تلتئم المعارضة السورية المنقسمة في العاصمة القطرية الدوحة حيث من المتوقع أن يجري نقاش ساخن بين فصائل المجلس الوطني السوري على تشكيل حكومة مؤقتة تقود نقل السلطة من نظام الرئيس بشار الأسد الذي يخوض معركة ضارية لوقف تقدم المقاتلين وردّهم. ونقلت صحيفة الغارديان عن مصادر في المجلس الوطني السوري أن الشخصية المعارضة المعروفة رياض سيف مرشح لرئاسة إدارة مدنية توافقية.
ولكن جهودا تُبذل لترشيح العميد مناف طلاس ، اهم الضباط المنشقين عن حلقة الأسد الداخلية ، الى رئاسة مجلس عسكري يمكن ان يحافظ على وحدة القوات المسلحة السورية وولائها على غرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر ، كما أفادت صحيفة الغارديان نقلا عن مسئولين في المجلس الوطني السوري ودبلوماسيين أجانب.
ميدانيا، ذكرت التقارير الواردة من حلب يوم الأربعاء أن تحضيرات تجري على قدم وساق لمواجهة كبيرة بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة فيما قصفت طائرات النظام معاقل للمعارضة في حلب.
كان طلاس دعا في أول بيان يصدره منذ انشقاقه الى وحدة المعارضة وحث الجيش على رفض "النهج الإجرامي" لنظام الأسد. ويقوم طلاس منذ يوم الاثنين بأداء العمرة في السعودية، وترغب بعض الدول في أن يكون له دور في المرحلة القادمة.
وقال العميد مصطفى الشيخ الذي كان من أول الضباط الذي انشقوا وانضموا الى الجيش السوري الحر ، انه يدعم طلاس. ولكن اعتراضات ظهرت على الفور تقول إن الضابط السابق في الحرس الجمهوري شديد الارتباط بالنظام. وقال الخبير في الشؤون العربية في معهد تشاتهام هاوس البريطاني للأبحاث رايم علاف "ان مناف طلاس لم يكن يخاطب المعارضة أو الشعب السوري بل كان يجري اتصالا بأقرانه في الجيش".
ويرى آخرون ان مناف طلاس ملوّث بسجل والده وزير الدفاع في عهد حافظ الاسد والد بشار.
ويبقى تشكيل حكومة وحدة قضية خلافية في المجلس الوطني السوري الذي اضطر رئيسه عبد الباسط سيدا يوم الثلاثاء الى نفي موافقته على نقل صلاحيات الأسد الى شخصية من شخصيات النظام يقود فترة انتقالية على غرار اليمن.
لم يعد العميد طلاس الأبن المدلل للأسد وكان المجلس الوطني السوري وافق على خطة المبعوث الدولي كوفي انان المدعومة من الأممالمتحدة لنقل السلطة ولكن المجلس يقول ان الوضع على الأرض تغير منذ النجاحات التي حققها الجيش السوري الحر وتفجير مبنى الأمن القومي في دمشق ومقتل أربعة من كبار مسئولي النظام الأمنيين والعسكريين.
ونقلت صحيفة الغارديان عن عضو المجلس الوطني السوري عبيدة نحاس القريب من جماعة الإخوان المسلمين "ان الفترة الانتقالية بدأت بالفعل وان بشار لم يعد يسيطر على البلاد مثلما كان قبل بضعة أسابيع لا أكثر, فهناك واقع جديد في سوريا ، وميزان القوى تغير".
ولكن محللين يذهبون الى ان المجلس الوطني السوري ما زال يواجه مشاكل تتعلق بالمصداقية, فهو منقسم داخليا بين ليبراليين وإسلاميين، بين عرب وكرد، وله خلافات مع جماعات معارضة أخرى مثل هيئة التنسيق الوطني في دمشق التي تعارض عسكرة المعارضة, كما انسحب من المجلس عدة شخصيات معروفة. وتحدث المعارض السوري حازم نهار عن "بؤرة من التناقضات والأصوات المتزاحمة موالين للنظام ومناوئين ينظرون الى المعارضة السورية بانعدام ثقة ويتخذون موقفا رافضا منها".
وتبدّى عمق هذه الخلافات بين فصائل المعارضة في تبادل اللكمات خلال مؤتمر المعارضة الذي عقد برعاية الجامعة العربية في القاهرة في وقت سابق من تموز/يوليو.
