، والتدابير المؤقتة الخاصة بأبيي، واستئناف تصدير النفط .
وتم الاتفاق على رفع كافة النقاط الخلافية إلى قمة اليوم بين الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره الجنوبي سلفاكير ميارديت ، غير أن معظم المراقبين والمتخصصين في الشأن السوداني لا يعولون كثيرا على هذه القمة.
فقد انعقدت قمة بين الرئيسين في أوائل الشهر الجاري في أديس أبابا ولم تأت بنتائج تذكر على صعيد حلحلة الأزمة وإخراج البلدين من دائرة الخلافات التي تحيط بهما منذ حصول دولة الجنوب على استقلالها قبل عامين.
ويرى هؤلاء المراقبون أنه من السهل جدا عقد قمم على مستوى الرئاسة، ولكن العبرة بالنتائج التي ستسفر عنها تلك القمم وقدرة الطرفين في التوصل إلى حلول عملية لتنفيذ الاتفاقيات الموقعة والالتزام بها.
قضايا خلافية وتكمن المشكلة الرئيسية هنا في أن القضايا الخلافية بين دولتي السودان وجنوب السودان هي قضايا تمثل عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الدولتين وعلى رأسها قضية النفط الذي تسبب إيقاف إنتاجه في حدوث أزمة اقتصادية كبيرة لدولتي السودان، وبالتالي فإن استئناف تصديره يمثل ضرورة ملحة للطرفين، حيث يمكن أن يساهم في تغطية عجز الموازنة العامة للسودان والبالغ 10 مليارات جنيه، كذلك سيعمل على تحقيق انفراجة كبيرة للاقتصاد الجنوبي الذي أصبح على شفا الانهيار بعد عام كامل من توقف إنتاجه النفطي الذي يمثل 98% من إيراداته.
ومن ناحية أخرى، فإن حل القضايا الأمنية وحسم قضايا الحدود من شأنه أن يحافظ على استقرار العلاقات بين دولتى السودان والجنوب وإيقاف دائرة التوتر التي تخيم على علاقاتهما، فالأزمة الحالية بين البلدين هي سياسية بالدرجة الأولى وليست اقتصادية، وناتجة عن انعدام الثقة بين الدولتين وهو ما جعل الخرطوم تشترط تنفيذ الاتفاق الأمني أولا ثم استئناف النفط، وبالتالي لابد من معالجة الأمور من هذه الزاوية حتى تستقر الأوضاع بشكل دائم.
وفي هذا الصدد لا يمكن إغفال الأهمية القصوى التي تشكلها قضية "أبيي" في مفاوضات دولتي السودان والجنوب، فهي من أكثر الملفات الخلافية تعقيدا وتمثل أهمية كبيرة لكلتا الدولتين، حيث أنها تعد من أغنى المناطق الغنية بالنفط، وتحتوي على ثلثي الحقول النفطية السودانية والتي تبدأ شرقا بحقلي "شارف وأبو جابرة" وتنتهي بحقول "هجليج وبليلة". وبالتالي فإن التوصل لحل بشأنها لن يكون بالأمر السهل غير أنه يمثل ضرورة ملحة لتجنب تحويل هذا الملف إلى مجلس الأمن الدولي وهو الأمر الذي قد يهدد بفرض عقوبات جديدة تتسبب في إعادة إشعال الحرب من جديد في المنطقة وزيادة تفاقم الأزمة.
وفي ضوء ما سبق خلص المراقبون إلى أن غياب الإرادة الحقيقية من قبل الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره الجنوبي سلفاكير ميارديت في تجاوز العقبات وتحقيق السلام والاستقرار لدولتيهما، واستمرار وقوف كل طرف متربصا للآخر، من شأنه أن يدفع بعلاقات الدولتين نحو الهاوية ويعرقل من سبل تسوية الأزمة، وقد يؤدي ذلك بدوره إلى خروج القضية خارج نطاق الاتحاد الأفريقي ورفعها إلى مجلس الأمن الدولي للتقرير بشأنها، مما قد يصعب من فرص الحل، وهذا يوضح أهمية توافر الرغبة الحقيقية لدى الطرفين لتجاوز الخلافات وتنفيذ الاتفاقات الموقعة وفتح صفحة جديدة من العلاقات.