حالة من الذعر والفزع يعيشها أهالى محافظة شمال سيناء وخاصة سكان رفح والمناطق الحدودية القريبة من الشريط الحدودى الفاصل بين مصر والاراضى المصرية المحتلة بعد ان قامت الحكومة الإسرائيلية بالدفع بعدد من المدرعات الحربية إلى منطق الحدود ومضاعفة أعداد الجنود الإسرائيليين. جاء التصعيد الإسرائيلي بعد واقعة اقتحام مقر الأرشيف التابع للسفارة الإسرائيلية وتحطيم الجدار العازل الذي كان يحيط بالسفارة وكثف الطيران الإسرائيلي من تحليقه فوق الشريط الحدودي، مما أصاب الأهالي بالفزع والذعر، حتى أصبحت مدينة رفح والقرى الحدودية تبدو وكأنها ثكنة عسكرية.
ويقول الأهالى إنه عقب كل حادث يقع فى سيناء تكتفي الحكومات المتعاقبة بعقد اجتماع طارئ، وتتخذ القرارات ذاتها، ولكنها لم تنفذها منذ ثلاثين عامًا، وهو إنشاء جهاز للتنمية الشاملة لسيناء، ويتم تجميل تلك القرارات بجمل تؤكد أهمية التنمية والنهوض بسيناء على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب حل مشاكل أهالي سيناء على اعتبار أنها خط الدفاع الأول أمام المخططات الإسرائيلية المشبوهة.
وإلى جانب ذلك هناك مئات القرارات الوزارية التي اتخذتها حكومات نظام مبارك المتعاقبة لتنمية سيناء، ولكنها لم تنفذ، مما جعل الأهالي يفقدون الثقة فى حكوماتهم؛ لكن تكرار العدوان الإسرائيلي على الجنود المصريين، بالاضافة إلى حالة الانفلات الأمني غير المسبوقة التي تشهدها شبه جزيرة سيناء جعلت قضية تنمية سيناء مسألة حتمية وضرورية، ولابد من الإسراع في تنفيذها باعتبارها ضرورة للأمن القومي المصري.
كما جدد مشايخ سيناء مطالباتهم بضرورة إجراء تعديلات على اتفاقية كامب ديفيد المبرمة بين مصر وإسرائيل عام 1979م بشكل يسمح بوجود 10 آلاف جندي مصرى على الأقل على أراضي سيناء بهدف حماية حدود مصر الشرقية؛ حفاظًا على أمن مصر القومي بدلا من 750 جنديًّا فقط، يمثلون كل المتواجدين حاليًّا طبقا لاتفاقية كامب ديفيد.
قصف مستمر للشريط الحدودي
وعندما تجولنا في مدينة رفح المصرية الواقعة على الشريط الحدودي الفاصل بين مصر والأراضي الفلسطينية شعرنا بأننا بمعزل تام عن مصر، وكأننا في ثكنة عسكرية أو منطقة خاضعة لحظر التجول، فالمحال التجارية مغلقة لخلوها من البضائع التي لم يستطع أصحابها جلبها من القاهرة بسبب حالة الانفلات الأمني التى تشهدها المنطقة في أعقاب الثورة، كما أن الاطفال يهرولون في شوارع المدينة بحثًا عن حلوى لا يجدونها، وأم سالم تبحث عن الخبز؛ لكن المحل مغلق!
تقابلنا مع منى برهوم، ناشطة اجتماعية من أهالي مدينة رفح المصرية، والتى أكدت لنا أن الاهالي يعيشون فى رعب، ويقضون ساعات الليل في الشوارع والميادين العامة والحدائق، بسبب القصف الإسرائيلي المستمر لمنطقة الشريط الحدودي مع قطاع غزة، والذي يتسبب فى تصدع المنازل وتحطم النوافذ والأبواب، وانهيار خزانات المياه فوق أسطح المنازل، ووقف عمليات البيع والشراء والتسوق ونقص البضائع داخل المحال وكأن المدينة محاصرة.
وكشفت برهوم عن عملية انتهاك قامت بها القوات الإسرائيلية للحدود المصرية يومي 18و19 أغسطس/آب الماضي، والتي مازالت تتكرر يومياً على الشريط الحدودي بحجة تفجير الأنفاق.
وأكدت برهوم أن أهالى سيناء سيشعرون بالأمان إذا قام الجيش المصرى بتأمين الحدود من منطقة كرم أبو سالم وحتى منطقة طابا، وتبلغ مساحة تلك المنطقة حوالي 220 كيلو متر، ولا يقوم بحراستها سوى أفراد من الأمن المركزى، أغلبهم من الأميين، لا يقرءون ولا يكتبون، ويحملون أسلحة خفيفة فى مواجهة الجنود الإسرائيليين المدججين بأحدث الأسلحة الأمريكية.
