إسرائيل تخطط لتدويل قضية سيناءوالولاياتالمتحدة تعتبرها "منطقة مظلمة" لابد من توطين المواطنين المسيحيين في سيناء لنشر ثقافة المواطنة
حوار - محمود عبده
بجانب تاريخه الوظيفي كرئيس لمجموعة مكافحة الصهيونية ومسئول الشئون الفلسطينية بجهاز أمن الدولة المنحل، وخبراته الأمنية المشهود له بها، فهو أحد الضباط الشرفاء الذين استغنت عنهم وزارة الداخلية في عهد حبيب العادلي، وأحد النشطاء الذين شاركوا في كل فعاليات الثورة المصرية، وأحد المدافعين عنها والحاملين لواءها في الميدان والإعلام، وهو كذلك أحد الخبراء الاستراتيجيين ذوي الدراسات الجادة والمتميزة في الصراع العربي الصهيوني، لذا كان ضرورياً أن نرجع إليه بخصوص المشكلة الأمنية والإستراتيجية في سيناء.. وكان هذا الحوار مع العميد حسين حمودة.
ثمة تضارب في الروايات والرؤى حول ما يجرى في سيناء حالياً.. ما هي الحقيقة من وجهة نظرك؟
حالة التهميش التي يعاني منها أهل سيناء، بالإضافة للبيئة الصحراوية المخلخلة سكانياً والخالية من الوجود الأمني، كلها عوامل ساهمت في نمو الفكر التكفيري بين أهالي سيناء، بالتوازي مع استمرار الأنشطة الإجرامية المتمثلة في التهريب والاتجار في الأعضاء البشرية والسلاح والمخدرات، وكانت النتيجة هي ظهور جماعات تكفيرية سيناوية ترتبط بجماعات مشابهة في قطاع غزة، والأب الروحي للتكفيريين في سيناء هو طبيب أسنان يُدعى خالد مساعد، من أبناء مدينة الشيخ زويد، وقد اعتنق الفكر التكفيري وقام بعمليات استحلال أموال، ثم تطورت لتفجيرات طابا، و"ذهب"، و"شرم الشيخ"، ثم حدثت مواجهات بين الأمن وجماعته انتهت بمقتله واعتقال 700 من أهالي سيناء آنذاك.
ويمكن أن نقول إن سيناء بها 4 جماعات منظمة أشهرها "التوحيد والجهاد" بقيادة خميس الملاحي من بدو سيناء، وكانت عملية طابا في عام 2004م من أبرز عملياتها، وهناك 3 جماعات أخرى هي "مجلس شورى المجاهدين"، و"الرايات السوداء"، و"التكفير والهجرة"، وقد بدأت الأجهزة الأمنية المصرية في الانتباه لتلك المشكلة مع تفجيرات طابا، وقد نجحت الأصابع الصهيونية في اختراق تلك الجماعات، وزرع عملاء داخلها، والأهالي في سيناء يعرفون أعضاء تلك الجماعات جيداً وكانوا يتسترون عليهم في السابق كراهيةً ونكاية في أجهزة الأمن التي كانت تقوم بحملات اعتقال وتفتيش عشوائية، وكان أفرادها يعتدون على الأهالي وينتهكون الأعراض، ولكن مع العملية النوعية الأخيرة التي استهدفت الجيش المصري لأول مرة في تاريخ العمليات الإرهابية في مصر، أدرك الأهالي أن الأمر لن يمر بسهولة هذه المرة، فبدءوا في التعاون مع الأمن ومع الحملات المشتركة التي يقوم بها القوات المسلحة وأجهزة وزارة الداخلية.
على ذكر عمليات الجيش هل تتوقع نجاحها في تطهير سيناء؟
عملية الحالية يطلق عليها "نسر2 " وهي لن تنجح كما لم تنجح عملية "نسر 1 "، التي كانت عملية شكلية مظهرية ولا تتوفر فيها إرادة حقيقية لتطهير سيناء من تلك الجماعات، فمجلس طنطاوي وعنان الذي كان مشغولاً بتجارة المياه المعدنية و"الشيش طاووق" وعسل النحل، وباقتسام كعكة الثورة المصرية مع القوى المدنية، لم يكن يريد أن يدخل في عمليات حقيقية في سيناء، وأنا أدعو لتشكيل لجنة تحقيق في العملية "نسر 1" والاستفادة من أخطائها لتلافيها في عمليات أخرى، على غرار ما تفعل الجيوش في حالة الفشل، مثل الكيان الصهيوني الذي شكل لجاناً للتحقيق في أعقاب حرب 1973م، وحروبه على لبنان وغزة عامي 2006م و2009م، وبدون التحقيق والمساءلة لن تنجح "نسر 2"..
