لمحيط : أخاف على العالم العربي و فرنسا من "داعش" عرفات جنب فلسطين الحرب الأهلية التي لم تحدث إلا بعد موته إسرائيل منعت أى تنمية اقتصادية بالأراضي المحتلة مفاوضات كامب ديفيد الثانية الأسوء في القرن العشرين بعد 20 عاما من متابعة "مسألة فلسطين" تعبت ولكنهم مستمرون "السلام مستحيل" وسياسة إسرائيل "العزل العنصرى" ضحايا بشر الأسد أكثر من ضحايا فلسطين بسبب الاحتلال النجاح الأكبر للصهيونية تحويلها المشكلة اليهودية لمسألة عربية اليمين المتطرف بأوروبا مشغول بالإسلاموفوبيا عن معاداة السامية أمريكا تري في إسرائيل صورة منها والفلسطينيون "الهنود الحمر" قال المستشرق و المؤرخ الفرنسي الكبير إنه هناك ضرورة لوجود تدخل عسكري و بوليسي لمواجهة الإرهاب ، و لكن الحل في مجال الثقافة ، و بالتالي المعركة الكبرى في وجود تغير ثقافي يهدد أصولية التطرف ، و إذا رأى اليسار العربي ان يكون طرفا في ذلك سيكون أمرا جيدا . و ردا علي سؤال شبكة "محيط" حول رؤيته للربيع العربي و ما آل إليه و ظلال ذلك على القضية الفلسطينية ، قال : الثورات العربية كونت أجيال جديدة على مستوى السياسة ، و سوف نرى تجليات ذلك بعد 20 عاما ، وذلك بالنظر والمقارنة التاريخية مع دول أخرى مثل ما حدث مع الاتحاد السوفيتي بعد موت ستالين ، و بالتالي فيما يتعلق بالتاريخ علينا أن نأخذ المدى الزمني في الحساب . كما أجاب على سؤال "محيط" بشأن رؤيته لتهديد داعش في المنطقة ، قائلا : أنا اليوم متشائم سواء بشان العالم العربي أو فرنسا ، لأنكم متكئين على الهوية ، و الناس يميلون لإعطاء ملمح ديني لهويتهم ، لذلك أنا أتشاءم . جاء ذلك خلال استضافة المركز القومي للترجمة مساء أمس المستشرق و المؤرخ الفرنسي الكبير هنري لورنس في حوار مفتوح ، بمناسبة إطلاق ترجمة الجزء الأخير من العمل الموسوعي "مسألة فلسطين" و الذي وسمه بعنوان "السلام المستحيل" بحضور مترجم الكتاب بشير السباعي ، و أدار الندوة د.أنور مغيث مدير القومي للترجمة . و قال بشير السباعي نحن مدينون في العالم العربي ، لإنجاز لورنس ، في حين أن لا مؤرخ عربى قام بذلك ، و في فرنسا يعد "مسألة فلسطين "من أهم وأضخم الأعمال التاريخية التي تتناول مسألة بعينها صدرت خلال مائة عام . مسألة فلسطين استعرض لورنس كتابه الأخير "السلام المستحيل" ، قائلا إننى مهتم بلحظات اللقاء بين العالمين العالم العربى والإسلامى بالغرب وأوروبا، بدت لى فلسطين لحظة مهمة فى هذا اللقاء، لذلك انتقلت لدراسة هذه المسألة، كما أننى أثناء دراستى عن الحملة الفرنسية على مصر رأيت أن نابليون كان يخطط لمشروع إقامة دولة يهودية فى فلسطين. وقال لورنس إن ياسر عرفات لم يرد أن تنشأ قوة فلسطينية مستقلة عنه ، عندما ظهرت منظمة التحرير و أدارات مسار المفاوضات باسم الفلسطينيين ، لهذا اتجه لمفاوضات أخرى موازية و التي عرفت بمفاوضات أوسلو ، و لكنها لم تكن جيدة لفلسطين بينما أعطت لعرفات الأهمية التي كان فقدها ، قبل أن تدخل المفاوضات مرحلة معقدة . و أضاف أن عرفات كان يرفض دوما الحرب الأهلية بين الفلسطينيين ، و عند زيارته للقدس كانوا يقولون عنه "عرفات فاسد لا مفسد " ، كان يوقف مناضلي حماس ثم يطلق سراحهم سرا ، وكانوا يقولوا عنه إنه سلاح يتحرك طوال الوقت ، و لكنه جنب فلسطين الحرب الأهلية التي لم تحدث إلا بعد موته . و أشار إلي أن قوة عرفات الكبرى تكمن في تحكمه في تمويل الحركة الفلسطينية من أموال الخليج و الفلسطينيون الذين يعملون في الخليج ، و لهذا كان اليسار الفلسطينى في حاجة لتدعيم وجوده للاستمرار ، مما جعل هناك اشتباه خاصة فى علاقتهم مع سوريا التى يحكمها بشار الأسد ، و اليسار الفلسطيني رغم معاداته للإمبريالية لكنه فقدها لعلاقته بالإسلاميين . و أوضح أن خطأ مفاوضات أوسلو عدم وجود ثقة بين الطرفين ، و بيريز أضاف فيها بناء المستوطنات ، فلم يكن لديه النية لرد الأراضي للفلسطينيين بما فيها القدس، فكانوا يريدون قطعة أرض فلسطينية صغيرة محاطة بأراضي إسرائيلية مع مصادرة ثلثي أراضى الضفة الغربية . و تابع : و بالتالي من يقول فشل حكومة برييز و تولى حكومة نتنياهو أوقف عملية السلام ليس صحيح ، فإسرائيل