أكدت دراسة مصرية حديثة على أهمية دور الإعلاميين "المهنيين" عبر الانترنت في مقابل الإعلام الجماهيري غير المحترف، والمعروف باسم "صحافة المواطن" أو "الصحافة المدنية"، وأوصت إعلاميي الإنترنت بأن يتحملوا مسؤولية إرشاد مستخدمي الإنترنت، وتنظيم المعلومات العشوائية و"فلترة" الشائعات بعد الثورة. الدراسة تمت مناقشتها منتصف ديسمبر الجاري بكلية الإعلام ونالت صاحبتها الباحثة وسام كمال درجة الماجستير عنها، وجاءت بإشراف أستاذ الصحافة الدكتور شريف درويش ، وأشارت إلى اعتماد محرري الإنترنت على المصادر المستحدثة في استقاء المعلومات والتعرف على اتجاهات الرأي العام المصري، منها: التواصل عبر الشبكات التواصل الاجتماعي، ومتابعة مدونات المشاهير.
وكشفت الدراسة عن لجوء عديد من المواقع الإلكترونية إلى إنشاء شركات خاصة كواجهة "شبه قانونية" للعمل الإعلامي الإلكتروني في مصر، رغم عدم اشتراط ذلك قانونيا، ولكن بهدف حماية الموقع من تدخلات أمن الدولة قبل ثورة 25 يناير، حيث كان المشهد الإعلامي يندرج برمته تحت الملفات الأمنية. ومن النتائج اللافتة للنظر في الدراسة، عدم معرفة 37% من المحررين المبحوثين لمفهوم صحافة المواطن! وهو ما يشير إلى انفصام بعض العاملين عن بيئة عملهم الإعلامي الإلكتروني، وعدم متابعتهم للتطورات التي تقتضيها طبيعة عملهم. وأشارت الباحثة إلى عظم دور الجمهور مؤخرا في صياغة "الأجندة الإعلامية" وبخاصة في المواقع الإلكترونية، فلم يعد الجمهور متلقيًّا سلبيًّا للرسائل الإعلامية، بل أصبح مشاركا فاعلا فيها، وربما صاحب "انفرادات" صحفية ينال أهم الجوائز العالمية في الصحافة. وعلى المستوى التطبيقي في الدراسة، اتخذت الباحثة عينة مكونة من ستة مواقع إخبارية مصرية هي "محيط " ، "أون إسلام" ، "المصريون" ، "مصراوي" ، "بوابة الأهرام" و"إخوان أون لاين"، وقامت بعمل استبيانات على المحررين العاملين فيها، ومقابلات مركزة مع مسؤولي التحرير بها. طبيعة العمل عن المؤشرات العامة التي خرجت بها الدراسة، فإن معظم المحررين بمواقع عينة البحث من الشباب تحت سن الثلاثين، ويغلب على عملهم الطابع الإداري المؤسسي أي ساعات العمل المحددة. كما أن معظم المواقع لا تطبق نظام الجودة ولا تهتم بقياس درجة الرضا الوظيفي للعاملين فيها. ولاحظت الباحثة رغبة بعض المحررين بالمواقع الالكترونية عن الاستمرار في العمل بها، لاعتقادهم لن تصنع اسما صحفيا كما الصحف الورقية.. فضلا عن بعض المشاكل التي يعانيها العاملون في بيئة العمل الإعلامي الالكتروني، ومنها كثرة ساعات العمل، وتقصير جهات العمل في التأمين عليهم صحيا واجتماعيا. وقد اختلفت آراء المبحوثين حول ظاهرة التدوين بين من يراه كتابة مجددة، ومن يراه كتابة ذاتية تعبر عن صاحبها وحده، أو من يراه عملا فوضويا لا يمكن الاستفادة منه في الصحافة، ولكن معظمهم يؤيدون وضع ميثاق شرف لتنظيم عمل المدونين على الإنترنت، من أجل تلافي نشر الإشاعات والتعبير بالألفاظ النابية والاستفادة بجهوده إلى جوار وسائل الإعلام التقليدية. وخلصت الدراسة أيضا إلى أن كل المحررين المبحوثين تقريبا يستخدمون شبكة الفيس بوك ولهم حسابات شخصية عليها، للتواصل مع المعارف ومتابعة آراء الناس