حين خرج الشعب المصري يوم 9 و10 يونيو 1967 ليدعو زعيمه بعد النكسة للمواصلة في مشروعه ضد العدو الصهيوني، وحين خرج عن بكرة أبيه حزينا باكيا على رحيل جمال عبدالناصر 1970، فإن في ذلك أوسمة رفيعة منحها الشعب لزعيمه . والعجيب أن ناصر شهد هزيمة لم تكسر إرادة الشعب في مواصلة القتال والنصر، بينما شهد السادات انتصار أعقبه إقرار بقوة أمريكا وإسرائيل ورغبة في الحوار معهم وعدم رغبة في الجهاد ضدهما . هكذا جالت آراء الخبراء المشاركين بذكرى رحيل الرئيس جمال عبدالناصر ال42 ، والتي عقدت صباح اليوم بدار الكتب والوثائق القومية، وأبرزهم أستاذة التاريخ عاصم الدسوقي، صلاح هاشم وصلاح الدسوقي، والناشطة السياسية بحزب المؤتمر الشعبي الناصري نادية حسن.
من جانبه اعتبر الدكتور عاصم الدسوقي أن ميتة الحاكم غيلة ليست دليلا على ظلمه، والدليل سيدنا عمر بن الخطاب أعدل الحكام رضي الله عنه . وأكد الدسوقي أن مصر شهدت مفهوم الدولة الكفيلة التي تنصف محدودي الدخل والغالبية العظمى بلا ثورات وتؤتيهم حقوقهم في التعليم والرعاية الصحية والمسكن وغيرها ، وقد بدأت الدولة الكفيلة بمحمد علي باني مصر الحديثة ، واستمرت حتى جاء الاحتلال البريطاني على مصر وعمل على إنهاء مفهوم الدولة الكفيلة عبر توسيع طبقة الملاك الزراعيين وجعلهم يتحكمون في مقدرات الشعب ، فكنا لا نجد في مجلس النواب أو الشيوخ أو الوزارة سوى الباكوات والباشوات ، كما عمل الاحتلال على إلغاء مجانية التعليم، حتى أصبح أبناء الفقراء ليس لديهم سوى الجمعيات الخيرية أو الأزهر لنيل قسط من التعليم .
كما انتقد الدسوقي دستور 1923 الذي جاء على إثر ثورة 1919 بقيادة الزعيم سعد زغلول، والبعض يعتبره مثالا للحريات في دولة ديمقراطية، لكن كل ذلك خداع ، فقد كان ينص على أن الصحف لا يتم مصادرتها إلا بالقانون، ثم يعود ليؤكد أن الاستثناء عن ذلك أن تكون الصحيفة تروج للفكر الهدام ، وهو مثال هدام ، ولم يضع الدستور حقا لتشكيل نقابات عامة للعمال، ولكنه وضع نقابة لكل مصنع فقط ، ومع ذلك رفض الباكوات في مجلس النواب .
والغريب كما يؤكد الدسوقي ان شاعر رقيق مثل عزيز أباظة وأحد نواب الشعب في ذلك اعتبر أنه من الخطأ تعليم أبناء الفلاحين لما في ذلك من تغيير لطبيعتهم الخشنة ! ، وحتى حزب الوفد الذي يروج لنفسه أنه منحاز للشعب، فهو في الحقيقة صاحب شعبية سياسية وليست اجتماعية، فهم طبقة ملاك أراض يحافظون على مصالحهم بالمجالس النيابية ويرفضون ما دون ذلك ، والدليل أنهم رفضوا تشكيل نقابات عامة للعمال ، وحين شكل اتحاد العمال كان يستثنى من القانون عمال الخدمات العامة والمراكب والزراعة والمصانع التي يملكها أجانب في سنة 44 ، وفي حكومة الوفد الأخيرة كان أحمد حسين وزير الشئون الاجتماعية وكان من كبار الملاك ودرس التعاونيات في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى وكان منزعجا من أوضاع الريف المصري واعتبرها نذيرا بثورة ، وقدم مشروعا لتطوير الريف وتوصيل الكهرباء والمياه والوحدة الصحية والنادي الريفي للشباب ويتم ذلك على نفقة الملاك في كل قرية ولو رفض الملاك تقوم الدولة بتحصيل تكاليفه من ضرائب الأرض ، ورد عليه وزير الزراعة أنت بهذا المشروع يا باشا تكون وزير أحمر، فاستقال الآخر وقال "مفيش أحمر منك" . وفي يوليو 1951 استدعاه الضباط الأحرار لجعله وزيرا فرفض، فعينوه سفيرا في الولاياتالمتحدة وعاصر أزمات ناصر والأمريكان . ولذا فإن الدولة الكفيلة انتهت مع الاحتلال ودخل رأس المال فأصبحت الطبقة العالية تحكم .
ويرى الدسوقي أن قوانين الضباط الأحرار أفادت منها جموع الشعب ووقع الضرر على كبار الأعيان، ومعظمهم مشكوك في مصدر ثروتهم بالعصر الملكي، مؤكدا أن أي قرار لابد أن تكون له آثار جانبية . وأكد أخيرا أن سر قوة عبدالناصر في استقامته الشخصية التي لا تتعارض مع ما كان يدعو إليه .