لم تكن ستتخلى عن شئ . و أشار إلي أن الاحتلال الإسرائيلي منع أي تنمية اقتصادية تحدث في الأراضي المحتلة . أما مفاوضات كامب ديفيد الثانية فوصفها لورنس بأسوء مفاوضات في القرن العشرين التي عمها الفوضى ، و لم يكن هناك حتي محضر للمفاوضات و هذا أدى للوصول لكارثة ، منها السماح لهم بالصلاة في الحرم الشريف ، و كان من تبعاتها اندلاع العنف أثناء زيارة شارون للقدس ، و اندلاع الانتفاضة الثانية التي سميت بانتفاضة الأقصى . وقال لورنس إن عرفات لم يدرك السياسة الأمريكية و ظن أن سياسة جورج دبليو بوش ستكون كسابقه كلينتون الذي وضع "مؤشرات كلينتون عام 2000 التي جاءت متأخرة" محابية لفلسطين ، و لكن بوش وسم الانتفاضة بالإرهابية . و ذكر المستشرق أن كتابه توقف عند 11 سبتمبر 2001 ، مفسرا ذلك توقفه بقوله : الفلسطينيون أكثر مقاومة و نشاطا منى بعد عشرون عاما تعبت و لكنهم مستمرون لا تقلقوا . ردود الأفعال عن منهجه قال لورنس أنه له مدرسة خاصة تختلف عن مدارس التأريخ الفرنسية ، لأن تاريخ العالم العربي يحتاج لمنهج خاص ، وهو ما أسماه "منهج الشذرات" ، و قد وضعه مع سمير قصير الذى اغتيل في بيروت . أما بشأن ردود الأفعال على عمله بفرنسا ، فأكد أنه لم يتلقى أى رد فعل سلبي ، سوى من بعض الأفراد الأكثر جذرية من الجذريين ، و لم يتجرأوا على ان يفتكوا بي ، لأني كنت أؤرخ بالوثائق . و فيما يخص "معاداة السامية " في أوروبا ،قال إن هناك تمييز حاسم قبل بناء دولة اسرائيل و بعدها ،لأن فيما قبل لم يكن الشعب اليهودى فاعلا سياسيا ، و بالتالى فالهجوم على هذا الشعب وقتها شر مطلق ، و لكن بعد تأسيسها انتقلنا لمستوى سياسى ، و لهذا أرى أن من المبالغة تصوير نقد السياسة الإسرائيلية على أنها معاداة للسامية. و عن نمو اليمين القومى المتطرف في أوروبا ، فمنهم من هو مؤيد لإسرائيل و منهم معارض للسامية ، و لكنهم مصابون أكثر بالإسلاموفوبيا . صراع مشبع بالتاريخ قال لورنس إن فلسطين صغيرة جدا ليست أكبر من محافظة فرنسية ، و عدد الضحايا في هذا الصراع على مد قرن حوالى 24 قتيل على الجانب الإسرائيلي ، و مائة ألف من الجانب الفلسطيني ، و عشرات من الجانب العربي ، في حين أن بشار الأسد قتل أكثر من الفلسطينيين في سوريا . و أضاف أن هذا الصراع على المستوى العالمي رهان مختزل بالنظر لصراعات في افريقية نتج عنها ملايين القتلى ، و لكن ثقل هذا الصراع أنه مشبع بالتاريخ ، تاريخ مقدس من جانب المسلمين و اليهود و المسيحيين ، و في نظر الديانات الثلاثة سيكون نهاية هذا الصراع هو نهاية الزمن ، و من الجانب الآخر الغرب لا يريد أن يكون هناك نظر لمسألة فلسطين دون النظر لما حدث لليهود في الحرب العالمية الثانية . أما العرب و الفلسطينيون فلا يستطيعون أن يروا مسألة فلسطين دون رؤية تاريخ الاستعمار الغربي لبلادهم لهذا نفهم الشغف بهذا الموضوع و لهذا سوف يستمر الصراع زمنا طويلا أيضا على عكس العراق و سوريا التى قد يكون هناك نهاية قريبة لصراعاتهم لعدم وجود تلك الرمزية الثقيلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي . و عن رؤيته لحل الصراع قال :من عشر أعوام كنت متفائل بسبب مفاوضات جنيف كان هناك إمكانية لحل دبلوماسي أما الآن الحل غير ممكنا لان المستوطنات الحالية تجاوزت ما حددته مؤشرات كلينتون . و تابع قائلا : النجاح الأكبر للحركة الصهيونية نجاحها في تحويل المشكلة اليهودية لمسألة عربية ، لذا آمل في يوم أن تختفي مسألة فلسطين و لكن لا أظن أن هذا سيحدث في يوم . كنت في القدس الأسبوع الماضى و حل الدولتين هو اختراع "وهم" قانونى ، لان الناس تحتاج لجواز سفر وعلم و نشيد و رموز وطنية ، وهم محكوم عليهم ان يعملوا سويا ، فمن الناحية السياسية يجب ان ننتقل من القهر للتعاون ، و لكن ما يجري الآن هو العزل العنصري . أما عن علاقة الولاياتالمتحدة و إسرائيل ، فسر ان هذا التماهى ليس بسبب ضغط اللوبى الصهيونى ، و لكن لأهمية المذهب البروستانتى الأصولي بأمريكا، و هم يرون في التاريخ الإسرائيلي صورة لتاريخهم الخاص ، فهم يرون الفلسطينيون كالهنود الحمر و المكسيكيين . و ختم هنرى لورنس قائلا شقاء الشعب سعادة للمؤرخين .