صحفية بدرجة مؤرخة وباحثة، وهي إبنة المؤرخ الكردي المصري الراحل محمد علي عوني، الذي عين في الديوان الملكي في عهد الملك فؤاد الأول ليشرف على قسم الوثائق والفرمانات الخاصة بتاريخ مصر منذ عهد محمد علي باشا والمدونة باللغة التركية القديمة "العثمانية"، واشرف على توثيقها بعد ترجمتها الى اللغة العربية. "محيط" حاورها لتكشف أن والدها هو من علم الأميرة فوزية اللغة الفارسية قبل زواجها بشاه إيران، ولتفسر لماذا رفض والدها أن يُعلن الملك فاروق خليفة للمسلمين ! وعن الثورة أكدت درية أن يقينها أن الجيش لن يحكم مصر ثانية، وحكت لنا عن مظاهر تعذيب الأكراد في سوريا واضطهادهم في تركيا، كاشفة عن الوجه الآخر لرجب طيب أردوغان. تقول الصحفية في الوكالة الفرنسية "درية عوني" : جدي عبدالقادر عوني المفتي بسيورك " جنوب شرق تركيا"، أرسل ابنه إلى مصر - خوفاً من ملاحقة السلطات التركية للطلبة الأكراد - ليكمل دراسته بالأزهر الشريف وقد حصل محمد علي عوني على الشهادة العالمية (تعادل الآن شهادة الدكتوراه). ثم أعلن الملك فؤاد الأول عن مسابقة من أجل ترجمة وثائق محمد علي باشا إلى العربية، ولأن والدي كان يتقن عدة لغات شرقية "التركية – الكردية – الفارسية – العربية"، فاز بالمسابقة، وأنيطت إليه مسئولية الإشراف على ترجمة الوثائق الخاصة بأسرة محمد علي باشا، وعمل في قصر عابدين لدى الملك فاروق وعهد اليه ايضا مهمة الاشراف على مكتبته بالقصر الى جانب حفظ الفرمانات والوثائق التاريخية الرسمية التي تعود تاريخيا إلى عصر محمد علي باشا. وعندما خطبت الأميرة فوزية إلى شاه إيران رضا بهلوي، كلف القصر الملكي والدي بتدريس اللغة والحضارة الفارسية للأميرة فوزية، وقد أعطاها أربعين درسا في الفارسية، ومنحه شاه إيران وساماً فارسياً رفيعاً تقديراً له علاوة على وسام النيل الذي منح له من مصر. جاء الأب إلى مصر ليدرس في الأزهر، ثم أقام الملك فؤاد مسابقة لتمصير الوثائق العثمانية المرتبطة بمصر من عائلة محمد علي، وهنا ترجم الأب الوثائق من العثمانية إلى العربية. وهذه الوثائق مودعة في دار الكتب، اسمها "وثائق عابدين"، وهي أهم خدمة قدمها لمصر لأنه استطاع تمصير هذه الوثائق التي تحكي تاريخ مصر، وهي وثائق ملك للدولة، على عكس هدى عبدالناصر، التي احتفظت بوثائق والدها ولم تودعها في دار الكتب والوثائق. وكان في نفس الوقت يترجم "عوني" إلى العربية المراسلات بين الملك فاروق وشاه إيران، وتحتفظ الإبنة بنسخة من المراسلات، وأعد مشروعاً لنشره. محيط : لماذا غضب الملك فاروق على والدك وأبعده من منصبه؟ كان والدي يتمتع بمميزات كثيرة وهو في قصر عابدين، لكن الملك فاروق طلب منه أن يثبت بالوثائق انتماء جذور الملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يريد إعلان نفسه خليفة للسملمين، وهو ما رفضه والدي، رغم أن الملك عرض عليه ألف فدان. وقال والدي له كيف أثبت ذلك ووالدتك نازلي هي حفيدة سليمان باشا الفرنسي، كما أن الوقت غير مناسب لإعلان نفسك خليفة، فغضب عليه الملك، وأحضر عالماً أعطاه ألف فداناً وبالفعل أعلن انتماء الملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قامت الثورة وجردوا هذا العام من أملاكه، على اعتبار أنه استفاد من منصبه أثناء العهد البائد، وقد توفي والدي قبل الثورة ب11 يوماً، وفعل ما يرضي ضميره. القضية الكردية محيط : ما سر اهتمامك الكبير بالقضية الكردية؟ - لفت انتباهي للقضية أن أبي من أصل كردي، وكانت كتاباته جميعها تؤكد أن الشعب العربي والكردي حليفين موضوعيين، لا تنافس بينهما، التنافس كان موجوداً بين الشعب العربي والتركي، ومنبع التنافس كان على الخلافة، وقد وجد الخلاف بين العرب والأكراد حين قمعت أنظمة عربية الأقلية الكردية، ولكن الأكراد لم يتركوا أرضهم أبداً وتم احتلالها وتقسيمها وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو. والعلاقات بين العرب والأكراد كانت موجودة منذ عهد الفراعنة، وجاء كتابي "عرب وأكراد: خصام أم وئام" لتوضيح أصول الأكراد ونشأتهم وجغرافية كردستان وديمجرافيتها ولغتها ودياناتها، وأؤكد به ان الأكراد موجودون في تركيا قبل ان تنشأ تركيا أصلاً، واتفاقية سايكس بيكو اقتطعت قطعة كردية من تركيا وأعطوها لسوريا، واقتطعوا جزءاً عربياً من سوريا أعطوه لتركيا، وهو ما يبرر نزاع الدول العربية الآن.
