خذ هذه النصيحة على ضمانتي: لا تجادلك الإخواني ولا تدع الإخواني يناقشك. إنهم لا يسمعون، هم فقط يرددون الكلام الذي يحفظونه بعد أن يتلقوه من قياداتهم، الذين يتلقونه من مكتب الإرشاد.
ربما تسأله سؤالا ليس مدرجا في قائمة الأسئلة التي وضعوها له، مع إجاباتها النموذجية، في نموذج تحت عنوان: كيف تحاور العلمانيين، ومع ذلك فإنه لا يتربك، لا يتردد، وبالطبع لا يجيبك على سؤالك، وإنما يجيبك من النموذج المعد له سلفا.
قد يكون السؤال: لماذا نزلتم أمام الاتحادية وأنتم تعرفون أن هناك اشتباكات ستحدث؟ فيجيبك بكلام عن الهولوكست، والبوذية. وقد يكون السؤال عن قرارات مرسي برفع الأسعار فتكون الإجابة عن تهاني الجبالي.
أهديك، عزيزي الثائر، تلك النصيحة، وإن كان ذلك لا يمنعني من التفكير في تلك الظاهرة الفريدة من نوعها، والتي لم يخلق مثلها في البلاد، فمن الاستسهال أن نستسلم لفكرة "الخرفان" وحدها، أو أنهم مجموعة من المواطنين فاقدي الشخصية سهلي الانقياد، والأصعب أن نفتش في الأسباب الحقيقية لوجود هذا الكورس الذي يردد خلف المغني مهما كان ما يقوله بعيدا عن أبسط قواعد المنطق.
والواقع أننا نشعر هنا بشيء من الخوف.
والخوف الذي نقصده، هو ذلك الشعور الذي ينتاب أفراد الجماعة من مخالفة أمر التنظيم، فيجعله يلغي عقله تماما، لأنه إذا لم يلغ هذا العقل، فستلغي له الجماعة ما هو أهم من العقل، وهو الوجود الاجتماعي بكل أبعاده بما في ذلك البعد الأهم، وهو البعد الاقتصادي.
ومنذ نشأة الجماعة، وهي تعمل على ربط أعضائها من الناحية المالية، هي تضمن لهم عملا، وزواجا، وبيتا، واستقرارا. تطعمهم من جوع، وتؤمنهم من خوف. تساندهم حين يضطهدون في وظائفهم، وتوفر لهم فرصا للسفر في الخليج، وعضوية في الأندية، ومراكز اجتماعية بين أقوامهم، وإمكانية محتملة للترشح في المجالس المحلية والنيابية، عيشة يا مولانا، عيشة.
كل هذه المزايا الاجتماعية قابلة للنسف في لحظات، إذا ما غضبت منك القيادة، ستجد نفسك فاقدا لكل هذا، ربما كنت تعمل في شركة من شركاتهم، أو في مكتب أحد محاميهم، أو في سوبر ماركت من سوبر ماركتاتهم، وتجد استيمارة 6 معلقة في رقبتك. ربما كان لك شقيق في السعودية أو قطر، فتجده عائدا غدا. ربما غضبت عليك زوجتك وحملت الأولاد وذهبت إلى فضيلة المرشد تشكو انحرافك عن الجماعة.
ويمكننا أن ننشط الذهن بمراجعة المؤتمر العام الثالث للاخوان عام 1935. الذي حدد فيه المرشد العام شروط العضوية ودرجاتها، فيقول: على العضو الراغب في الانضمام أن يتحلى بالأخلاق والسمعة الحسنة والسلوك المتين، ويكون لديه الاستعداد للطاعة التامة وتنفيذ ما يلقى عليه من أوامر.