وأنا أتوقع أن تفشل لعدة أسباب: فلا توجد أقمار صناعية للرصد، ولا طائرات استطلاع وتصوير، ولا توجد حتى مناطيد للتصوير التي تستخدمها شركات السياحة في الدعاية للمناطق السياحية، فعلى أي أساس تقوم العمليات في جبل الحلال وفي باقي المناطق؟.. ولو كانت العمليات معتمدة على معلومات أجهزة الأمن فهل معنى ذلك أنهم كانوا على علم بأماكن تلك الجماعات وكانوا يغضون الطرف عنها؟!.. هذه العملية فاشلة ومرسي "مضحوك عليه".. ولا توجد إرادة حقيقة لنجاح تلك العمليات..
وأذكر أني مع بدء العمليات وورود أنباء عن إصابات بين الجنود بنيران صديقة، نصحت بالتراجع عن مثل هذه العمليات التي ستزيد الجراح والثارات لدى أهالي سيناء، فالجيش بعقليته القتالية المبنية على استهداف العدو وإبادته ليس هو الجهة المناسبة للتصدي للمدنيين المتمردين، دور الجيش يجب أن يقتصر على توفير الغطاء لقوات مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية التي يمكنها التعامل مع الظروف المختلفة في تلك العمليات، أما قوات الجيش فستتعامل ب"غشم" رغماً عنها!!
هل أصبح جبل الحلال وما يجري فيه مشكلة عصية على الحل؟
أسطورة جبل الحلال أكذوبة!!.. الطبيعة الجغرافية والجيولوجية له لا تسمح بأن يتحول لمركز لإيواء آلاف الأفراد بأسلحتهم ومعداتهم ومؤن معيشتهم، وقد قامت قوات حبيب العادلي بتمشيط الجبل قبل الثورة، ولا يعقل أن تبقى فيه تلك الآلاف بعد التمشيط والكشف عنه، ولا مقارنة مطلقاً بين جبل الحلال وجبال تورا بورا الأفغانية كما تردد وسائل الإعلام، لاختلاف الطبيعة بين البلدين، فسيناء منبسطة المساحة، مرتفعاتها قليلة وضئيلة المساحة والارتفاع، وربما أن اللجوء لفقه الأنفاق في سيناء، إذا جاز التعبير، يُغني أعضاء الجماعات المسلحة عن الاختباء في جبل الحلال الذي يوجد في المنطقة (ب) التي يتواجد فيها قوات للجيش المصري.. جبل الحلال حوّله الإعلام لأسطورة تشبه أسطورة "خط الصعيد"، وذلك من أجل إلهاء الناس وشغلهم بعدو وهمي أسطوري.. هذا تمويه يشغل الناس عن حقيقة المشكلة وهو ما يصب في صالح الإسرائيليين والجماعات التكفيرية..
إسرائيل توظف أي حدث لصالحها.. وهم يحاولون توظيف تلك العمليات باعتبارها انتهاكاً مصريا لمعاهدة السلام، والاستفادة منها في الضغط على الإدارة المصرية.
هل هناك تنسيق بين الجيش المصري والجيش الإسرائيلي في تلك العمليات؟
هناك اتفاقية أمنية بين مصر والسلطة الفلسطينية والأردن والكيان الصهيوني، وهناك تعاون أمني بين النظام المصري والحكومة الإسرائيلية منذ أيام حسني مبارك، وقد ظهر ذلك في أحداث تفجيرات طابا 2004م حين دخل الإسرائيليون مصر وتعاملوا مع الأحداث قبل أن نستوعبها نحن، ولا أعلم هل التنسيق مستمر حالياً أم تغيرت الأوضاع وسيلغيه الرئيس مرسي..
هل تغيرت الإستراتيجية الأمنية المصرية بعد الثورة ووصول محمد مرسي لرياسة الجمهورية؟
مع قصر المدة التي قضاها الرئيس مرسي في الحكم من الصعب الحكم على ذلك، وإن كنت لا أرى تغييراً ولا جديداً حتى الآن، نعم لاحظنا تغيراً في نبرة الخطاب المصري تجاه القضية الفلسطينية والقضايا الدولية، أما أمنياً في الملف الصهيوني فلا يمكن الجزم الآن، فهو ملف يديره الأمريكيون، ويمكن الجزم حين نرى نتائج العمليات على الأرض، وحين نرى تعامل النظام الجديد مع الاعتداءات الإسرائيلية التي قد تحدث على جنودنا وأراضينا.. نحن ينقصنا المعلومات وملامح الإستراتيجية الأمنية للنظام الجديد ستظهر من تعامله مع الأحداث ومن التصريحات والمعلومات المسربة أو التي سيكشفها الإعلام..
