من بعيد يبدو مشهد المصالحة الفلسطينية مشوشاً، بخلاف لهجة التفاؤل التي سادت بين المواطنين، والتنازلات التي أبداها الطرفان مؤخراً بعودة بعض الهاربين من حركة فتح إلى قطاع غزة، والاحتفال بانطلاقة حركة حماس في الضفة الغربية، فالمصالحة مرهونة بالاستقرار في مصر الشقيقة الراعية لذلك الملف، فقد شهدت مدنها فوضى ومظاهرات قبل الاستفتاء على الدستور.
الحقائق الراهنة على أرض الواقع لا تبشر بانفراج قريب لإغلاق ملف الانقسام الذي طال أمده في الأراضي الفلسطينية، فاصرار فتح على الاحتكام الى صندوق الاقتراع، واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية أمر ترفضه حماس قبل اتفاق المصالحة، كما أن فشل المحادثات بين الطرفين حول مكان الاحتفال بانطلاقة فتح ال 48 قد يعيد الأمور إلى سالف عهدها.
وبالحديث عن المصالحة فقد أصبحت أخبارها تتألق في وسائل الاعلام في فترات موسمية، لدرجة أن المواطن الفلسطيني يئس من التعويل على نجاحها، ففي كل مرحلة للحديث عنها يغرد القادة الفلسطينين بأعذب الكلام عن الوحدة الوطنية والشراكة الفلسطينية، ثم يقفل الستار بعد موجة من التراشق والردح الاعلامي بين طرفي الانقسام.
وأجريت محادثات عديدة في بلدان عربية لتقريب وجهات النظر بين الحركتين، وتوصل بوساطة مصرية بتاريخ 20 مايو/أيار 2012 ينص على بدء المشاورات لتشكيل الحكومة، تزامنا مع عمل لجنة الانتخابات المركزية في قطاع غزة.
وعادت المياه إلى مجاريها للحديث عن المصالحة أثناء حرب الأيام الثمانية أيام، ولأول مرة منذ خمس سنوات تعانقت رايات حماس وفتح، وتعززت روح الوحدة الوطنية في نفوس الجماهير الفلسطينية التي احتفلت بانتصار المقاومة.
وشاركت حركة فتح حماس فرحتها بالانطلاقة في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن الأخرى رفضت السماح لنظيرتها بالاحتفال بانطلاقتها في منطقة الكتيبة أو السرايا.
وترفض حماس عقد احتفال الانطلاقة بمنطقة الكتبية لدواعي أمنية- كما تقول، خشية من اندلاع أعمال عنف بين أنصار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأتباع القيادي الفتحاوي محمد دحلان، في حين تنفي حركة فتح مبررات حماس، والأماكن البديلة التي اقترحتها كملعب اليرموك الذي تعرض لقصف جوي في حرب الثمانية أيام.
وقررت حركة فتح إلغاء مهرجان الانطلاقة المركزي في القطاع عقب رفض حكومة غزة اقامته في منطقة مفتوحة، بعد أن وصلت الحوارات والاتصالات الداخلية مع مختلف القوى والوطنية والاسلامية والجانب المصري إلى طريق مسدود- كما تقول فتح على لسان يحيى رباح نائب المفوض العام للحركة.
ويعود تمسك حركة فتح بأن يكون مكان الانطلاقة مفتوح، لحشد أكبر قدر من أنصارها، وادراك مدى شعبيتها بعد ست سنوات من الانقسام ، لاسيما في ظل الخلافات القائمة بين الكوادر الفتحاوية، لكن بعد أن ألغت مهرجانها سيسجل لها هدفا في مرمى حماس تظهرها من خلاله أنها تضع العراقيل أمام المصالحة.
وتبقى عيون الفلسطينين تراقب عن كثب حلم تحقيق المصالحة التي يعلقون عليها أمالاً عريضة، لطي صفحة سوداء من تاريخ القضية الفلسطينية.