كتبت منذ أكثر من شهر مقالاً قلت فيه مُحذراً بأن ثمة فارق بين قلة الأدب، وبين النقد، وقلت إن الثورة بريئة من أي عنصر ينتسب إليها، ويتطاول بدون أدب علي الآخر. إن الثورة بريئة منه لأنه يسيء إليها، وللأسف بدلا من استيعاب تلك التحذيرات، فوجئنا بعناصر شبابية تتطاول علينا ببذاءات يعف اللسان عن ذكرها، تلك العناصر التي لا تتمتع بالوعي، حتى وإن زعمت أنها تعي، ولا تعرف المعنى الحقيقي للدفاع عن الوطن، حتى وإن كانت تتصور أنها تدافع عن هذا الوطن.
تلك العناصر لا تعرف أن الفقير لله الذي تتطاول عليه، يوم كانت ترتدي "الشورت" أو "البامبرز"، كان الفقير لله كاتب تلك السطور مع رفاق له يواجهون كصحفيين وسياسيين الرئيس المتنحي حسني مبارك ونظامه، ويدخلون السجون لأعوام، واهبين ما فعلوه لوجه الله، لا يريدون من أحد أيًّا كان موقعه بالأمس أو اليوم جزاءً ولا شكُورا .
يدفعني لذكر ذلك "فيديو" تلقيته تظهر من خلاله عناصر شبابية معروفة تقف أمام سور مجلس الوزراء وتوجه سُبابا جارحا لقادة بالقوات المسلحة يحملون رتبا مختلفة، سُباب توجهه إحدى الفتيات للواء بالجيش ... والفقير لله يخجل أن يذكره، وهي تقول له: "أنتم غير رجال ولا تعرفون أدنى نوع من الرجولة".
وعندما تجولت بالفضائيات ... فضائيات المارينز الناطقة بالعربية، وجدتها تركز علي عناصر شبابية بعينها، اشتهرت بسلاطة اللسان، وفقدان لغة الحوار الراقي وهي تسب الجيش وقادته ورجاله، ووصل الأمر إلى أن يخرج الشاعر الكبير الذي نحترم أعماله أحمد فؤاد نجم، ويسب الدين للجيش وقادته، ويمتد السُباب لعلماء دين نجلهم ورجال قانون مثل كل من الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ محمد حسان ومحمد سليم العوا ...إلخ.
والمصيبة أن من يتوجهون بهذا السباب لرجال الجيش والعقيدة، لا يفقهون أدنى شيء من قواعد الفقه أو الشرع، ويعرفون من السياسة شكلها وما يرونه واقعا أمامهم، وللأسف لم يقتصر السباب عليهم فقط، بل تبارت فلول النظام البائد في توجيه هذا السباب لكتاب وإعلاميين لمجرد أنهم يتحفظون علي سياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وربما تجيء تحفظات كتاب من المشار إليهم على أداء المجلس من منطلق الحب والاحترام والغيرة على نظافة سمعة هذا المجلس الذي يمثل جيشنا، ولكن للأسف بات الطرفان لا يعرفان أقدار الناس ولا يتفوهون إلا بألفاظ كلها سفالة وانحطاط خلقي يفسد أي حوار بين أطراف الوطن الواحد ويجعل كل إنسان محترم ينأى بنفسه مبتعدا عن الساحة.
ولأن الطرفان احترفا انعدام الخلق والأدب، كانت النتيجة حدوث الصدامات الدامية المتتالية مع رجال الأمن، وحدوث ما حدث خلال الشهور والأيام الماضية من إراقة دماء، وانتهاك أعراض، مع العلم أن الأجهزة الأمنية لم تبدأ تجاوزاتها إلا عندما تعرض أفرادها للإهانة.
فماذا كنا نتوقع من عسكري أو ضابط قالت له فتاة في عمر ابنته أو أخته أنت لا تتمتع بالرجولة، فنحن في النهاية بشر والصبر له حدود، والفقير لله يكتب ذلك بعد أن وقف معارضاً لتلك الاعتداءات التي تعرض له المتظاهرون السلميون والتي أسفرت عن قتل أعداد منهم، ودعا السادة المسئولين للتحقيق فيها.
ولقد بات من غير المقبول أن تذهب عناصر إلى واشنطن وعواصم أوروبية، وتعود لتسب قادة الجيش وتسب الجيش نفسه وتتطاول على علماء الأمة، وأهل العقد والحل.
