قال تعالي: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(9) التواضع ثمة العظماء وشرف كل امرئ ناجح، فهو يعلي من شأن صاحبه في الدنيا والآخرة، وكم سمعنا عن تواضع السلف علي الرغم من علو منزلتهم بين الناس، أمثال عمر بن الخطاب وعمرو بن عبد العزيز وسلمان الفارسي وغيرهم،وذلك لأن معلمهم كان القدوة العليا لهم في التواضع والاحترام، أخرج الإمام مسلم في صحيحه برقم ( 2588 ) حديثاً صحيحاً فقال : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ )).
ولكن هل يمكن أن يختلط التواضع بالمهانة؟ وما الفرق بينهما؟
ذكر ابن القيم في كتابه (الروح) أن"التواضع يتولد من بين العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولد من بين ذلك كله خلق هو التواضع وهو انكسار القلب لله وخفض جناح الذل والرحمة بعباده فلا يري له علي أحد فضلا ولا يري له عند أحد حقا بل يري الفضل للناس والحقوق لهم قبله، وهذا خلق إنما يعطيه الله من يحبه ويكرمه ويقربه.
واعلم أن التواضع المحمود علي نوعين: الأول تواضع العبد عند أمر الله امتثالا وعند نهيه اجتنابا، والثاني هو التواضع لعظمة الله وخضوعه لعزته وكبريائه، فكلما تذكر عظمة الله تعالي وتفرده بذلك، انكسر لعظمة الله، والمتواضع حقيقة هو من رزق الأمرين."
من مظاهره الخضوع لله بالطاعة بحب ورغبة في العبادة لأنك تعلم أنك مجرد مخلوق له سبحانه، فمهما بلغت قوتك وعلا شأنك بين الناس فأنت علي إيمان أن الله أعظم وأكبر وأنه سبحانه المنعم عليك ، فتتبع أوامره وتجتنب نواهيه فيظهر تواضعك لله في محبة الناس وخدمتهم مع بذل نفسك في إتباع البساطة في تصرفاتك وأقوالك وأن تستخدم كل مدح فيك بأنه تعزيز لاستمرار نجاحك وتقدمك دون تكبر أو ازدراء لأحد فلست تفضلهم في شيء.
"أما المهانة فهي الدناءة والخسة وابتذال النفس في نيل حظوظها وشهواتها، كتواضع السفل في نيل شهواتهم، وتواضع طالب كل حظ لمن يرجو نيل حظه منه، فهذا كله مذلة لا تواضع".
ومن مظاهره انفصالك عن عبادة الله لأنك تري في نفسك القابلية للمذلة والهوان لنيل حاجاتك فلا تحتاج إلي ما يعطلك عن إتباع شهواتك، أنك تنفذ كل ما يأمرك به الناس طالما سيحقق لك هدفك دون النظر إلي غضب الله تعالي منك أو ما سيسببه هذا الأمر من أضرار للناس، إذ تحركك رغباتك علي الرغم من تعريض نفسك للذل والمهانة لنيلها، وكمثال بسيط أن يتذلل بعض الجشعين إلي الناس في الشوارع والحارات لنيل الأموال منهم، علي الرغم من قدرتهم علي العمل الشريف أو امتلاك بعضهم للأموال بالفعل، ولكنهم يرون في هذه المهانة يسرا وكسبا أكثر من العمل الشريف، فصار مرض التسول عندهم حياة والعياذ بالله، إذ هانت عليهم أنفسهم وسهل عليهم الهوان والذل دون خوف من الله. ثم قس علي ذلك ما يفعله السفهاء للوصول إلي مبتغاهم وشهواتهم.
وكما قال المتنبي: ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام