استمعت محكمة جنايات القاهرة في جلستها المنعقدة اليوم برئاسة المستشار مكرم عواد إلى شهادة الدكتورة فايزة ابو النجا وزيرة التعاون الدولي السابقة في قضية التمويل الأجنبي غير المشروع لخمس منظمات أجنبية، والتي تضم 43 متهما من الجنسيات الأمريكية والألمانية والصربية والنرويجية والفلسطينية والأردنية، بالإضافة إلى متهمين مصريين. واستهلت فايزة أبو النجا شهادتها بتوضيح دور الوزارة في مسألة التمويل الأجنبي، لافتة إلى أنها (الوزارة) مسئولة عن إدارة العلاقات بين مصر والعالم ومتابعة تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بالمساعدات التنموية الخاصة بمصر وإعداد اللجان الخاصة التي يرأسها وزراء مصر مع آخرين.
وأضافت أن الوزارة مسئولة عن كل الاتفاقيات التي تنبثق عن تعاون مع أي دولة أخرى، وأن دائرة عملها كانت تنحصر في برنامج المساعدات الاقتصادية الأمريكية وليست العسكرية، و أن هذا البرنامج نشأ بشكل مقنن من خلال اتفاقية وقعت بين مصر وأمريكا في إطار اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.
وأوضحت أنه جرى توقيع الاتفاقية الإطارية بين مصر وأمريكا والتي بمقتضاها تقدم الحكومة الأمريكية مساعدات للحكومة المصرية، ونص هذا الاتفاق على أن يكون أي تمويل للمساعدات بالطرق الدبلوماسية، لافتة إلى أن مبالغ المساعدات بدأت ب 815 مليون دولار وظل العمل به ساريا.
وأشارت إلى أنه في العام 2004 بدأت المتغيرات حينما اتخذ الكونجرس الأمريكي قرارا بتقديم تمويل مباشر لمنظمات المجتمع المدني، دونما الالتزام بالشرط الذي كان ساريا والخاص بموافقة الحكومتين قبل تقديم أي تمويل لأية جهة.
وأوضحت أبو النجا أن هذا التمويل المنفرد جاء بناء على مقترح تقدم به أحد أعضاء الكونجرس وأن أمريكا سوف تقدم تمويل مباشر لمنظمات المجتمع المدني. وأضافت أن الحكومة المصرية اعترضت حينها باعتبار أن ذلك يخالف نصوص الالتزام القانوني للاتفاقية، وجرت مفاوضات مطولة بين الحكومتين المصرية متمثلة في وزارة التعاون الدولي ومسئولين أمريكيين.
وذكرت الوزيرة السابقة أنه تم التوصل إلى حل يتضمن السماح باقتطاع جزء من المساعدات الاقتصادية وتمويل للمنظمات الأهلية، ولما حدث ذلك وبعد التفاوض توصلنا في عام 2006 إلى أن الحكومة المصرية ستسمح بتوجيه جزء من هذه المساعدات لمنظمات المجتمع المدني لبرنامج خاص بالديمقراطية، وتشجيع المجتمع على برامج التوعية.
وأوضحت أن الاتفاق نص على أن التمويل المخصص لهذا الغرض سوف يكون تمويلا معلنا بأن يخطر الجانب الأمريكي الحكومة المصرية وأن يكون التمويل مقتصرا على منظمات المجتمع الأهلي المسجلة والمشهرة والحاصلة على ترخيص، وكان ذلك من خلال خطابات متبادلة بينها وبين السفير الأمريكي ووزيري الخارجية المصري والأمريكي.. أما فيما يتعلق بالمنظمات الأجنبية في مصر وخاصة الامريكية التي تستفيد من هذا التمويل فيشترط ان تكون منظمات أبرمت الاتفاق مع الحكومة المصرية بما يسمح لها بمزاولة النشاط في مصر من خلال الخارجية المصرية.
وقالت أبو النجا تم تم الاتفاق حينها أيضا على تشكيل لجنة استشارية وكان اختيار أعضاءها من شخصيات عامة لها مصداقية على مستوى المجتمع المصري، ومهمتها هو أن الجانب الأمريكي سوف يطرح عليها ما يقترحه من أنشطة لهذه المنظمات ويكون لها رأي استشاري في تلك الأنشطة التي يشملها هذا التمويل..