اقرأ هذه الكلمات عن الطاعة العمياء وتذكر تعليقات الكوبي بيست على فيسبوك. إن علينا أن نضع أكثر من علامة استفهام بالنسبة للشرط الأخير الخاص ب "الطاعة التامة" وتنفيذ ما يلقى عليه من أوامر، فهذا الشرط سيعد مهماً بالنسبة لعضو الجماعة، وسنلاحظ بعد ذلك اتجاه المرشد العام إلى تعميق هذه الصفة لدى الأعضاء إلى حد دمجهم الكامل في نطاق الجماعة.
أما درجات العضوية، فقد حددها على النحو التالي: الانضمام العام ويسمى الأخ في هذه المرتبة أخاً مساعداً، ثم الانضمام الأخوي الذي يكون فيه العضو أخاً منتسباً، فالانضمام العملي الذي يصبح فيه العضو أخاً عاملاً؛ ونصل إلى الدرجة الرابعة وهي درجة الانضمام الجهادي، وهي ليست حقاً لكل مسلم يرغب في ذلك كما هي الحال في الدرجات الثلاث السابقة، بل هي من حق العضو العامل فقط الذي يثبت لمكتب الإرشاد محافظته على واجباته السابقة.
وبحسب قيادي سابق بالجماعة، يلاحظ أن القاعدة المتاحة للتجنيد السياسي للأعضاء تضيق من مرحلة إلى أخرى، فمن قاعدة جماهيرية متسعة يتم إقامة العضوية المنظمة بدرجاتها الثلاث المشار إليها سابقاً، ثم من قاعدة العضوية العاملة يتم تجنيد الأعضاء المجاهدين، وكل هذا يتم وفقاً لقواعد صارمة شديدة الدقة. ولمكتب الإرشاد والمرشد العام دور مباشر وقوي في هذا المجال، فإذا ما علمنا أن المرشد العام كان مسيطراً سيطرة شبه تامة على مكتب الإرشاد، فيمكن القول إنه كان له دور مهم في هذا الصدد.
ويلاحظ أن أحد العوامل المهمة لتجنيد العضو وتصعيده من درجة إلى أخرى، هو الطاعة والالتزام التام بالأوامر والواجبات التي تحددها له الجماعة، ولعل في قسم البيعة عند الاخوان ما يؤكد هذا. يقول هذا القسم أعاهد الله العلي العظيم على التمسك بدعوة الاخوان المسلمين والجهاد في سبيلها والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها، والسمع والطاعة في المنشط والمكره، وأقسم بالله على ذلك، والله على ما أقول وكيل.
وواضح أن هذا القسم يعني الخضوع التام للمرشد من قبل الأعضاء، وفي أدبيات الإخوان العديد من الآراء في هذا الموضوع والتي تدور حول الأسس الفقهية لهذا الوضع، وكما نعلم فإن الفقه قابل لتدعيم أي اتجاه، بشرط أن تدرسه جيدا.
ولنعرض لآراء الشيخ عمر التلمساني المرشد العام الثالث للاخوان المسلمين في هذا الجانب، فبالنسبة إلى بيعة الإمام أو المرشد العام يقول إن كلمة البيعة التي يدور حولها الكثير من الجدل، بل ربما الشكوك من الذين يريدون أن يشوهوها ليست بالكلمة التي تخيف انساناً أو تربط إنساناً بإنسان لأن الله تعالى يقول: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم)، فالأخ المسلم إذا بايع رئيس الجماعة، فهو لا يبايع إنساناً بالذات، ولكنه يبايع الله سبحانه وتعالى على الوفاء مخلصاً في العمل الذي أراد أن يساهم فيه.
تأمل يا أخي ما تقوله قيادات الجماعة، لتعرف كيف ولماذا يقبل إنسان أن يظهر بهذا المظهر المزري، وهو يردد مع القطيع دون أن يتدبر ما يردده، لأن ذهنه يكون مشغولا بحياته، وظروفه، وعمله، وبيعته.
اقرأ هذا الكلام مرة، ثم تذكر نصيحتي: لا تجادل الإخواني ولا تترك الإخواني يجادلك.