خمسة شباب، جمعتهم طاقتهم الثورية ضد الأوضاع المقلوبة في بلادنا، كما جمعهم حلم كبير بدار نشر تصل كتبها للشباب ، وتتبنى الأقلام الجديدة الواعدة بعيدا عن روتين النشر المعروف .. بالفعل استطاعت دار "دون" في سنوات عمرها المعدودة أن تحظى بمصداقية وثقة قطاع عريض من المصريين، وأن يترجم ذلك لجوائز ومبيعات ورواج لكتبها ..
في السطور التالية يستعيد "محمد مفيد" أحد المؤسسين للدار، قصص كثيرة عن الصعوبات التي صادفوها مرورا بشرطة مبارك وحتى الآن، كما يكشف عن أهم كتب الدار ومفاجآتهم في معرض الكتاب القادم .
محيط : مشروع دار "دوّن" للنشر .. كيف كانت البداية ؟
نحن خمسة شباب من الجيل الثاني للمدونين، والجيل الأول سمي ب"30 فبراير" وشارك بالحياة السياسية والاجتماعية وأعجبتنا تجربتهم، وقد أسسنا موقع "أبناء مصر"، ثم "دار الكتب الإلكتروني" ، وعموما فنحن مشتغلون بالكتابة، فأنا مهتم بالثقافة وهناك الدكتور أحمد سلامة يكتب الشعر، والشاعر أحمد البوهي، والكاتبان مصطفى الحسيني وأحمد مهنا، ولهم كتب ضمن الأعلى مبيعا بالسوق .
أما عن البداية فترجع لفكرة طرأت للكاتبين مهنا والبوهي، أن يدشنا مدونات مصرية للجيب، تجمع المدونين البارزين وتنشر أعمالهم ورقيا، وصدر عن ذلك "مشروع وطن" 2009 ، ثم "مصر في قطعة جاتوه" كان كل منهما يضم 45 مدونا، تصنف أعمالهم بحسب اتجاهها، والجميل أن الطبعة الأولى من حفلة توقيع الكتاب الثاني نفذت في ليلتها ، وللحق فقد كانت فرصة جيدة للتعرف بالمدونين بالنسبة لنا . أما العدد الثالث من الكتاب فصدر باسم "أنا أنثى" كان يدور عن هموم المرأة في المجتمع، ولاقى نجاحا أيضا .
بعد ذلك وجدنا أن حجم الاهتمام بالمدونات تراجع لصالح مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" وغيرها ، وصاحب ذلك تفكيرنا في تدشين دار نشر باسم "دون" وشجعنا على العمل بعد أن أصبحنا في إحدى التصنيفات أفضل دار شبابية وتم دعوتنا بمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب كزائر، ولم يقف حائل أمام مشروعنا أن سوق النشر غير مربح، وأننا نعلم أن المواطن الغربي يقرأ كتابا كل 12 يوما، بينما في الوطن العربي يقرأ المواطن كتابا كل 7 سنوات !.
كان من بين أهداف الدار تبني المواهب الشابة في عالم الكتابة، في واقع كان المشاهير يسيطرون على كل شيء، وكل من سواهم يعاني من الروتين البطيء والصعب لنشر كتاب، ولذلك أردنا أن نكون جسر التواصل لوصول الأقلام الجديدة للشباب . لا نرغب أن يتكرر ما جرى بعد أن سقط نظام مبارك ولم نجد زعامات أخرى تصلح لبناء الوطن ، لا نرغب في تكرار ذلك بعالم الثقافة .
محيط : تعرضتم للقمع في عصر مبارك، واعتقل أحمد مهنا وصودر كتاب "البرادعي وحلم الثورة الخضراء".. حدثنا عن ذلك .
كنا مصنفين كدار ثورية، وصدر هذا الكتاب تحديدا بعد عودة الدكتور البرادعي من الخارج، وتم إغلاق الدار بالطبع وتعرضنا لكل سبل التضييق، ولولا التضامن الإعلامي لما واصلنا مسيرتنا ولما خرج الكاتب من السجن . وبعدها أصدرنا رواية "مصر 2025" لمصطفى الحسيني وهي تتنبأ بأحداث الثورة وكانت الرواية بالمطبعة والثورة بميدان التحرير تنطلق ..