أعلنت إحدى الجماعات في سيناء عن قبضها على ضباط مخابرات وعملاء إسرائيليين ألا يعد ذلك مؤشراً على وطنية بعض تلك الجماعات بما يعني ألا تُعامل كلها بمنهج واحد؟
الدور الوطني ينبغي أن يكون بتنسيق مع الدولة.. ولا يصح القيام به بإرادة منفردة بمعزل عن أجهزة الدولة..
وإذا كانت الدولة غائبة؟
إذا كانت الدولة غائبة لا يجوز لآحاد الأفراد ان يقوم بعمل تكون انعكاساته على الدولة وخيمة.. ربما كان هذا الأمر مبرراً في عهد حسني مبارك، أما الآن فهناك نظام منتخب من الشعب، ويجب على المواطنين التعامل معه والثقة فيه وفيمن يعملون في إدارته حتى إشعار آخر..
ألا يمكن أن تكون تلك الجماعات ترى أن الإستراتيجية الأمنية لأجهزة الدولة لم تتغير وتتحرك على هذا الأساس؟
لا يجوز لها ذلك.. فلابد أن تمهل الرئيس الجديد وتمنحه الثقة والفرصة للعمل.. وقوف الجماعات في مواجهة الموساد الإسرائيلي والأجهزة الاستخباراتية الأخرى، من تلقاء نفسها، ووحدها، خطر على الجميع.. على الأقل ينبغي أن يسلم أفراد تلك الجماعات من يقبضون عليهم للسلطات المصرية، وإن لم تتصرف السلطات على النحو الصحيح، فهم قد أدوا ما عليهم!!
كيف ترى جهاز الأمن الوطني حالياً؟ وكيف ترى مستقبله؟
جهاز الأمن الوطني حتى الآن خارج الخدمة، وإن قام بأي نشاط فسيكون في نطاق السرية، وما أعلمه بحكم أني ألقي محاضرات في الجهاز "بعد الثورة" أن الحالة النفسية للعاملين به سيئة للغاية، والأمر الذي لا يعلمه كثيرون أن المجلس العسكري لم بعد يصدر قانون تأسيس الأمن الوطني الذي كان معروضاً عليه بعد الثورة، ولا يزال الجهاز لليوم بدون قانون منظم لعمله، ويقولون إنه يعمل حالياً في مجال الجريمة المنظمة ومكافحة الجاسوسية، وهذا ما يعني أنه جهاز مخابرات عامة وليس جهاز أمن داخلي، وهذا خطأ، لابد من وجود جهاز للأمن الداخلي يتدخل في صغيرة وكبيرة في مصر، ويتغلغل في كل قطاع، ولكن في حدود القانون وحدود دولة المؤسسات، وأن تشرف لجنة من القضاء المستقل على جهاز الأمن الوطني، كي لا يعتدي عناصره على الحريات العامة، والحقوق القانونية للمواطنين، وأن يًنص على ذلك في الدستور، كذلك لابد من إلغاء نيابة أمن الدولة التي كانت تابعة للسلطة التنفيذية وذراعاً لقمع معارضيها..
هل هناك وجود للأمن الوطني في سيناء؟.. ومن يتولى ملف سيناء الأمني حالياً؟
حالياً لا وجود للأمن الوطني في سيناء.. مقر أمن الدولة في سيناء احترق خلال الثورة وهو المقر الوحيد الذي توجد صعوبة حالياً في استعادته.. أما ملف سيناء فالمسئول عنه مصلحة الأمن العام، ويشرف عليه وزير الداخلية شخصياً، ويستفاد من قاعدة معلومات جهاز الأمن الوطني في هذا الشأن. وهناك جهات أخرى مثل المخابرات الحربية والعامة ومخابرات حرس الحدود والجيش تتعامل مع الملف في حدود اختصاصاتها، والمفروض أن تقوم مخابرات حرس الحدود بدور كبير في هذا الملف في ضوء خبرتها التاريخية..
