يتصادف حلول شهر رمضان في عام 2012 مع الألعاب الأولمبية والبارالمبية. لهذا عمل منظمو دورة ألعاب لندن 2012 جاهدين طوال ثلاث سنوات لوضع برنامج من الدعم يفي بحساسية اللاعبين والمشجعين المسلمين (وأتباع الديانات الأخرى). لقد تم استشارة المجلس الإسلامي البريطاني ومنظمات إسلامية أخرى لتحديد سبل ضمان تلبية احتياجات المسلمين بشكل عام، والاحتياجات الخاصة بشهر رمضان بشكل خاص. وقد تضمنت المشورة تصميم اللباس الرياضي، وسياسة توفير الغذاء، والأمن، وتوفير الدعم الديني وأماكن الصلاة.
فستكون هناك أماكن هادئة للصلاة في كل موقع رياضي، بما في ذلك في قرى اللاعبين ومقر الألعاب الأولمبية. وستتوفر للموظفين والمتطوعين المسلمين من فريق العمل الأولمبي نفس التسهيلات، وكذلك الحال بالنسبة للصحافيين. أما الأكل الحلال فسيكون رهن إشارة اللاعبين في أي وقت، إضافة إلى تقديم وجبة الإفطار وقت الغروب. كما وسيكون هناك فريق كبير من الدعاة المؤهلين يمدون الدعم الديني والعاطفي للمسلمين، والمتدينين الآخرين، وكذلك غير المتدينين الذين قد يكونون بحاجة إلى من يصغي إليهم وإسداء نصائح جيدة لهم أثناء بعدهم عن ديارهم وخلال تواجدهم في خضم الضغط والحماس.
ودخل الرياضيون المسلمون في حيرة من أمرهم منذ وصولهم إلى لندن للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية التي تصادف شهر رمضان، وانقسموا بين مؤيدين لإتباع فتاوى المجالس العلمية ودور الإفتاء التي أباحت الإفطار، وبين متشبثين بأداء فريضة الصوم.
ويشارك نحو 3 آلاف رياضي ورياضية ينتمون إلى دول إسلامية في الألعاب الأولمبية التي تستضيفها عاصمة الضباب لندن من 27 تموز/يوليو الحالي إلى 12 آب/أغسطس المقبل، وباءت نداءات عدد من المسؤولين بها بالفشل جراء طلب تقديم أو تأخير موعد الدورة الحالية فسحا للمجال أمام تكافؤ الفرص الذي يعتبر أحد شعارات الهيئة الدولية، لأن اللجنة الأولمبية الدولية عللت الرفض بأن المواعيد الأولمبية معروفة مسبقا، وعلى ضوئها تستعد الدول المضيفة لها ولا يجب تغييرها فجأة.
وأجازت بعض المجالس العلمية للدول الإسلامية وكبار مشايخها الإفطار للرياضيين المسلمين خلال الألعاب الأولمبية دون أن تفرض لجانها الأولمبية ذلك على رياضييها، ورمت الكرة بين أيادي الأخيرين لتقرير مصيرهم جراء الصيام من عدمه في الأولمبياد، فيما حاولت بعض الاتحادات إقناعهم بالإفطار بناء على تجارب سابقة.
ولأول مرة منذ 32 سنة، وتحديدا ألعاب موسكو عام 1980 ستجري هذه المنافسة في عز أيام الشهر الفضيل، حيث يرتقب أن تتباين قرارات الرياضيين المسلمين في التعامل مع الصيام، على غرار لاعب الجودو الفرنسي سفيان ميلوس، الذي اختار تأجيل الصيام إلى ما بعد المنافسة ''هذا اختيار شخصي، فكل واحد يطبق الشريعة مثلما أراد، ولن أحكم على اختيارات أي شخص ، مثلما لا يحق لأي كان الحكم عليّ''، مثلما صرح الرياضي لصحيفة ''الفيغارو''، مضيفا بقوله ''أمامنا عام كامل لاستدراكه''. أما رياضي التجديف البريطاني مو صبيحي، فقد أعلن هو الآخر عدم الصيام خلال الألعاب، لكنه، بالمقابل، تعهّد بإطعام 1880 مسكينا كفارة عن إفطاره، مثلما أوردت صحيفة ''ذي دايلي ميل'' البريطانية. وموازاة مع ذلك، فقد فضّل آخرون احترام تعاليم الدين، من خلال مقاطعة المنافسة، شأن لاعبي كرة القدم الشقيقين الأمريكيين عبد الله اللذين ألغيا مشاركتهما في الألعاب وزيارة البقاع المقدسة بمكة المكرمة لأداء العمرة. ولتمكين الرياضيين المسلمين المشاركة في الألعاب بكامل قواهم البدنية، فقد طلبت المغرب والجزائر والإمارات باستصدار فتوى لإعفاء الرياضيين من الصوم، لكن للكثيرين رأي آخر ''فاستنادا إلى النصوص الشرعية، فإن جميع المسلمين مطالبون بالصيام باستثناء المرضى والمسافرين والحوامل، وذلك وفق ضوابط شرعية، والرياضة لا تعد عذرا شرعيا، لأن الشخص غير مجبر على أداء الرياضة''. ''وبالتالي لا يجب أن يزعم شخص بأن الإسلام يقرّ تأجيل الصيام، وإذا فعل ذلك، فعليه تحمّل مسؤوليته''.
وحتى عميد مسجد باريس الكبير رفض البت في المسألة نهائيا واكتفى بالقول: ''هذا اختيار شخصي''. ومن جهته، يشجّع سليمان نياموي، أمين عام الجمعية التانزانية لألعاب القوى، الذي كان عداء سابقا، الرياضيين على الصيام، لأن هذه الشعيرة تزيد الصائمين قوة معنوية ''ما هو صعب هي التدريبات وليست المنافسة''، مثلما أوضحه نياموي، بدليل حصوله عام 1980 على ميدالية فضية في سباق ال 5000م وهو صائم.
ومن الجدير بالذكر أن مسألة التوقف عن الصيام ليست جديدة على المنافسين في الألعاب الأولمبية، ولا تختص بالمسلمين فقط. ففي أولمبياد باريس 1924، رفض البريطاني إريك ليديل، وهو مسيحي متدين وأحد اللاعبين العظماء، الجري في سباق جرى يوم الأحد وأرغم على الانسحاب من سباق 100 متر. وبالأمس القريب، رفض البطل في القفز الثلاثي، جوناثان إدواردز، التنافس أيام الآحاد، ما أدى به إلى الانسحاب من بطولة العالم لعام 1991. لكن عام 1993، وبعد نقاش وحديث طويل مع والده القس، نجده وقد غير رأيه حيث قال إن الله منحه موهبته هذه من أجل التنافس في الرياضة.