يشهد لبنان الآن حال من البلبلة الإعلاميّة، تحوّلت مع الوقت إلى "حرب إعلامية" بشأن صحة الإتهامات التي وجهت ضد الوزير السابق ميشال سماحة ب "القيام بأعمال إرهابية". فعند وقوع حدث الإعتقال اتجهت بعض المواقع الإلكترونية إلى حجب الخبر، وكأنّها تُعتّم على خبر بالغ الأهميّة، ولكنه تحوّل إلى حديث البلد في لحظات، ولكن تردد خبر التوقيف في العديد من المصادر لأسباب مختلفة ولم تعتمد المعلمومات في بداية النشر على معطيات ومعلومات حسية.
ولكن مع بدء شيوع الأسباب الأمنيّة لعمليّة التوقيف، إحتدمت "الحرب الإعلاميّة" بين من يؤيّد التهم المنسوبة إلى سماحة، وبين من يرى في المسألة "فبركات إعلامية" و"أفلاماً سينمائية".
ميشال واعترافات
ميشال فؤاد سماحة ولد 1948، وهو سياسي لبناني ووزير سابق ويحمل أيضا الجنسية الكندية، القي القبض عليه في منزله في التاسع من شهر اب / اغسطس من عام 2012 في منطقة الجوار بتهمة التخطيط لإثارة فتنة طائفية اسلامية - مسيحية ابتداءا من منطقة عكار في شمال لبنان على خلفية زيارة يقوم بها البطريرك الماروني بشارة الراعي الى تلك المنطقة، وما زالت التحقيقات جارية.
وكان القاضي سامي صادر ادعى في الحادي عشر من اب / اغسطس 2012 على سماحة وأوقفه وجاهيا، كما ادعى على اللواء في الجيش السوري علي مملوك والعقيد السوري عدنان مجهول باقي الهوية بجرم التخطيط لقتل شخصيات سياسية ودينية في لبنان و "القيام بأعمال إرهابية بواسطة عبوات ناسفة تولى سماحة نقلها وتخزينها بعد ان جهزت من مملوك وعدنان".
وقال سماحة في التحقيق أنه كان سيتم تفجير تلك العبوات في مناطق لبنانية عدة خصوصا في الشمال، على أن تستخدم في عمليات اغتيال لشخصيات سياسية ودينية بهدف إثارة الفتنة.
ونقل عن سماحة قوله في التحقيقات: "إنه قام بنقل العبوات الناسفة وعددها 24 لأن بشار الأسد يريد ذلك".
توقعات بإطلاق سراحه
بعد اليوم الاول في محاكمة الوزير السابق ميشال سماحة بدأت الامور تتبدل وخرج معسكر المدافعين عن الوزير سماحة متفائلا من الجلسة الاولى، فأول المفاجأت كانت تراجع سماحة عن اعترافاته حيث أفادت قناة "OTV" ان الوزير السابق ميشال سماحة تراجع عن أقواله السابقة في التحقيق، حيث كان اعترف بانه نقل متفجرات من سوريا الى لبنان بسيارته بناء على طلب اللواء السوري علي المملوك بهدف استهداف تجمعات في الشمال خصوصا لاحداث الفتنة في لبنان.
وأشارت ال"MTV"، إلى أن الجلسة إنتهت وسُمح لسماحة ان يلتقي عائلته في مكتب قاضي التحقيق.
ونقلت عن أحد المحامين، الذي لم يقبل ان يدلِ بتصريح، قوله: "إن استجواب سماحة كان جيداً، وإذا استمر الأمر على ما هو عليه، فهناك مفاجآت قد تتضح في الأيام المقبلة"، مضيفاً: "واذا استمر على هذا النحو فنتوقع اطلاق سماحة قريبا".
من الدفاع إلى الهجوم
وأثرت هذه التطورات على فريق الدفاع عن سماحة، حيث جعلته ينتقل من موقع الدفاع إلى الهجوم حيث أفادت قناة "المنار" بأن دفاع الوزير السابق ميشال سماحة ادعى على رئيس فرع المعلومات العيد وسام الحسن والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي بتهمة تسريب معلومات التحقيق.
وكان سبق الجلسة معلومات خطيرة شغلت الرأي العام نشرتها جريدة "الديار" اللبنانية، حيث ذكرت معلومات أن الشاهد الرئيسي في قضية الوزير السابق ميشال سماحة ميلاد كفوري ومن خلال استعماله لجواز سفر اجنبي قام بالسفر الى قبرص ومنها الى اسرائيل مستعملا جوازا اجنبيا مع العلم ان كفوري تربطه بجهاز الموساد الاسرائيلي علاقة متينة منذ ايام الوزير الراحل ايلي حبيقة".
وأشارت الجريدة إلى أنها لم تعرف "ما اذا كان العميل كفوري يأخذ المعلومات من سماحة عن حزب الله ويكتب تقارير فيها الى اسرائيل ويكتب تقارير اخذها من مسئولين سوريين ولبنانيين ومن ميشال سماحة ووسام الحسن الى اجهزة امنية خارجية"، كما لم تعرف "الديار" ايضا ما اذا كان العميل كفوري اطلع العميد وسام الحسن على زياراته الى اسرائيل والنتائج التي اتى بها في هذا المجال خصوصا ان مستوى عمل كفوري مع الموساد الاسرائيلي هو مستوى مرتفع جدا وقد يكون جهاز الامان الاسرائيلي كشف عملاءه لوسام الحسن كي يغطي عميلهم ميلاد كفوري المرتبط بالموساد الذي كان بإمكانه الاطلاع على معلومات عن حزب الله والرئيس السوري بشار الاسد".
