مع تصاعد الصراع من أجل فرض السيطرة على العاصمة السورية دمشق، بدا من الواضح أن الصين تراهن على أنه حتى في حالة انهيار الحكومة السورية، فإن احترام "موقف بكين المبدئي" ضد التدخل الخارجي سيتفوق على أي عداء لبكين في الشارع العربي. وقد شهدت الأزمة السورية رفض الصين مجدداً تمزيق علاقاتها بحكومة عربية استبدادية تستعين بالقوة العسكرية في محاولة لقمع انتفاضة شعبية. وأشارت في هذا الصدد اليوم صحيفة واشنطن بوست الأميركية إلى أنه ومنذ بدء موجة الربيع العربي مطلع العام الماضي، والدبلوماسية الصينية ممزقة بين هدف بكين المعلن عنه ب "عدم التدخل" وبين المد المتنامي للسخط والغضب الشعبي في المنطقة.
الصين على خطى سوريا في دعم نظام الأسد وقد التحقت الصين بروسيا، أول أمس، في استخدام حقها في النقض على قرار أصدره مجلس الأمن يهدد بفرض عقوبات على سوريا. وهي الخطوة التي قوبلت بحملات إدانة دولية، بما في ذلك الانتقادات العنيفة التي وجهها بعض مستخدمي الإنترنت في الصين الذين اتهموا قادتهم بالوقوف مجدداً على الجانب الخاطئ من التاريخ.
وترك أحد المستخدمين يوم أمس تدوينه على حسابه للتدوين المصغر قال فيها :" باعتباري مواطن صيني، أنا لا أمثل سوى نفسي وأعتذر للشعب السوري. فأنا دائماً معهم".
وأشارت الصحيفة إلى أن الموقف الذي تتبناه الصين يعكس في الغالب حالة العصبية التي تهيمن على السلطات هناك. فقادة بكين الشيوعيون يستخدمون الجنود والدبابات أيضاً لفرض القوة، وسبق لهم قتل مئات الطلبة الذين كانوا يتظاهرون في ساحة تيانانمن عام 1989. ومع اندلاع تظاهرات الربيع العربي، شنت قوات الأمن الصينية حملات قمعية لمنع حدوث تظاهرات مماثلة هناك، حيث ألقت بالقبض على عشرات المعارضين ومنعت البحث على الإنترنت باستخدام كلمات من بينها "مصر" و "تونس" و "زهرة الياسمين" التي باتت رمزاً للثورات العربية.
كما هيمنت حالة من التوتر على المسئولين الصينيين حين استخدمت أميركا وبريطانيا وفرنسا وصف "التدخل الإنساني" لفرض منطقة حظر طيران وشن هجمات جوية ضد قوات الزعيم الليبي الراحل معمر ألقذافي، لتمهيد الطريق للراغبين في الإطاحة به, ومن وقتها والصين تتصدى لأي محاولة غربية تهدف لتغيير الأنظمة.
وتابعت الصحيفة بقولها إن الصين تنظر إلى قرار فرض العقوبات على سوريا باعتباره ذريعة على ما يبدو لغزو عسكري آخر من جانب الولاياتالمتحدة.
وقال كيري براون، وهو دبلوماسي بريطاني سابق وخبير في الشؤون الصينية ويترأس برنامج آسيا لدى منظمة تشاتام هاوس البحثية في لندن، إن المسئولين الصينيين يشعرون بقدر أكبر من الحرية لإعلان نقضهم على قرار مجلس الأمن نظراً لأن روسيا منحتهم غطاءً دبلوماسياً، وأنهم لا يتحركون بمفردهم أو وحدهم على هذا الصعيد.
وقد دافعت وسائل الإعلام الصينية الرسمية، يوم أمس، عن حق النقض الذي استخدمته الصين ضد قرار مجلس الأمن، وأقرت في ذات الوقت بأن أيام الأسد في الحكم أضحت معدودة على ما يبدو, ثم نوهت واشنطن بوست إلى أن وضعية الصين بالنسبة لعلاقاتها بسوريا تختلف تماماً عن وضعية روسيا بعلاقاتها بنظام الأسد، فعلاقات الصين ليست بنفس عمق وقوة علاقات روسيا خاصة على الصعيد الاقتصادي.
وبينما تحدثت الصحيفة عن وجود تخوف أيضاً لدى روسيا والصين من التطرف الإسلامي، مضت تنقل عن محللين قولهم إن الصين تتحرك في الأزمة الحالية من منطلق دافع رئيسي هو الرغبة في تجنب حدوث سابقة أخرى بالنسبة للتدخل الأجنبي.
وختمت الصحيفة بنقلها عن ين غانغ، زميل بحوث لدى الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ونائب الأمين العام لمعهد الشرق الأوسط في الصين، قوله :" خلاصة القول بالنسبة للصين هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى, وإن كان هناك تدخل غربي في سوريا، فعلى من سيكون الدور من الدول العربية مستقبلاً ؟ أعتقد أن بعض الدول العربية ستتفهم الموقف الذي تتبناه الصين في المستقبل".