الأجهزة الأمنية تعمل بغير هدى وتصدر تصريحات متضاربة، ولو ظللنا على هذا الوضع فأخشى أن تتحكم الدولة الصهيونية والولاياتالمتحدة في سيناء، هم يريدون تدويل قضية سيناء، أو تنفذ إسرائيل الخطة "عوز" التي أعلنوا عنها مؤخراً، فنستيقظ يوماً لنجد الجنود الإسرائيليين يحتلون الشريط الحدودي، ويطالبون بنشر قوات دولية على الحدود مع مصر، كما هو الحال في لبنان، وهذا ما يريده الصهاينة: صنع حاجز دائم مع مصر لحماية الصهاينة من الثورة والثوار المصريين، خاصة أن مسئولي الحكومة الإسرائيلية تقدموا منذ شهور بشكوى للأمم المتحدة يدعون فيها إن منطقة سيناء صارت خطراً على أمن الكيان الصهيوني.. أما الولاياتالمتحدة فتسيطر عليها إستراتيجية وضعها المحافظون الجدد تحت اسم "المناطق المظلمة"، وقد أوردها كتاب " نهاية الشر" للمفكر الاستراتيجي ريتشارد بيرل، وملخصها أن أية دولة في العالم لا تستطيع السيطرة على كامل حدودها فإن تلك الحدود تعتبر "مناطق مظلمة Dark Places" ويحق للولايات المتحدة التدخل لضبط تلك المناطق بدون إرادة المجتمع الدولي، وهذا ما فعلته الولاياتالمتحدة في كوسوفا والبلقان بهدف تقسيم يوغسلافيا والقضاء على نفوذها في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، باعتبارها المركز الوحيد الباقي لتصنيع وصيانة السلاح السوفييتي الموجود لدى دول الشرق الأوسط.
تحدثنا عن المشكلة فكيف يكون الحل في رأيك؟
سيناء منطقة شاسعة المساحة، مخلخلة سكانياً، ولا يوجد بها أي نوع من أنواع التنمية، كما يغيب عنها ما يسمى ب"الأمن الإنساني" بعناصره السبعة: أمن الأشخاص، وأمن الدولة، والأمن الغذائي، والأمن الصحي، والأمن البيئي، والأمن الاقتصادي، والأمن الاجتماعي، وعلى ذكر الأمن الاجتماعي هل تتخيل أن سيناء بمساحتها الشاسعة لا يوجد بين أهلها مسيحي مصري واحد.. رغم انتشار المواطنين المسيحيين في كافة أنحاء مصر؟!..وهذا مؤشر على خلل كبير، ولا بد حين البدء في تعمير سيناء من مراعاة توطين نسبة من المواطنين المسيحيين لنشر ثقافة المواطنة فيها، ومن شأن ذلك أن يساهم في التصدي للفكر التكفيري المتنامي في سيناء حالياً.
بجانب هذه الأمور فإن إسرائيل في فترة احتلالها سيناء أدركت وفهمت جيداً أن تلك المنطقة تمثل نقطة ضعف لمصر، وهي تعمل حالياً على استغلال ذلك الضعف وزيادته، انطلاقاً من سياسة "شد الأطراف"، التي تقوم فكرتها على: إرهاق قلب الدولة والضغط عليه عن طريق الضغط على الأطراف، ومعروف أن هناك دولاً كثيرة، ومنها دول كبرى، تعاني من مشكلات عدم السيطرة على حدودها، مثل الولاياتالمتحدة التي تعاني في ضبط حدودها مع المكسيك، وتعجز عن منع تهريب البشر والمخدرات عبرها، فما بالك بدولة تفتقد الرؤية والمنظومة الأمنية مثل مصر؟!!
بجانب ذلك فإن لإسرائيل تطلعاتها وأحلامها في التمدد والتوسع وإقامة "إسرائيل الكبرى"، وتوطين الفلسطينيين في سيناء خطوة مهمة للتخلص من الفلسطينيين والتوسع الإسرائيلي
الحل لمشكلة سيناء هو حل تنموي بالأساس، ولابد إن يكون شاملاً كافة الجوانب الحياتية، فلابد من تحقيق الأمن الإنساني لأهالي سيناء بعناصره السبعة التي ذكرناها، ولتحقيق ذلك أقترح تقسيم سيناء لثلاث محافظات: في الشمال، والجنوب، والوسط، وتعيين وزير أو مسئول رياسي لشئون سيناء يتعاون مع محافظيها في التعمير والتنمية..
كذلك لابد من نشاط ثقافي وفكري مواز يعمل على زيادة الانتماء الوطني لدى أبناء سيناء، وعلى اندماجهم أكثر في النسيج المصري، ويقاوم الأفكار والتيارات المتطرفة التي تحاول التجذر في المجتمع السيناوي حالياً.. وأنا هنا أسأل: أين دور الأزهر الدعوي والثقافي من سيناء؟.. أين دور الجماعات الدينية المعتدلة (مثل الإخوان المسلمين) في مقاومة الفكر التكفيري في سيناء؟.. مواد متعلقة: 1. مصدر عسكري: القوات المسحلة ستداهم "جبل الحلال" بسيناء خلال ساعات