وفي عز سطوة المجلس العسكري أصدرنا كتاب "عيون رأت الثورة" والذي حذر من الخطر على البلاد من حكم العسكر، وبعدها أصدرنا كتبا تفاوتت بين تحليل جماعة الإخوان ونقدها منها "إخوان إصلاحيون" لهيثم أبوخليل، و"الإخوان المسلمون والعمل السري والعنف" للدكتور عبدالعظيم الديب وهو منصف للغاية ، وهناك "إخوان أوت أوف ذا بوكس" ، والكتب تعكس أفكار المجتمع ، والحقيقة أننا كنا نتبنى كتبا قد لا تتفق مع قناعاتنا لأنها تحمل صفة الموضوعية، فتجدي كتبا مع الإخوان وضدهم ، وكل مؤلف من حقه أن يشرح رأيه ويتواصل مع القراء.
محيط : وهل لا يزال الهاجس الأمني مستمرا لديكم حتى الآن .. ؟
لا نفكر في ذلك مطلقا وإلا لما استمررنا حتى الآن، ولا نخشى من أي جهة، فقد أصدرنا مؤخرا كتاب نشوى الحوفي الصحفية المصرية "يا نخبة ما تمت" رغم أنه ينتقد الأحزاب والتيارات الراهنة بالأسماء، وهناك كتب تهاجم نظام الإخوان وقياداتها بالأسماء ومنهم خيرت الشاطر مثلا.
محيط : لماذا تحقق كتب نقد الإخوان رواجا كبيرا ؟
أظن أن الثورة جعلت طبقة المعارضة واسعة، والتي لا ترضي بديكتاتور جديد، وعادة طبقة المثقفين من هذه النوعية التي تبحث عن الأفضل لصالح مصر. وأنا شخصيا لست مع إسقاط رئيس منتخب بشكل حر، ولكن لابد من تقويم الرئيس حين يخطيء ، وخاصة أننا في مرحلة متخبطة والتركة ثقيلة على الدكتور مرسي، ولكنه فشل في لم شمل المجتمع ، ورغم ذلك لازلنا متفائلين بأن الثورة ستظل مستمرة حتى تحقق أهدافها .
محيط : نعود للدار ، ما هي سياساتكم في نشر الكتب وهل تعترفون بالتابو ؟
تقبل إدارة التحرير الكتاب المميز فقط ، وترفض أن يحتوي العمل على مواد مثيرة خادشة للحياء العام. وهناك كتب شاركنا بورش عمل لكتابتها ومنها كتاب "إخوان إصلاحيون" للمهندس هيثم أبوخليل، وهناك كتب لم يكن صاحبها ينتوي نشرها لولا إقناعنا له بالفكرة، وأحيانا تكون الفكرة هي المحرض لنا على البحث عن كاتب يتبناها مثل الدفاع عن الإلتراس ضد محاولات تشويهه .
وقد كنا أول من نشر أدب الاعترافات في الوقت الحالي في مصر، كنتيجة للاحتكاك بناشرين حول العالم، وحين صدر كتاب أحمد مهنا "كايرو مول" قالت المكتبات أنه لا يوجد له تصنيف، فطلبوا منهم استحداث الفكرة وسيقبل عليها الناشرون . وهناك كتاب "ميد إن تشينا" للصحفي أحمد بلال وقد اقترحنا عليه أن يكتبه ضمن "أدب الرحلات" لنكون مجددين ولا نكتفي بأنيس منصور والمخزنجي وحدهما ، وصدر عن نفس السلسلة "القاهرة – مدريد" عن تجربة شاب مصري صدم حين سافر لإسبانيا .
وهناك شفافية كاملة مع المؤلفين ؛ حيث نطرح له الأرقام الحقيقية للمبيعات والمخازن والتوزيع ، ونلتزم باستئذانه قبل أي طبعة جديدة، وقد خرج ل"عمرو سلامة" الطبعة ال14 من كتابه "شاب كشك" وكنا نتواصل معه في كل مرة .
أخيرا ، نحن نؤمن بالفكر الإداري وتفعيله، فعادة ما نجلس نتباحث في رواج الكتب، ونحل مشكلة الكتب التي تجد عثرات، وأحيانا نستخدم أساليب دعائية جديدة مثل نشر أفلام عن الكتب أو طرحها لمنتجين يقدمونها بأفلام ومنها كتب الدكتور إيهاب فكري عن النجاح .
محيط : وماذا عن ظاهرة احتكار المؤلفين من قبل ناشرين بعينهم ؟
عانينا من هذه المسألة ولكننا نحترم أي تعاقد بين المؤلف والناشر الآخر، حتى لو جمعتنا صداقة بالمؤلف وأحيانا يحدث أن ننهي التعاقد رغم وصولنا لمرحلة الطباعة لهذا السبب..
