في انتخابات مجلس الشعب المصري الأخيرة خسرت نحو 76 امرأة في انتخابات البرلمان ، فكثيرات رأين أن المنافسة لم تكن منصفة ، والنتائج جاءت مجحفة وظلمت المرأة وأدت إلي تراجع دورها بما يعد علامة سيئة علي ما يمكن أن يؤول إليه حال المرأة في مصر خلال السنوات المقبلة ، فالتراجع في مكانة المرأة الذي نشهده هذه الأيام ، جعلنا نقلب في صفحات التاريخ لنعيد للذاكرة حال المرأة في الزمن السحيق ، زمن الفراعنة لنعرف كيف كان حال المرأة وكيف كان دورها في الحياة السياسية والاجتماعية لم يكن قيصر روما يضحك عندما قال لابنه الصغير : "أنا احكم العالم وأمك تحكمني وأنت تحكم أمك" لقد كان جاداً في هذه اللحظة وحزيناً في الوقت نفسه.
يقول الكاتب أنيس منصور في كتابه "من أول نظرة - في الجنس والحب والزواج": المرأة تعلم بغريزتها أن الرجل طفلاً كبيراً مغروراً ، وغروره نابع من قوته ، ولكن عندما يصبح الرجل شيخاً ، فإنه يكون عنيداً ، فالعناد هو غرور الضعيف والغرور هو عناد القوي ، ولكن الرجل فى جميع الحالات طفل عندما تكون المرأة بالقرب منه.
هذه المعاني تتبعها الكاتب الفرنسي "موريس بارديش" في كتاب "تاريخ المرأة" الذي يحتوي على 400 صفحة فدرس العديد من الحضارات كالإغريقية والرومانية والفرعونية وغيرها، وذكر أن تاريخ المرأة تم كتابته تبعاً لأهواء الرجال ، وأضاع حقها ، مؤكداً أن التاريخ نصفه أحقاد والآخر تخمينات ولم يبق للمرأة شئ يمكن أن نهتدي إليه.
ومهما اختلفت العصور فقد كانت هناك حياة زوجية ، وكانت هناك زوجة واحدة معظم الوقت ، وألقي الكاتب الفرنسي "موريس بارديش" على عظمة المرأة الفرعونية في التاريخ المصري القديم، ويمكن أن يقال أن كل الحضارات كانت تعطي للرجل كل الحق وكل سلطان على المرأة إلا الحضارة الفرعونية ، فإنها كانت تعطي المرأة حقها بالكامل في مساواتها بالرجل ، وفي معظم الأحيان كانت المرأة في مكان أكثر احتراماً من الرجل ، ولم يحدث إلا في فترات قصيرة جداً في تاريخ مصر الفرعونية وتحت تأثير عوامل خارجية ، أن هان شأن المرأة على الرجل.
زوجة واحدة
وذكر الكاتب "بارديش" أن مصر الفرعونية لم تعرف تعدد الزوجات ، وكان ذلك قاصراً على الملوك والأمراء فقط ، أما عامة الشعب فلم يعرفوا إلا زوجة واحدة ، وبعكس المعروف لم يحدث أن تزوج الرجل أخته ، إلا في العائلات من أجل حماية العرش ، وقد كان من عادة الزوج أن يقول لزوجته "يا اختي" وهذا يحدث حتى الآن في الريف المصري ، وقد أخطأ المؤرخون الأجانب عندما استنتجوا أن المصريين يتزوجون أخواتهم.
حتى الكاهن كان يتزوج امرأة واحدة فقط ، وليس معنى ذلك أن تعدد الزوجات كان ممنوعاً فى مضر القديمة، وإنما كان مكروهاً.
والفراعنة يصفون الزوجة بأنها "ست بيت" أو صاحبة "السرير الأول" ، وكانت هناك الإلهة "إيزيس" وهي نموذج للحب والوفاء والفداء ، وكانت تبحث عن أخيها "أوزوريس" وكانت تجمع عظامه من أركان العالم ، وظلت "إيزيس" تحمي الأسرة وتحمي الفضائل العائلية
صور من مصر القديمة
من ينظر إلى صور "أمنحتب" يجد أن زوجته تجلس على نفس المقعد وإلى جواره ويجد أنها قد وضعن يدها على كتفه ، والاثنان يواجهان الموت في أخوة وترابط ، أما "سنفرو" فكان يمد يده إلى زوجته كما يفعل "الجنتل مان" حالياً.