ويشكو منتقدو المجلس الوطني السوري من قربه الشديد الى مؤازرين خارجيين مثل قطر وتركيا وانه رغم كل علاقاته الدولية لم يفلح في كسب المجتمع الدولي الى دعم تدخل عسكري على الطريقة الليبية، كما كان يأمل, واقتصر الدعم الأميركي بصفة خاصة على تقديم المال والمعدات غير الفتاكة مع قدر من الإسناد ألاستخباراتي الذي يصعب تقدير قيمته.
وقال عضو المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطني خلف داود لصحيفة الغارديان "ان سيدا ليس صانع القرار الحقيقي فهو وسلفه برهان غليون مجرد بيادق والإسلاميون هم الذين يسيطرون على المجلس الوطني السوري رغم عدم وجود أساس ديمقراطي لذلك".
وأشار داود الى دور قوى إقليمية ودولية مثل تركيا والولايات المتحدة قائلا "نحن لا نريد أن ننتهي الى استبدال دكتاتورية فاسدة بأخرى", ويؤكد مسئولون في المجلس الوطني السوري قوة التنسيق مع الجيش السوري الحر الذي يتسلم مقاتلوه الآن رواتب منتظمة عن طريق المجلس.
وقال الكاتب السوري مالك العبدة ان المجلس الوطني السوري "يريد ان يستحدث صندوق حرب ليتمكن من رشوة المقاتلين على الأرض لأن هذه هي الطريق الوحيدة التي يستطيع أن يمارس بها نفوذا على الأرض".
ويقول قياديون في المجلس الوطني السوري ان قاعدة سُتقام قريبا على الأرض السورية مثلما فعل الثوار الليبيون في بنغازي, كما أنشأ المجلس قاعدة بيانية لاطلاع حكومات أجنبية على هيكل الجيش السوري الحر وأنشطته لكي لا يقع السلاح والمال بأيدي جماعات سلفية أو جهادية.
وأوضح أسامة المنجد الذي يعمل مستشارا في المجلس الوطني السوري ان سوريين في الداخل قد يقولون إن المجلس الوطني السوري فائض عن الحاجة "لكننا بحاجة الى حلّ من نوع ما ولا يمكن ان ننتظر الى ان ينهار كل شيء وينزلق الى فوضى". مضيفاً "ان المجتمع الدولي يحتاج الى شركاء".
على الأرض حيث التنسيقيات المحلية وتشكيلات الجيش السوري الحر هي المحرك الرئيس للأحداث ، تشوف الموقف من المجلس ريبة عميقة. وقالت الناشطة والمدونة رزان غزاوي "ان كل شيء الآن بيد الثوار في سوريا ومنهم الجيش السوري الحر".
ونقلت صحيفة الغارديان عن شخصية معارضة أخرى "ان المجلس الوطني السوري مفلس في الداخل وسيبقى مفلسا الى ان يعالج وضعه ويفعل شيئا جوهريا للشعب".
ويرى المعلق اللبناني كارل شرو "ان شيئا جديدا سيولد في نهاية المطاف من رحم لجان التنسيق المحلية والجيش السوري الحر وسيوفر قيادة ذات مصداقية أكبر من كل ما يمكن ان يطلع المجلس السوري الحر".
ويتوقع آخرون ان ينهار المجلس الوطني السوري ويختفي مع رحيل الأسد. ويزداد وضع المجلس تعقيدا بتزاحم أجندات اللاعبين الخارجيين, فان فرنسا تجمع بين العلاقات التاريخية والمصلحة الآنية الكبيرة حيث ساعدت استخباراتها مناف طلاس على الفرار ، وهي تضغط بشدة من اجل تشكيل حكومة موقتة.
وتخشى بريطانيا ان يُلهي ذلك عن الاستعداد للمهمات العملية في مرحلة ما بعد الأسد, ونقلت صحيفة الغارديان عن مسئول بريطاني "ان الأمر الأساسي هو التوافق على الانتقال وان تشكيل حكومة موقتة الآن سيؤدي الى صراعات داخلية وانقسامات حول الشخصيات, وكان هناك أصلا الكثير من الخلافات، بين المجلس الوطني السوري وغير المنضوين في المجلس، بين العرب والكرد، والآن علينا ان نقول لهم "ان هذه مرحلة جديدة وعليكم تحسين مصداقيتكم"".