محيط : أحيانا يهرب الناشر من الكتب الجادة خوفا من كسادها في مجتمعنا .. !
بداية نحن نؤمن بأن الكتاب سيقرأه الناس إذا وجدوه متاحا أمامهم، وبالتالي حاولنا حل عقبة التواجد بكثافة توزيع أعمالنا حتى داخل الجامعات ومواقع الإنترنت . ولا أنكر أن الكتب الأدبية مطلوبة بدرجة أكبر في مجتمعنا ، لكن ذلك لا يمنع من تحقيق الكتب الجادة في السياسة والتاريخ نجاحا لافتا ، ونسعى لمثل تلك الكتب لأن ذلك جزء من دورنا ، وأذكر كتاب "الجمهورية المظلومة" الذي يتحدث عن خلط السياسة بالدين والرياضة وحقق مبيعات كبيرة ، ما يدل على أن القراء موجودون ويشكلون نسبة كبيرة من مجتمعنا، ويساعدهم سعر الكتاب في اقتنائه .
وعادة لا نسير مع أي هوجة، فقد توقفنا عن نشر كتب الثورة رغم السيل الهائل الذي يصلنا منها، لأننا نؤمن أن الثورة مستمرة ولابد من اكتمال الرؤية لنصدر كتبا عنها.
محيط : اعتدنا على الكتب الغالية في مصر، كيف كسرتم تلك المعادلة ؟
أخبرك بأن هناك من اعترض على صدور كتب لأدباء كبار بأسعار ك25 جنيها، ومنهم بهاء طاهر ونبيل فاروق، وكان ردنا أن هدفنا الأساسي ليس الربح، وأننا يمكن أن نصدر كتب بسعر تكلفتها للوصول للقطاع الذي ننتمي إليه من الشباب ، كما أن الكتب التي تحقق نجاحات كبيرة تصدر لها عدة طبعات وهو ما يعد تعويضا لنا عن بعض الخسائر في الطبعة الأولى . وبالمناسبة نسعى خلال معرض الكتاب القادم لأشكال جديدة من الدعاية تزيد من انتشار الكتاب .
محيط : ما هي أكثر الكتب مبيعا لديكم ؟
بداية نحن لا نجري دعاية لكتب باعتبارها الأعلى مبيعا، لأننا لا نكرس لشراء الكتب فقط من أجل مبيعاته . لكن عموما بعض الكتب حققت رواجا منها كتب الدكتور إيهاب فكري ومنها "4 شارع النجاح" وكتاب "مزاج القاهرة" لأحمد مهنا، وديوان "أجندة" ، وكتب عمرو سلامة، وديوان أبيض غامق لمحمد السيد، و"إخوان أوت أوف ذا بوكس" للكاتب أحمد العجوز. وهناك كتب مرشحة للإنضمام للقائمة قريبا .
محيط : ما الجديد الذي ننتظره بمعرض القاهرة للكتاب ؟
مؤخر صدر أحدث كتابين للمؤرخ الدكتور عبدالعظيم الديب، رحمه الله، وهناك الطبعة الثانية ل"اشتري مني" لدعاء فاروق، وديوان أحمد البوهي "تالت حلم يمين" الطبعة الثانية، وطبعة جديدة لديوان "غريق ع البر" لدعاء عبدالوهاب، ومجموعة قصصية لعمرو سلامة "رسائل ترد للراسل" ، وهناك كتاب مؤمن المحمدي "أهلاوي" ، ورواية "أيام ماريا" لمحمود الغنام، وقصص "عن الزناتي الذي يحكمنا" لمحمد النجار، و"يوما ما كنت إسلاميا" لأحمد أبوخليل ، ديوان "عيل تايه" ورواية "باركليز" لمحمد بدير وغيرها من الأعمال .
محيط : أخيرا .. ألا تخشون من التصنيف باعتباركم دار شبابية أو ثورية ؟
"اللي يخاف يروح" وقد تم دعوتنا كأفضل دار نشر ثورية، وفي مرة أخرى كأفضل دار ثورية، وذات مرة صنفنا أننا دار إسلامية، والحقيقة أنه لا توجد دار ثورية ستنشر كتب الدكتور عبدالعظيم الديب، ولا يوجد دار إسلامية ستنشر رواية "حارة النصارى" ولا توجد دار شبابية تنشر لبهاء طاهر، ولا توجد دار تهتم بالمشاهير تنشر لعشرات الأقلام الجديدة للمرة الأولى .