وطالبت بتعديل اتفاقية كامب ديفيد طالما أن إسرائيل لم تلتزم بها، وقالت لكى يعود الاستقرار لسيناء لابد أن يتواجد الجيش المصري عند الشريط الحدودي، ويقوم بتطهيره من الأنفاق وإغلاقها، على أن تتزامن خطة تطهير الشريط الحدودي من الأنفاق مع خطة بديلة لفك الحصار عن أهالي غزة بفتح جميع المعابر، وأن يتم إنشاء منطقة تجارة حرة على جزء من الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة تشمل سوقًا موسعًا يخضع لإجراءت أمنية وحكومية، حتى يتوافد عليها الفلسطينيون ببطاقات هويتهم ليشتروا بضائعهم من تلك السوق ويعودون مرة أخرى إلى قطاع غزة، وبهذا نخلق فرص عمل لشباب سيناء، فضلا عن دعم الاقتصاد المصري.
الزنانة الإسرائيلية
"الزنانة الإسرائيلية تسرق النوم وتثير الفزع في نفوس أهالى رفح" هكذا يقول عودة سليمان من أبناء رفح، مؤكدًا أن الأهالي يعيشون في ذعر مستمر منذ ما يقرب من شهر، وهم يبيتون في الشوارع منذ الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على الجنود المصريين.
وأضاف: زاد الفزع أكثر منذ يومين فى أعقاب حادث تحطيم الجدار العازل الذي كان يحيط بالسفارة الإسرائيلية بالجيزة، فمنذ تلك الواقعة والطيران الإسرائيلي الذي يطلق عليه أهالى سيناء اسم "الزنانة" يحلق فوق بيوت أهالى المناطق الحدودية يوميًّا وسط صراخ الأطفال الصغار.
الدكتور سليمان عرادة من اهالى شمال سيناء يرى ان التجاوزات الإسرائيلية التى تشهدها منطقة الحدود تستدعى مواقف رسمية حاسمة للرد عليها واعادة النظر فى اتفاقية كامب ديفيد بما يسمح بتأمين حدودنا مع الآراضى المحتلة.
التنمية أمن قومي
أما الشيخ عبد الله جهامة، رئيس جمعية مجاهدي سيناء، فيؤكد أن سيناء أصبحت في حاجة ماسة إلى البدء فورًا فى تنفيذ مشروع التنمية الذي وضعته الحكومات السابقة على الورق فقط منذ أكثر من 15 عامًا، ولم يدخل حيز التنفيذ إلى الآن. وقد توقف الكثير من مشروعات التي تعتبر الأساس فى تنمية سيناء وعلى رأسها ترعة السلام والسكة الحديد وتنمية وسط سيناء.
وأوضح الشيخ جهامة أن سيناء تحتاج فى الفترة المقبلة إلى الفكر العسكري بعد أن عانى أهلها لمدة ثلاثين عامًا من الظلم والاستبداد والتهميش والتنكيل بهم من قبل أفراد الشرطة الذين لم يراعوا العادات والتقاليد عند أهل سيناء، فكانوا يقتحمون القبائل بحجة البحث عن مسلحين، وهو ما كان يشعل نيران الغضب في سيناء من وقت لآخر.
وأكد الشيخ عبد الله أن سيناء تحتاج إلى تنمية حقيقية للحفاظ على الآمن القومى المصرى نظرًا لطبيعة تلك المنطقة الحدودية مع الأراضي المحتلة ومع قطاع غزة، وان التنمية يجب ان تبدأ بتملك الآراضي لأهالى سيناء فهم أحق وأخلص الناس فى الحفاظ عليها، ويمكن للدولة أن تضع شروطًا لمنع بيع تلك الأراضي للأجانب حفاظًا على الأمن القومى.
وأضاف: إذا شعر أهالى سيناء بالأمن والآستقرار فسيكون ذلك له تأثير إيجابى على أمن مصر القومي لأنهم هم حراس البوابة الشرقية لمصر، ودائما ما يتعرضون لمؤامرات ومخططات خارجية وداخلية لشق صفوفهم وزرع الفتنة بينهم، وهو ما تخطط له إسرائيل دائمًا، مستغلة الأوضاع الآقتصادية الصعبة التى يعيشونها، وكذلك حالة التهميش التي وضعتهم فيها الحكومات السابقة، لذلك فتنمية سيناء أصبحت ضرورة ملحة الآن حفاظًا على أمن مصر القومي.