وأكبر الوراء سناً وأعقلهم الحكيم "بتاحوتب" البالغ من العمر 110 سنة ، كان ينصح الزوج بأن يكون أخاً لزوجته ، وألا يكف عن تقبيلها ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، مؤكداً أن المرأة لا تشبع من معدتها وإنما من شفتيها، ويقول للعريس : "أسعدها ، إنها تنتظر هذا اليوم، لا تتركها وحدها ، لا تدعها تفكر في غيرك ، ولا تنس أن كل ما تأخذه المرأة منك ، قد أصبح حقاً لها ، وسوف تطالبك به ، وإذا أسعدتها أصبحت طيعة كالماء بين يديك.
وارتبط الزواج المبكر في مصر الفرعونية باحترام الموتى والجنازة ، فكل أب يريد أن يكون له أطفالاً يدفنوه ويكرموه عند الدفن ، وفي عقود الزواج التي ظهرت كان يطلب الزوج من زوجته أن تتولي دفنه ، ولم تكن تطلب هي ذلك ، وهو الأمر الذي يعنى تحية من الزوج وإشارة إلى أنه هو الذي سوف يموت قبلها.
وأرق ما نقل إلينا تاريخ مصر الفرعوني من صور كانت صورة الفيلسوف الملك "إخناتون" وهو يودع زوجته إلى القبر ، وينحني على زوجته يقبلها ويودعها ، ويقال أنه طلب من الفنان الذي يرسمه أن يمحو إحدى الصور لأنه لاحظ أنه لا ينحني بدرجة كافية لوداع زوجته.
ومن وصايا الأم للحكيم "آني" : "اعط لأمك كثيراً ، فقد أعطتك كثيراً ، لقد حملتك وأرضعتك ولم تكن تقرف من رائحتك ، احمل إليها كل شئ على صدرك راضياً، فقد حملتك على صدرها راضية سعيدة".
مرأة جميلة
وبنظرة إلى المرأة الفرعونية سنجد إنها كانت أنيقة ونظيفة، كانت تعلم أن النظافة نصف الجمال ، والنصف الآخر كانت تعرف كيف تصونه وتبرزه ، فقد عرفت المرأة الفرعونية كل أدوات التجميل التي تستخدمها النساء الآن كالبودرة ، الكريم، المراهم ، التدليك، أحمر الشفاه، ماء الورد ،زيوت تقوية الشعر ،وكانت تخلط معظم مواد التجميل بالعسل.
وعرفت المرأة الفرعونية أن تتنبأ بجنس المولود ، وكانت تستخدم بعض البذور وتلقي عليها قطرات من بول السيدة الحامل.
وفي كل تاريخ الحضارة الفرعونية نجد انفصالاً بين الجنسين ، فيما عدا الحفلات الرسمية الكبرى ، ففي الحفلات يرتدي الجميع الملابس البيضاء ، وتضع المرأة في يدها حقيبة صغيرة تحتوي على كل أدوات الزينة والصابون وأحمر الشفاه والكحل ، وكانت تضع على رأسها الباروكة والزهور الطبيعية مع الحلي والدبابيس.
وفى الأسرة التاسعة عشر وما بعدها ذابت المسافة بين الجنسين ، وشبه المؤرخون هذه الفترة بباريس فى عصر لويس الخامس عشر من حيث الذوق والأناقة.
والذي يشاهد صور "نفرتاري" يدرك مدى أناقة هذه السيدة وبساطتها ، وقد حملت إلى قبرها كل فساتينها الأنيقة الشفافة ، وتميزت المصريات في هذا الوقت بالقوام المشدود ، ونهدان عاليين ، وكانت الأرداف متوسطة والساقان ناعمتان ، وكانت ملامح الملكة "نفرتاري" هي ملامح مانيكان حديثة ، فالعينان واسعتان مرسومتان ، والشفاه قد رسمها اللون الأحمر ممتلئة ومرفوعة ، أما الشعر قصيراً وقد غطته بباروكة تتدلي على كتفيها.
لم تكن المرأة أسيرة للرجل ، ولم يكن تاريخها سلسلة طويلة من الاستعباد والهوان كما صورها التاريخ ، وإنما كانت هي الحاكم الحقيقي ولكن على طريقتها الخاصة ، يقول أنيس منصور في كتابه : الإنسان هو الإنسان ونقطة ضعف الرجل أنه لا يزال يتوهم أنه هو الأقوى ، ومن نقطة قوة المرأة أن جعلته يؤمن أنها صدقت هذا الوهم ، ولا شئ يدل على خبث المرأة إلا أنها تعرف هذه النكتة التاريخية الطويلة ولا تضحك عليها.