وأضافت : "بدأنا نبحث ذلك وكان هناك شخصيات معروفة في اللجنة منها منير فخري عبد النور وزير السياحة السابق، والدكتور صبري الشبراوي والدكتور محمود الشريف الوزير السابق، وغيرهم، وبدأت جلسات هذه اللجنة تمارس عملها، وشكا لي أعضاء اللجنة عدة مرات بأن اجتماعاتها أصبحت دون جدوى لأن ما يقترحونه لا ينفذ، وتقدموا باستقالاتهم، وفشلت اللجنة في النهاية".
وأضافت أبو النجا في شهادتها أن العمل ظل على هذا الأساس في وجود إصرار من الجانب الامريكي على عدم إحاطة الجانب المصري بتفاصيل الأنشطة الممولة وفقا للاتفاقية، وأرسلنا للاستعلام من وزارة التضامن الاجتماعي عن بعض الجمعيات وعندما كنا نتأكد من أن بعضها غير مسجلة كنا نخطر الجانب الامريكي، أما الجمعيات المسجلة فلا توجد لدينا مشكلة بشأنها، إلا باستثناء بعض الجمعيات التي لا نعلم تفاصيل مشاريعها الممولة من المساعدات، ولاحظنا أن هناك تسارعا في عملية التمويل في الفترة قبيل الانتخابات البرلمانية 2010 .
وأوضحت أن الجانب المصري كان قد اتفق على تخفيض المساعدات الاقتصادية على فترة 10 سنوات بنسبة 5 % لتصل إلى نسبة 50 % بنهاية العشر سنوات، وفي 2006 بدأنا بحث أثر تقليص البرنامج، وفي سنة 2008 في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، اتخذ قرارا مخالفا للاتفاقية بتخفيض القيمة للبرنامج بنسبة 50 % لتصبح إجمالي المبالغ 200 مليون دولار.
وأشارت إلى أن مصر اعترضت على ذلك باعتبار أنه مخالف للاتفاقية الإطارية الموقعة بين مصر وأمريكا، وأن مصر لن تقبل هذا ولن توقع أي اتفاق مع الحكومة الامريكية إذا ما تم تنفيذ هذا القرار، لافتة إلى انها عرضت ذلك على الرئيس السابق حسني مبارك في مذكرة عبارة عن توصية برفض القرار أحادي الجانب.
وقالت إن الحكومة لا تنكر أن الجانب المصري استفاد جزئيا من هذا البرنامج في العديد من المشروعات كإصلاح شبكات التليفونات وشبكة الصرف الصحي والمياه وخلافه ، ووجدت لجنة الاعتمادات الامريكية أن مصر كانت ثاني أكبر دولة بعد إسرائيل حصولا على المساعدات، وانه بمراجعة الموقف تبين أنه بعد 30 سنة أن وضع الاقتصاد المصري والأمريكي سيتغير، ووجدنا انه لابد من إعادة النظر في البرنامج ، ووافق الرئيس السابق بعد اجتماعين استمر كل منهما 4 ساعات على المذكرة التي أوصيت فيها بتحويل تلك المساعدات إلى وديعة تسدد منها مصر ديونها، والتي سددنا قيمتها كاملة وندفع الآن فائدة مركبة قيمة القمح الأمريكي الذي كنا نستورده.
وذكرت أبو النجا أنه بعد الدراسة وجدنا أن مصر يجب أن تستغني عن المساعدات الخارجية، وأن مصر قادرة بالفعل على ذلك، وباعتبار أنه لا توجد مساعدات أبدية فقد تقرر عمل صندوق نضع فيه جنيه مصري مقابل كل دولار لتسديد الديون والتخلص منها ومن برامج المساعدات.
وأوضحت الوزيرة السابقة أن السفيرة الأمريكية السابقة قالت لها إن الحكومة الأمريكية ليست في موقف يسمح لها بإلغاء المساعدات التنموية لمصر، فكان الجواب أنه يجب أن نتفق على شكل تلك المساعدات، وأن مصر لن توقع أي اتفاق مع الجانب الأمريكي،.. لافتة إلى أنها حصلت على موافقة من الرئيس السابق حسني مبارك على عدم التوقيع على أي اتفاق يخص برنامج المساعدات، وقالت إن الدستور كان ينص على عدم ضرورة موافقة المجالس النيابية على أي اتفاقيات تتضمن منح لا تمثل أعباء على الخزينة العامة للدولة، لكننا كنا نعرضها على مجلس الشعب.