وألفت إلى أن الأكراد تعرضوا لاضطهادات بالعراق، فقد أودى صدام حسين الرئيس العراقي الراحل بحياة 6000 كردي بالكيماوي، ثم وأد 120 ألف وهم أحياء، ولم ينطق أحد، ولأن الأنظمة العربية تتضامن مع بعضها لم يكتب أحد عن الأكراد ومعاناتهم. كذلك يتعرض الأكراد لقمع في سوريا، فهم مجردون من هوياتهم وجنسياتهم، وهم اليوم "رمانة ميزان" الثورة السورية، فرغم اضطهاد حافظ الأسد وبشار من بعده لنص مليون كردي في سوريا، إلا أنه منذ اندلاع الثورة السورية، حاول بشار التقرب إلى الأكراد ووعدهم بإعطائهم الجنسية حتى يضمن ولائهم له ضد العرب، حتى يظهر في الإعلام ان هناك من يريدون بقائه ويساندونه، لكن الأكراد تمتعوا بذكاء شديد، لأنهم أدركوا أن مستقبلهم مع العرب، وساندوا الثورة السورية، ورفعوا أعلاماً كردية وسورية أثناء التظاهرات. وتناولت في كتاب آخر المشاهير من الأكراد، الذي يعتقد البعض في انهم مصريين، او ينتسبونهم خطاً إلى الأكراد، مثل محمد علي باشا، محمود عباس العقاد، أحمد شوقي، محمد تيمور والعائلة التيمورية، وقاسم أمين، وغيرهم. محيط : تحدثتي من قبل عن وجه خفي لرجب طيب أردوجان؟ أردوجان ورث المشكلة الكردية، فقد بدأت منذ عهد كمال أتوتورك، حين كانت أوروبا تحتل مناطق كثيرة من تركيا، جاء أتاتورك وأقنع الأكراد ان يساندونه حتى ينجح، ووعدهم أن يقيم دولة ذات قوميتين الكردية والتركية، حتى أنه ألقى أول خطاباته الشهيرة من أرض تركية، وحين فاز أبادهم مثلما فعل مع الأرمن، لكن لا أحد يتحدث عن إبادة الأكراد. أردوجان استطاع أن ينعش الحالة الاقتصادية في بلاده، ورفع قيمة الليرة التركية، لكن هذا الانتعاش الاقتصادي لم يستفد منه الأكراد عن عمد، فلا تزال نسبة البطالة بينهم مرتفعة مقارنة بالأحياء التركية. وأردوغان يظلم الأكراد، فالسجون التركية بها آلاف من الأكراد و بينهم أطفال أعمارهم 12 سنة، كذلك الكردي لا يتكلم لغته، ورغم ان تركيا بها مدارس لجميع الطوائف إلا أن الأكراد لا مدارس لهم، رغم وجود 20 مليون كردي في تركيا. ومن ينادون في مصر بضرورة الاحتذاء بالنموذج التركي جاهلون، لا يعرفون عن التجربة التركية شيئاً، ولو عرف الإسلاميون في مصر أن أردوجان لا يمكن أن ينادي بدولة إسلامية لما نادوا بضرورة الاقتداء بها، ويسعى أردوجان الآن إلى تحجيم تدخل الجيش في الحكم، فهو لا يستطيع الحكم بمفرده، وهو ما لا نريد أن يحدث بمصر، وهو أن يبتعد الجيش عن السياسة بالكلية. محيط : كيف شاهدتي حريق المجمع العلمي المصري ؟ الثائر النبيل لا يمكنه فعل مثل هذا الجرم الشنيع، ومن فعله هم الفلول، الذين يريدون حرق تاريخ مصر، وقد تكون أياد صهيونية، لن الوثائق التي تمتلكها مصر هي من مكنتها من استعادة طابا، ولأن من لا تاريخ له لا مستقبل له. محيط : هل تخشين من تمسك العسكر بالسلطة على غرار ما حدث عام 1954؟ - المجلس العسكري يتمنى ألا يترك السلطة لأنه يحكمنا منذ عام 1952، لكن الوعي الشعبي يرفض بالكامل حكم الجيش، فالشعب يريد دولة مدنية، يكون لكل المواطنين فيها نفس الحقوق والواجبات، ولأن المجلس العسكري يدرك جيداً أنه لن يستمر في الحكم يطالب بالخروج الآمن، وما يحدث للجيش الآن يجب أن ينتهي فهو له ميزانية خاصة، لا يطلع عليها أحد، واقتصاد خاص، رغم انه فصيل من فصائل الدولة مثله مثل الشرطة والقضاء، والحكم العسكري انتهى من العالم بأكمله، وإذا تمسك بالسلطة سنعود إلى الميدان ثانية، وقد تمتد مدة حكمه، لكنه لن يطمع في الاستمرار. وعلى المثقفين أن يلعبوا دورا بارزا بالثورة، لأنهم للأسف مشرذمين، وقليل منهم من يساهم في إنجاحها، ولابد أن يساندوا الشباب وينسحبوا من مواقعهم لأن معظمهم من النخب الملازمة لمبارك . أخيرا .. مظاهر الفخامة التي تحيط بمحاكمة مبارك ونجليه والعادلي محزنة ومؤسفة، وأم الشهيد لن تتهاون في أن تأخذ حقه.