والأحداث. أما تويتر، فيستخدمه ما يقرب من نصف المحررين المبحوثين لأغراض أقرب إلى المهنية أهمها: التعرف على الأخبار وتصريحات الشخصيات العامة. ويستخدم معظم المبحوثين موقع يوتيوب لمتابعة مواد الفيديو التي أثارت اهتمام الناس. أما عن السياسة التحريرية، فيوجهها مسئولو التحرير في أغلب المواقع، باستثناء موقع "إخوان أون لاين" الذي يلعب فيه الممولون من جماعة الإخوان المسلمين الدور الأكبر في توجيه سياساته. ولاحظت الباحثة تزايد الاهتمام بتعليقات القراء في المواقع المبحوثة، ولكن سياسات المواقع تباينت من حيث حذف غير اللائق بها أو إتاحته. كما لاحظت الدراسة أن القائم بالاتصال (مسؤولي التحرير والمحررين) يكترث أولا بمؤشر أليكسا في تقويم موقعه على المستوى المصري والعربي، رغم علمه بما يحيط بهذا المؤشر من علامات استفهام وانتقادات في التقويم. أخيرا، يعتقد 99% من المحررين المبحوثين أن للإنترنت دوراً كبير في الحشد لثورة 25 يناير، كما أن الثورة أثرت على الأداء العام في المواقع عينة الدراسة وبخاصة في المزيد من الاهتمام بالوسائط المتعددة والأخبار. وأكد عدد من مسؤولي التحرير – المبحوثين في الدراسة- أن الإعلام الحكومي الإلكتروني كان خارج المنافسة تماماً قبل ثورة 25 يناير بسبب أجندته وسيطرة النظام عليه، ولكنه بعد الثورة تحرر من بعض هذه القيود الأمنية والسياسية ودخل بثقله (إمكاناته البشرية والتمويلية) وقوته (رصيده المهني والمؤسسي) في المنافسة الإعلامية على الإنترنت، وبخاصة موقع بوابة الأهرام الذي حقق نجاحا وانفرادات خبرية كثيرة بعد الثورة. توصيات الدراسة أوصت الباحثة وسام كمال في دراستها بأن يستوعب إعلاميو الإنترنت الدور المهم والمؤثر في المناخ الإعلامي الضبابي بعد ثورة 25 يناير، وأن يديروا حوارات "راشدة" في الفضاء الإلكتروني، الذي أنهكته الفتن والتحزبات والتهكمات. وأن تقوم الحكومة المصرية بدورها في رعاية العمل الإعلامي الإلكتروني من خلال وضع ضوابط لحماية الملكية الفكرية على الإنترنت، والوقوف بجانب الكيانات التنظيمية الجديدة التي تضم العاملين في مجال الإعلام الإلكتروني لتكون في قوة ومكانة نقابة الصحفيين المصريين، فضلا عن كفالة حرية التعبير وعدم ملاحقة العاملين في الإعلام الالكتروني بشكل غير قانوني. كما أوصت الدراسة بضرورة اهتمام الحكومة المصرية، ورجال الأعمال والشركات الخاصة المعنية، بتطوير خدمات الإنترنت التقنية وتنظيم كيان نقابي خاص يرعى شؤون العاملين به، أو إنشاء شعبة خاصة للصحافة الالكترونية في نقابة الصحفيين المصريين ، مع أهمية تطوير كيان عربي يجمع العاملين بالإعلام الإلكتروني على غرار "اتحاد الصحافيين العرب"، و"صحفيون بلا حدود" الدولي . وأوصت بأن تقوم إدارات المواقع الالكترونية بتعيين جميع العاملين بها والتأمين عليهم صحيًّا واجتماعيًّا، فضلاً عن تدريبهم الدائم والمستمر على مهارات العمل الإعلامي على الانترنت. كما أكدت الدراسة أهمية الإهتمام بحقوق المحررين المعنوية أسوة بزملائهم في الصحافة المطبوعة والفضائيات، كأن توضع أسماءهم في رأس كل صفحة/ قسم بالموقع، ودعت لتشجيع العمل الإعلامي على الانترنت من خلال ابتكار جوائز للمواقع الالكترونية والعاملين بها.