أما مدير الندوة الدكتور صلاح هاشم فاعتبر أن ناصر كانت له إنجازات كبرى وإخفاقات أيضا بينها وضع الجيش المهلهل والنكسة . وقال أن هناك من يحاول تقزيم دوره عربيا .
وعن الانتخابات الأخيرة، تحدث الدكتور صلاح الدسوقي رئيس المؤتمر الشعبي، واعتبر أن السيادة فيها لزجاجة الزيت وكيس السكر، والتي استغلت بها حاجة الفقراء، وأضاف : منذ أن جاء السادات حدثت الردة ، حيث اعتقد بأهمية السلام مع إسرائيل، وفتح الأبواب لمواجهة القوى اليسارية والناصرية عبر إفساح الطريق للإخوان المسلمين، وقد ضاعت حقوق العمال والفلاحين، وانقضى المشروع التحرري الذي تبناه ، والذي جعل أبناء اليمن يقولون اليوم أنه نقلهم من العصور الوسطى للعصر الحديث.
ويرى الدسوقي أن ناصر بنا الاقتصاد الاشتراكي ، وهو الذي جعل القطاع العام يستثمر في مشروعات تعود بالنفع على الجمهور، بخلاف القطاع الخاص الذي يدخل في الصناعات الخفيفة والتي لا تعود بالنفع كالنشاط التنجيمي والتعديني ، وهي أنشطة لا تخلق قاعدة صناعية ولا تخلق تنمية، وأراد عبدالناصر مضاعفة الدخل القومي في عشر سنوات ، بحيث تصل 7% وكان أعلى معدل في ذلك الوقت ، وكان معدل نمو السكان 3% ، وهو الذي جعل كل السكان يجدون وظائف.
أما النكسة فيرى المتحدث أنها كانت هجمة إمبريالية على مشروع الوحدة العربية ، ويجب على من يتذكرها أن يتذكر أيضا معركة رأس العش وإغراق المدمرة إيلات وحرب الاستنزاف و9 و10 يونيو حين أراد الشعب أن يستكمل ناصر المشوار . وهي إرادة شعبية في التصدي للصهيونية واستكمال الحرب ، أما نصر أكتوبر فانتهى بمباحثات الكيلو 101 وفض الاشتباك الأول والثاني وخطاب السادات أن مستعد للجلوس مع جولدمائير، وأننا لسنا مثل أمريكا، وهو ما يشي بأن إرادة القتال كسرت.
وعن وضع المرأة في عهد ناصر، تحدثت نادية حسن عضو حزب المؤتمر الشعبي الناصري، وأشارت لحكمت أبوزيد التي عينت سنة 57 كأول وزيرة للتأمينات الاجتماعية، كما برز تمثيل المرأة المصرية بالمجالس النيابية التي أعقبت مجلس الأمة، وقد رفع ناصر نداء تحرير جميلة أبوحريد المناضلة الجزائرية ، أما تحية كاظم زوجة عبدالناصر فكانت صاحبة عطاء ولم تكن صاحبة مظهرية، وكان أبناؤها يعتمدون على العلم لتكسب رزقهم ، ولم تسع لتوريث أبناءها الحكم كما فعلت زوجة المخلوع سوزان مبارك . وذكرت "حسن" أيضا أن أم كلثوم كانت تدعم القضايا الوطنية بفنها وكان ناصر يدعمها.
وعرجت المتحدثة إلى رفض البنك الدولي تمويل مشروع قناة السويس، حينها أمم ناصر القناة وأخذ مليار واحد من دخلها الذي يذهب هباء للغرب ليبني مشروع السد العالي العظيم ، وهي القناة التي ذكرت أن خيرت الشاطر القيادي الإخواني يهرول الآن نحو الشيخ حمد وموزة لنعيد احتلال قناة السويس، مؤكدة أن قطر مخلب القط للأمريكان . كما رفضت نادية حسن شعار "يسقط حكم العسكر" قائلة أنه يجب ألا ندمج حكمهم خلال ال18سنة الأولى بعد الثورة مع باقي الستين عاما ، والتي حكمها السادات، وذكرت أن السادات هو من جعل سيناء رهينة للصهاينة وأطلق السادات على انتفاضة الخبز انتفاضة الحرامية.
تضمنت الاحتفالية فيما عن إنجازات ناصر، وإلقاء قصيدتين عن عبدالناصر ، فقد ألقت الشاعرة شريفة السيد قصيدة نزار قباني " قتلناك يا آخر الأنبياء" ، كما ألقى لؤي السيد قصيدة "زيارة إلى ضريح عبدالناصر" لأحمد فؤاد نجم . مواد متعلقة: 1. فريدة الشوباشي ل"محيط": عبدالناصر أكبر ديمقراطي حكم الأمة بعد سيدنا عمر(فيديو) 2. "عبدالناصر باعنا واشترى السلطة" .. من مذكرات الضباط الأحرار 3. أدباء : عبدالناصر أوقف اعتقال نجيب محفوظ بعد "ثرثرة النيل"