وبحسب الصحيفة، فإن ميلاد كفوري كان يستعمل جواز سفر اجنبي وكان على تواصل اسبوعي مع وسام الحسن وهذه الامور سيكتشفها التحقيق لاحقا.
قلق أمريكي
من جانبها، دعت الولاياتالمتحدة لبنان إلى اعتماد "الشفافية" في قضية اعتقال سماحة، معربة عن خشيتها من انتقال العنف من سوريا التي تشهد حركة احتجاجية منذ 17 شهرا.
كما أعربت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية عن قلهقها حيال "التوترات الطائفية داخل سوريا التي قد تمتد إلى لبنان".
وأضافت نولاند: "نريد أن يعمل المسئولون اللبنانيون معا ومع القوى الأمنية اللبنانية لتحاشي حصول أي صدام" مشددة على ضرورة تأمين "الشفافية" و"احترام القواعد الدولية" في حال كان هناك أي عمل قضائي محتمل. ويعتبر سماحة احد المقربين من نظام بشار الأسد الذي يواجه حركة احتجاجية تحولت إلى مواجهات مسلحة منذ مارس 2011.
صدمة سوريا
توقيف الوزير الأسبق ميشال سماحة كان وقعه ثقيلاً جداً على دمشق، حيث تمت حركة اتصالات متسارعة بين القيادة السورية وأبرز الحلفاء في لبنان وبالأخص سليمان فرنجية، حيث أيقظ الأخير أحد الامنيين اللبنانيين من نومه بعد وقت قصير جداً من التوقيف صباح الخميس الماضي، وأبلغه بتوقيف سماحة، فرد المسئول الأمني اللبناني: "هؤلاء جنّوا حتماً".
وذكر موقع "لبنان الآن" أنه أبعد من الصدمة والدهشة، ساد انطباع في أكثر من دائرة سورية على معرفة وثيقة بالرجل بأننا "نواجه مشروع انقلاب سياسي في لبنان"، وثمة من دق جرس التحذير من العاصفة التي تهبّ على سوريا من لبنان: "الأمر خطير، ليس المستهدف ميشال سماحة بشخصه فقط، بل سوريا ورئيسها بالدرجة الاولى".
وأعلن مسئول سوري أنه واضح أن لميشال سماحة مكانته المرموقة لدى القيادة السورية وتحديداً عند الرئيس الاسد، قائلا: "ليس هكذا يكافأ ميشال سماحة، تاريخه يشهد على جرأته ومسالمته، ما هذا الكلام السخيف الذي لا يستقيم لأحد بأنه ينقل عبوات ناسفة، ولنفرض أن سوريا قررت ان تفكر بهذه الطريقة، أليس بمقدورها أن تجد ثلاثين ألف "متبرع" قبل أن يصل الدور الى ميشال سماحة".
وفضلاً عن عدم فهم مبرر التعامل بطريقة مهينة مع موقوف ذي تاريخ سياسي مثل سماحة، شكلت التسريبات ومسارعة القضاء اللبناني الى الادعاء على اللواء علي المملوك وعلى أحد الضباط الأمنيين السوريين "العقيد عدنان" صدمة ثانية: "انها خطوة غريبة لا بل مريبة وتنم عن استفزاز متعمّد، خاصة أن الادعاء تمّ بناء على تحقيق أولي. في القانون، القاعدة الاساس ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولكن خطوة القضاء اللبناني تنطوي على إدانة مسبقة".
تاريخه السياسي
انضم سماحة سنة 1964 إلى حزب الكتائب وأصبح مسئولا عن القطاع الطلابي داخله، وكان أثناء الحرب من المكلفين بالاتصالات بين الحزب وسوريا، ترك الكتائب سنة 1985 بعد تأييده انتفاضة سمير جعجع وإيلي حبيقة، أصبح بعدها من المقربين من إيلي حبيقة. وعين سماحة كوزير للإعلام والسياحة في حكومة رشيد الصلح عام 1992، ثم وزيرا للإعلام في حكومة رفيق الحريري الأولى، أنتخب سنة 1992 أيضا كنائب في أول انتخابات بعد إتفاق الطائف، وانهزم في انتخابات 1996 و2000 أمام أنطوان حداد، وتم تعيينه في 17 أبريل 2003 مرة أخرى كوزير للإعلام واستمر في منصبه إلى 26 أكتوبر 2004.
وفي يونيو 2007 أعلنت الإدارة الأمريكية قرار منعه من دخول أراضيها صحبة عدة شخصيات لبنانية وسورية بحجة "التورط أو إمكانية التورط في زعزعة الحكومة اللبنانية"، و"رعاية الإرهاب أو العمل على إعادة ترسيخ السيطرة السورية على لبنان"، وأنهم بذلك "يلحقون الضرر بمصالح الولاياتالمتحدة".