"أسلم طريقة لاستدراجك للحكي عن نفسك وعن أصلك وفصلك هي أن أبدأ فأحكي لك مقتطفات من حياتي"، هكذا كان يقول الكاتب الراحل خيري شلبي، ولذلك كان حكاءاً كبيراً، كما يصفه أصدقاؤه الذين أجمعوا أن الساحة الثقافية خسرت كثيراً برحيله . يقول الروائي الكبير جمال الغيطاني : خسارتي فيه متعددة المستويات، فقد كان صديق مقرباً من نفسي منذ خمسين عاما، وقد التقينا للمرة الأولى عام 1960 بالأزهر.
يضيف الغيطاني : برحيل شلبي فقدت الرواية العربية واحدا من أروع الحكائين الذين عرفتهم، كذلك فقد التراث المصري ذاكرته الشعبية.
وما يميز كتابات خيري شلبي برأي الغيطاني، انغماسها في الواقع نتيجة تجربة صاحبها الغنية في الحياة، فقد عايش الواقع الشعبي البسيط في المقابر والمناطق الفقيرة والعشوائية، كذلك كتب عن "الحشاشين" وهي منطقة لم يطلها الأدب قبله .
وبرأي الكاتب فقد كانت إبداعات خيري شلبي محل تقدير النقاد، وخاصة في السنوات الأخيرة، كما حظيت بترجمة للغات عدة، وفاز بجوائز هامة .
أما الأديب يوسف القعيد فقال أن الراحل الذي كان صديقه أيضا بذل مجهوداً كبيراً من أجل تثقيف ذاته حتى أصبح في مصاف كبار الأدباء.
وأهم ما يميز تجربة شلبي برأي القعيد هو اهتمامه بالكتابة عن الهوامش البشرية، وأحزمة البؤس التي تحيط بالمدن ولا تستطيع ان تكون جزءاً منها، وسعيه من أجل إيصال صوتهم إلى من يهمه الأمر. وقد صنع ذلك بمفردات بسيطة نبعت من قراءاته المتنوعة في شبابه للملاحم والسير الشعبية، التي استفاد منها وطوعها في الروايات التي كتبها.
من ضمن الأصدقاء المقربين من الكاتب الراحل، الأديبان سعيد الكفراوي وإبراهيم أصلان وقد زارا منزله لإلقاء نظرة الوداع عليه.
وقال الكفراوي : الثقافة العربية تفقد الكثير برحيل شلبي، وهو من كتب عن المهمشين والجماعات المغمورة، وجدد في أسلوب السرد عبر احتفائه بالكتابة العامية أحياناً، وكذلك اهتمامه بالمأثور الشعبي.
أما الأديب الكبير بهاء طاهر فاعتبر أن خيري شلبي يمتاز بالإنسانية وقدرته على النفاذ إلى قلب من يحدثه على الفور، وحتى حينما ينفعل كان موضوعيا في خصومته مع الآخرين .
أما الروائي حمدي أبو جليل فسيطرت الصدمة عليه وقد عمل مع خيري شلبي حينما كان مديراً لتحرير سلسلة "دراسات شعبية" . وهو يصف الكاتب الراحل بأنه كان ذاكرة شعبية، فضلا عن كونه روائي عظيم تعرض لظلم طويل، فرغم انتمائه لتيار اليسار المعارض، إلا أنهم لفظوه وحسبوه على النظام بسبب كتابته في مجلة "الجديد" التي كان يرأسها رشاد رشدي المحسوب على النظام، وكذلك لم يقبله النظام لأفكاره المعارضة، فأصبح مرفوضاً من الطرفين.
يواصل أبو جليل: تعرض الراحل لظلم نقدي كبير، فقد تم التعامل مع كتاباته باستخفاف خاصة من تيار الحداثة الذي يمثله إدوارد الخراط، إلا أن الرواية المعاصرة أثبتت أنها تسير في اتجاه خيري شلبي، فقد كان يملك أدواتها بحرفية.
وقال الكاتب أحمد صبري أبوالفتوح أن شلبي كان مسكونا بالأدب ، وقد التقاه أثناء مناقشة روايته "ملحمة السراسوة" التي أثنى عليها . وكان شلبي برأيه فنانا لا تعنيه الماديات ، وكان الأدب هو ما يشغله .
يواصل: كان الراحل متدفقاً بشكل يحتاج إلى دراسة متفقاً مع أبو جليل على انه ظُلم نقدياً، فقد كان قامة لا تقل عن نجيب محفوظ، أو طه حسين، ويوسف إدريس بل والعقاد، فهو من الآباء الرواد في فن الرواية، ومن ثم كيف لم يحصل على جائزة النيل "مبارك" سابقاً، وكيف لم يهتم به أحد في مرضه ؟ .
ويتذكر أبوالفتوح كيف كان شلبي حكاء بارعا ، وقضى ليلة كاملة في حكاية تجربته في بيع الجوارب وبعض الملابس الداخلية في المواصلات العامة، فقد مارس الراحل مهن متعددة المر الذي سهل عليه الكتابة عن هؤلاء البسطاء.