وقد وصل الأمر إلى أن ذهبت فتاة إلى هناك وشاركت في تظاهرة تعهدت خلالها بإسقاط المجلس العسكري، وتلك الفتاة من حقها أن تفعل ما فعلت، ولماذا لا تفعل ذلك هي وغيرها من العناصر التي تقود حركات وهمية، نفخ فيها من يديرون أمورنا وجعلوا لعناصرها قيمة، وهم يعلمون جيدا أنه لا قيمة لتلك العناصر أو الحركات ولا وجود لها بين الناس أوفي المجتمع.
إنما نفخوا في تلك العناصر لغرض يعلمه الله، ربما لكون أن مصدر قوة تلك العناصر والحركات المشار إليها، هو ما تتلقاه من دعم خارجي مادي ومعنوي، ومن يديرون أمورنا يؤخرون الاصطدام بالجهات الداعمة لتلك العناصر إلى حين.
نقول من حق تلك الفتاة وتلك العناصر والحركات أن تتمادى في غيها؛ لأن العيب في ذلك ليس عيبها وإنما عيب أجهزتنا الأمنية، وعيب من يديرون أمورنا وفي مقدمتهم الإخوة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
عيبهم لأنهم يملكون وثائق ومستندات وأدلة دامغة تؤكد تلقي تلك العناصر تمويلا من الخارج، ويؤكد خضوعهم لأجندات خارجية، تستهدف جيش مصر وعقيدة مصر، وهذا الكلام قلناه مرارا من قبل ومنذ أعوام ونحن نحذر منه بما نكتبه، ولكن من يديرون مصر يتركونهم يفعلون ما يفعلونه.
فبدلا من تقديمهم لمحاكمات، إما أن يضع رجال القوات المسلحة لهذا العبث بأمن مصر القومي ومستقبل ثورتها، وإما أن يعلنوا أن زيارات هؤلاء الشباب وتلك الفتيات لواشنطن ودول أوروبية بريئة.
عليهم أن يعلنوا أن هؤلاء الأشخاص الذين وصل عدد منهم لمجلس الشعب كانوا يزورون واشنطن على سبيل الفسحة ودعم الثورة والثوار، وعلينا نحن المصابين بهستيريا المؤامرة أن نعتذر لتلك الشخصيات، ونستمع إليها ونمشي خلفها من أجل تفكيك الجيش وإسقاط المجلس العسكري، ودعوة علماء مصر ومشايخها أن ينطووا على ذواتهم ويبتعدوا عن الحياة العامة.
وربما لا يعرف كثيرون أن الفقير لله أكثر صحفي في مصر دافع عن قواتنا المسلحة قبل الثورة وبعدها، فقبل الثورة من خلال جريدتين معروفتين أُغلقتا على أيدي نظام مبارك ثم من خلال أحد المواقع الإليكترونية التي تعبر عني ولن أذكر اسم هذا الموقع هنا حتى لا أدعوا له عبر موقع آخر لمجرد أنني رئيس تحريره.
وعموما رجال القوات المسلحة الذين لهم علاقة بالإعلام يعرفون ذلك جيدا، ولا نريد شهادة ممن لا يملكون أدنى وعي، ومن هنا نؤكدها مرة أخرى ربما ليتعلم من لا يريدون أن يتعلموا أنه ثمة فارق بين عناصر تدافع عن جيشها وتصبح مثل الدببة التي تقتل من يدافع عنها، وعناصر أخرى تركز على السلبيات من أجل أن ترى جيشنا أفضل جيش في العالم، وقادته مسار فخر لنا ومضرب مثل في هذا العالم.
ومن هنا الفقير لله يعلنها واضحة كرأي شخصي لي أنني لن أمنح صوتي في انتخابات الرئاسة المقبلة إلا لمرشح مدني خلفيته عسكرية، لأن مصر تحتاجه في المرحلة المقبلة، مع احترامي لكل المرشحين المدنيين المفترضين لهذا المنصب، لذا أناشد شبابنا التوقف فورا عن سب جيشنا وقياداته.
ونحن نؤكد لهم أن حقوق الشهداء لن نتهاون فيها، والتجاوزات التي حدثت بحق بناتنا لن نصمت تجاهها حتى يحاكم من ارتكبوا تلك الجرائم، أما أن تنقل لنا فضائية المارينز الناطقة بالعربية "إياها" شبابا من مطار القاهرة، يستقبلون الطبيب أحمد حرارة -شفاه الله- وهم يرددون هتافات يتهمون من خلالها وزير دفاع مصر ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنه ديوث وعميل.
إن هذا الأمر غير مقبول ومرفوض ولا يمكن تقبله بغض النظر عن رأينا في السيد المشير محمد حسين طنطاوي، ولابد أن يأخذ القانون مجراه تجاه تلك الوقاحة. E-Mail: [email protected]