يعد إعلان كوفي عنان عدم تجديد ولايته كمبعوث مشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا اليوم بمثابة عريضة اتهام للقوي الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وأيضا للقوى الإقليمية المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط. وبحسب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، فإن كوفي عنان أبلغه أنه لم يتلق الدعم المطلوب والمتوقع من المجتمع الدولي لإنجاح مهمته في حل الأزمة السورية، وإيقاف العنف وأعمال القتل الدائرة يوميا في سوريا بين قوات الرئيس السوري بشار الأسد وقوات المعارضة السورية المسلحة.
ويلاحظ في هذا السياق أن إعلان استقالة كوفي عنان جاءت في نفس اليوم الذي كشفت فيه وسائل إعلام الأمريكية عن توقيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمذكرة سرية في وقت سابق، تتيح لوكالة الاستخبارات الأمريكية ووكالات أمريكية أخري تسليح جماعات المعارضة في سوريا، وعلى رأسها ما بات يعرف بالجيش السوري الحر الذي يكافح من أجل إنهاء حكم الرئيس السوري بشار الأسد.
وقالت دوائر دبلوماسية بالأممالمتحدة تنتمي إلى مجموعة دول عدم الانحياز إن استقالة عنان ربما تأتي في إطار الضغط الذي يمارسه المبعوث المخضرم للحصول علي تفويض ودعم أقوى من مجلس الأمن الدولي.
من جانبه، اعتبر السفير فيتالي تشوركين مبعوث روسيا الدائم لدي الأممالمتحدة - في تصريحات للصحفيين اليوم - أن مسودة القرار الذي صاغته المملكة العربية السعودية لتقديمه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة غدا الجمعة ، يتضمن بعض الإشارات غير المريحة لطريقة عمل المبعوث المشترك كوفي عنان.
أما كوفي عنان نفسه،فقد ذكر - في تصريحات للصحفيين في جنيف - إن إعلان جنيف الذي أيدته مجموعة العمل المعنية بسوريا في الثلاثين من يونيو الماضي،قدم اتفاقا دوليا حول إطار عمل الانتقال السياسي، وكان يتعين تأييد ذلك بشكل آلي في مجلس الأمن وأن يبنى عليه المجتمع الدولي عمله بدون ضغط دولي جاد وهادف، بما في ذلك من قوى المنطقة.
وأشار إلى أنه سيكون من المستحيل لي أو لأي شخص آخر أن يدفع الحكومة السورية أولا وأيضا المعارضة إلى اتخاذ الخطوات الضرورية لبدء العملية السياسية.
وقال المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي عنان - في تصريحاته - إن تلك الأسباب دفعته إلى إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بعدم رغبته في تمديد عمله في مهمته التي تنتهي في آخر الشهر الحالي .
وأكد عنان أن سوريا يمكن أن تنقذ من أسوأ كارثة يمكن أن تشهدها إذا أظهر المجتمع الدولي القيادة والشجاعة اللازمين للتوصل إلى حلول وسط من أجل مصلحة الشعب السوري.
وكانت الخلافات بين كوفي عنان وعدد من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي قد بدأت مبكرا ، ولاسيما الولاياتالمتحدةالأمريكية من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى.
ففي الوقت الذي طالب فيه عنان بعدم التدخل في الأزمة السورية من خلال تقديم الأسلحة والمساعدات المالية واللوجستية إلى الأطراف المتقاتلة في سوريا، كانت واشنطن ومعها بعض الدول الإقليمية في المنطقة تعلن بوضوح استمرارها في تزويد المعارضين لحكم الرئيس السوري بالسلاح والمال.
وفي مقابل ذلك لم تكف موسكو أيضا عن تزويد النظام السوري بالمساعدات العسكرية اللازمة لقوات الأمن والجيش السوري،بالرغم من الاعتراضات الدولية علي تسليح نظام يقوم بقتل شعبه،وذلك علي حد تعبير السفير ليال جرانت مندوب بريطانيا الدائم لدى الأممالمتحدة.
أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ، فقد أكد - في بيان أصدره اليوم - أن كوفي عنان يستحق التقدير العميق لطريقة نكران الذات التي عمل بها، حيث وضع مهاراته الهائلة وهيبته في أصعب المهام ، مشيرا إلى أنه سيستمر في الاستفادة من حكمته ومشورته، ومن عمل مكتب المبعوث الخاص المشترك .
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن كوفي عنان كان يعمل في إطار ولايته وبالتعاون مع مختلف الدول الأعضاء بشكل وثيق في الأشهر الماضية، قائلا " إنه مدين له ولفريقه على كل ما حاولوا تحقيقه ".
وأوضح مون أن مشاوراته مع أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي جارية بغية تعيين خليفة لعنان لمتابعة هذا الجهد الهام، مؤكدا على أن إراقة المزيد من الدماء ليست هي الحل، وأن كل يوم يمر على اتباع هذا النهج سيجعل الحل أكثر صعوبة، فيما يزيد من عمق معاناة البلاد، ويشكل خطرا أكبر على المنطقة.