تتجة الأنظار حاليا بترقب وشغف بالغين نحو المملكة المتحدة التي بات خروجها رسميا وسياسيا وشيكا من الاتحاد الأوروبي، بعدما دق البريكست أبوابها على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت قبل يومين، وأسفرت عن تصدر حزب المحافظين بزعامة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي فيها، دون الحصول على الأغلبية المطلقة، الأمر الذي مكن "ماي" اليوم من مقابلة الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا. ورغم تعهدها بالاستمرار في خططها المتعلقة بالمحادثات من أجل خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي خروجا نظيفا ناجحا يضمن جلب الاستقرار إلى بريطانيا، إلا إن موقف تريزا ماي بات ضعيفا، بعدما خسرت الثقة والدعم والأغلبية في الانتخابات، الأمر الذي شكل لها هزيمة قاسية، وهى من دعت إلى انتخابات تشريعية مبكرة أملا في تعزيز غالبيتها في البرلمان، وإطلاق يدها في مفاوضات البريكست. مغامرة "ماي" بالدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة بهدف تعزيز موقفها أتت بنتائج عكسية بشكل كارثي، فقد غامرت وخسرت، بعدما راهنت على الخروج من هذه الانتخابات "بتفويض واضح" من أجل التفاوض اعتبارا من 19 يونيو الجاري حول "بريكست"، يقضي بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خروجا يقترن بالخروج من السوق الموحدة، من أجل استعادة السيطرة على موضوع الهجرة. تجاهلت رئيسة الوزراء الكارثة التي جعلت حزبها مترنحا، حيث دلت النتائج على تراجعه وفقدان حزب المحافظين ثقة المواطنين، كما تجاهلت دعوة منافسها رئيس حزب العمال لها بالاستقالة، وعادت من جديد إلى "داونينج ستريت" معلنة عزمها عدم الاستقالة، وتشكيل حكومة أقلية محافظة بدون التطرق إلى خسارتها، وتسعى "ماي" إلى التشبث بالسلطة من خلال الحزب الديموقراطي الوحدوى "حزب في إيرلندا الشمالية"، الذى ستعتمد رئيسة الوزراء على دعمه0 وتعكف حاليا على تشكيل حكومة جديدة تتولى مسئولية استقرار البلاد، والخروج دون خسائر من الاتحاد، معلنة احتفاظها بعدد من الوزراء السابقين من بينهم وزير الخارجية بوريس جونسون، والمالية فيليب هاموند، والدفاع مايكل فالون، بالإضافة إلى الوزير المسئول عن ملف البريكست0 ردود فعل خرجت من الاتحاد الأوروبي وقادة بعض دوله، ومن المفوضية الأوروبية، تعليقا على نتائج الانتخابات البرلمانية البريطانية التي فاز فيها حزب المحافظين ب 231 مقعدا في البرلمان المنتهية ولايته، وحزب العمال ب 222 مقعدا، والمرشحون المستقلون ب 21 مقعدا، والحزب القومي الإسكتلندي ب 31 مقعدا، والليبرالي الديمقراطي ب 10 مقاعد من أصل العدد الإجمالى لمقاعد البرلمان البالغة 650 مقعدا. وتدعو رودو الفعل بريطانيا إلى بدء المفاوضات حول خروجها من الاتحاد على وجه السرعة، التزاما بالجدول الزمني، وذلك دفاعا عن مصالح الأعضاء ال27 في الاتحاد، مشيرين إلى أن بريطانيا ستمثل مصالحها، فبعد أيام قليلة وبالتحديد في 19 يونيو الجاري تبدأ المفاوضات السياسية الحقيقية حول البند 50 مع المملكة المتحدة، حيث لم تغير نتائج هذا الانتخابات الجدول الزمني للمفاوضات بالنسبة للمفوضية الأوروبية، غير أن خسارة حزب المحافظين الذي تنتمي إليه رئيس الوزراء لغالبيته المطلقة في البرلمان، قد يعقد مفاوضات الخروج مع الاتحاد الأوروبي. والمادة 50 تمثل السبيل لأي دولة تريد الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث ضمنت هذه المادة في معاهدة لشبونة التي وقعت عليها كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، واكتسبت صفة القانون في عام 2009، آلية الخروج لأي دولة من عضوية الاتحاد الأوروبي0 والمادة 50 لا تتجاوز 5 فقرات، وتنص على أنه على أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي راغبة في الخروج من الاتحاد يجب أن تحيط المجلس الأوروبي علما بذلك، وأن تتفاوض على ذلك على أن لا تتجاوز مدة المفاوضات سنتين إلا في حالة موافقة جميع الدول الأعضاء الأخرى على تمديد هذه الفترة، وتنص المادة أيضا على أن الدولة التي تريد الخروج من الاتحاد الأوروبي لا يحق لها المشاركة في المشاورات داخل الاتحاد الأوروبي حول هذا الموضوع، وأن أي اتفاق لخروج أي دولة من عضوية الاتحاد يجب أن تحظى "بأغلبية مشروطة" (أي 72 بالمئة من الدول الأعضاء ال 27 المتبقين في الاتحاد الأوروبي مما يمثل 65 بالمئة من سكان دول الاتحاد) وكذلك بتأييد نواب البرلمان الأوروبي، وتتطرق الفقرة الخامسة من المادة 50 إلى إمكانية عودة الدولة التي قررت الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى عضوية الاتحاد. قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي جاء تلبية لرغبة الشعب البريطاني، ورغم هذا القرار الذي سيصبح نافذا بحلول عام 2019 إلا أن المملكة المتحدة ستبقى شريكا جيدا لدول الاتحاد، فهي جزء من أوروبا، حتى لو لن تعد عضوا في اتحادها.