وأكدت أن مصر امتنعت عن إبرام أي اتفاقيات مع امريكا طوال 2008 و2009 ، وعندما تم انتخاب باراك أوباما رئيسا لمصر أوفد وزيرة الخارجية كلينتون التي طلبت استئناف المساعدات الأمريكية لمصر ورفع المبلغ وتعهدت نقلا عن أوباما أنه لن يتم التمويل إلا للمنظمات المسجلة قانونا واحترام القانون المصري وأنه لن يتم تمويل المنظمات الأمريكية إلا المسجلة وعلى هذا الأساس وافقنا على استئناف البرنامج، إلا أنه بعد أشهر قليلة وجدنا أنه كلام ولم ينفذ وتسارعت وتيرة التمويل قبل الانتخابات.
وقالت أنه عقب تخلي الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة ووقوع أحداث يناير قامت وزيرة الخارجية الامريكية ومسئولين آخرين والسفارة الأمريكية بالإعلان عن أنهم قرروا بشكل أحادي إعادة مبلغ 150 مليون دولار من البرنامج من المنح السابقة لتمويل المنظمات، وكانت هذه الاموال مخصصة لتمويل مشروعات الصحة والتعليم وغيرها.
وأكدت أبوالنجا أن مصر اعترضت على هذا القرار الأحادي أبلغت أمريكا به على جميع المستويات، غير انهم أصروا على موقفهم وقالوا "هذا قرار وأنتم حكومة انتقالية وسنتفاهم مع الحكومة القادمة".. وأشارت إلى ان مصر ظلت على مدى عدة شهور تطالب بوقف تحويل المبالغ، وإعادة برمجتها وفقا للاتفاقيات.
وأكدت أبو النجا أن النظام السابق لم يكن لديه أي مشاكل مع منظمات المجتمع المدني وكان لدينا 30 ألف جمعية كنا نبحث لها عن تمويل وكان هناك صندوقا للديمقراطية، وأن أي تمويل أجنبي كان لابد من إخطار النائب العام بمصادره وما يتم فيه، إلا أنه كان هناك إصرارا من الجانب الأمريكي للتركيز على جمعيات معينة في محافظات معينة ، وبالتالي لاحظنا أنهم ضربوا بالموقف المصري عرض الحائط، والوكالة الدولية الأمريكية أعلنت أنها ستوجه هذا التمويل لمنظمات المجتمع المدني.
وذكرت أنه خلال شهر فبراير إلى مايو 2011 تم صرف 105 ملايين دولار على برامج التوعية والتحول الديمقراطي.
وقالت أبو النجا أن هذه المنظمات الأمريكية كانت لها أهداف غير معروفة وكانت تقوم على عمل دراسات وبرامج تليفزيونية، معتبرة أن المنظمات غير القانونية تهدد الأمن القومي لمصر، وأنه هناك تسجيلات لندوات قامت بها هذه المنظمات وكانت تحض المشاركين على العمل ضد الشرطة والقوات المسلحة.
وأضافت أنه كانت هناك دورات تدريبية للشباب حول عمل مظاهرات وإهانة الشرطة والهجوم على المؤسسات و"أنا كوزيرة حلفت اليمين عدة مرات لحماية الوطن وسلامة أراضيه، ولو عاد بي الأمر لفعلت ذلك عدة مرات وقدمت تقرير حول الواقعة"..
وقالت أنه تم عرض التقرير الخاص بالمنظمات الحالية على مجلس الشعب وأمر وزير العدل بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق التي عرضت تقريرها على مجلس الوزراء وفي شهر أكتوبر قرر رئيس الوزراء إحالة تقرير اللجنة إلى قاضي التحقيقات، "لتنقطع صلتي منذ ذلك الوقت بهذا الملف تماما". مواد متعلقة: 1. ابو النجا: مسئولية الحكومة انتهت بعد تسليم ملف التمويل الى القضاء في أكتوبر(فيديو) 2. تقرير فايزه ابو النجا على الافراج عن المنظمات