عرض "مرصد الأزهر للغات الأجنبية" قراءة في كتاب "إسبانيا دولة الله" لمؤلفه "إجناثيو ثِمبريرو"، حيث يشير الكاتب إلى الجالية الإسلامية التي بدأت تتزايد في إسبانيا. ويعتبر هذا الكتاب سجلاً لحياة المسلمين ومشكلاتهم وطموحاتهم وأفكارهم، كما أنه يحاول الإجابة على تساؤلات عدة حول المسلمين وطريقة تعايشهم مع المجتمع وإجراءات الدولة لمنع أشكال التطرف والعنف، بالإضافة إلى عرض ما تقوم به المغرب من إجراءات للسيطرة على هجرة مواطنيها إلى إسبانيا. ويتناول الكاتب - بحسب المصدر- مجموعة من النقاط المهمة المتعلقة بأحوال المسلمين في إسبانيا، ويذكر أن المسلمين يمثلون قرابة 4% من جملة سكان إسبانيا حاليًا ويتزايدون بشكل كبير؛ ويتوقع الكاتب أن يصل عددهم إلى 3.22 مليون نسمة بنسبة 6.95% عام 2025. وتُعد قطلونية من المناطق الرئيسية التي تتميز بمعدل سريع في تزايد المسلمين، وربما تَقل هذه النسبة عن دولٍ أخرى مثل فرنساوألمانيا وبلجيكا. وعلى الرغم من هجمات 11 مارس 2004 الإرهابية بمدريد، فليست هناك أزمة ملحوظة للمسلمين في المجتمع الإسباني؛ نظرًا لما تقوم به الأجهزة الأمنية من جهود لحفظ الأمن. ويتحدث الكتاب عن المسلمين في كل ربوع إسبانيا واللاجئين المسلمين ومن اعتنقوا الإسلام حديثًا، ويروي طموحاتهم وطريقة حياتهم وتدينهم وعلاقاتهم بالسلطة الإسبانية وكذلك علاقاتهم بالدول العربية وخصوصًا المغرب. ويقول "ثِمبريرو" إن كثيراً ممن حاورهم من الإسبان أو الأوروبيين بشكلٍ عامٍ سأله عما إذا كان سيتناول الوجود الإسلامي الثالث في القارة العجوز؛ وذلك على أساس أن الوجود الأول كان في 711 مع فتح الأندلس والثاني عام 1529 عندما وقف الأتراك على أبواب فيينا، أما الثالث فهو، على حد قوله، ما يحدث الآن من زحف اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، وهو ما يعتبره الكاتب بعيدًا كل البعد عن الفكر المتطرف؛ وذلك لأن هؤلاء المهاجرين قَدِموا من أفريقيا لأسباب اقتصادية أومن الدول العربية وآسيا الوسطى هربًا من ويلات الحروب والدمار. كما يؤكد الكاتب أن ما يُسمى بثورات الربيع العربي قد تسبّبت في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة العربية في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وكادت تودي بالبحرين لولا التدخل العسكري للسعودية، وهو الأمر الذي تسبب في موجات كبيرة من الهجرة. ويتابع الكاتب مشيراً إلى أنه من الملاحظ أن كُتلة المسلمين في أوروبا قد بدأت في التشكّل وبدأ عدد المسلمين في التزايد داخل دول القارة بشكلٍ سريعٍ وملحوظ، وهو ما يفرض على أوروبا أن تقوم بإدماج الملايين من أتباع دين محافظ يملأ حياتهم العامة والخاصة. ويشير "ثِمبريرو" إلى أن طرق الاندماج كثيرة منها تكوين ما يسمى ب"الإسلام الأوروبي المعتدل"، وأن مهمة الإدماج لن تكون سهلة، لا سِيّما مع المسلمين القادمين من دول عربية فهم يندمجون بصعوبةٍ بالغةٍ بخلاف غيرهم من أتباع الديانات الأخرى. ويتابع الكاتب مشيراً إلى أنه بالرغم من المشكلات التي تسببها الهجرة، إلا إن هناك نقطة مهمة في هذا الأمر، وهي أن هؤلاء اللاجئين والمهاجرين يُثرون البلاد التي يهاجرون إليها ويسهمون في حراكها، كما هو الحال في الولاياتالمتحدة ودول أوروبا. والواقع أن معدلات المواليد في أوروبا منخفضة جدًا؛ لذا فإنها تحتاج إلى الأيدي العاملة والخبرات لضمان رفاهيتها وتقدمها، وهو ما حدث في ألمانيا وغيرها من الدول. كما يؤكد الكاتب أنه نظرًا للتقارب الجغرافي فإن العرب هم أكثر من يهاجرون إلى أوروبا وهو ما لا يُتاح للصينيين ولا لمواطني أمريكا الجنوبية على سبيل المثال، وليس هذا لتفوق الجنس العربي؛ بل لاحتياج القارة إليهم. ويرى المرصد أنه ربما يختلف وضع إسبانيا نسبيًا عن أوروبا من حيث أعداد المهاجرين وحداثة حركة الهجرة ذاتها؛ إلا إن أعداد المسلمين في إسبانيا تتزايد بشكل ملحوظ وسريع. ومن مميزات الجالية المسلمة عدم انتشار الفكر المتطرف بين شبابها كما هو الحال في دول أوروبية أخرى، وربما يُعزى ذلك إلى الجهود الأمنية التي حالت دون التحاق الشباب بتنظيم داعش، كما أنه لم تقع أية اعتداءات إرهابية منذ مارس 2004، ونسبة حوادث الإسلاموفوبيا قليلة مقارنةً ببقية دول أوروبا. وفي هذا الصدد تراقب أجهزة الأمن السرية في إسبانيا المساجد والمؤسسات الإسلامية والشركات التابعة لدول إسلامية وغيرها من الهيئات التي لها علاقة بالمسلمين بأي شكل من الأشكال. ويصف الكاتب المجتمع الإسلامي في إسبانيا ب"دولة ملوك الطوائف"، ومن وجهة نظر مرصد الأزهر، فإنه لمن المؤسف أن المسلمين هناك يعانون من انقسامات كبيرة لأسباب قد تكون شخصية أو بسبب تداول السلطة الدينية وخاصة المغاربة الذين ظلوا يسيطرون لوقت طويل على المؤسسات والمساجد، وقد تسبّب هذا الوضع في فقدان الكثير من حقوق المسلمين التي اكتسبوها باتحادهم عام 1992 كحق تعليم التربية الدينية الإسلامية للتلاميذ المسلمين. ومن الناحية السياحية، أكد الكاتب أن إسبانيا هي أولى دول أوروبا في احتواء تراث إسلامي ولكنها الأقل من حيث وفود سائحين مسلمين بسبب عدم توافر الإمكانيات للسياحة الحلال. والواقع أن هناك جهود مكثفة في الوقت الحالي لدعم وتنمية التجارة الحلال في إسبانيا لتوفير هذه المنتجات وهو ما يدفع بدوره حركة السياحة الحلال. وقد درسَ الكاتب بمعهد الدراسات السياسية والمؤسسة الوطنية للعلوم السياسية بالعاصمة الفرنسية باريس. ومن مؤلفاته "جيران متباعدون" تناول فيه العلاقات الوثيقة التي تربط بين إسبانيا والمغرب. وحصل "ثمبريرو" على عدة جوائز آخرها جائزة أحسن مراسل صحفي منحها نادي الصحافة الدولي.