في قرار وصف ب"التاريخي" صوت مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة 24 ديسمبر 2016، لصالح قرار يدين التوسعات الاستيطانية للكيان الصهيوني داخل الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، ويطالب بوقف النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، بموافقة 14 دولة وامتناع الولاياتالمتحدة عن التصويت. ويعد هذا القرار هو الأول الذي يتبناه مجلس الأمن ضد الكيان المحتل منذ ثماني سنوات تقريبًا، وفيه اعتراف واضح ومباشر أن ممارسات دولة الاحتلال بحق الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، تشكل انتهاكًا للقانون الدولي وعقبة أمام تنفيذ حل الدولتين. حالة من فقدان التوازن أصابت الكيان الصهيوني منذ التصويت على القرار، حيث شن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حملة موسعة ضد الدول التي تقدمت بمشروع القرار وهي السنغال، ماليزيا، فنزويلا، نيوزيلندا وذلك بعد أن سحبته القاهرة صاحبة المشروع المقدم قبيل ساعات من موعد التصويت عليه. واقعة قلما تتكرر، خاصة في ظل العلاقات القوية بين واشنطن وتل أبيب، امتنعت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن التصويت لصالح قرار وقف الاستيطان، وعدم استخدام حق الفيتو الذي طالما وظفته أمريكا لعرقلة عشرات المقترحات لإدانة الكيان الصهيوني، مما يعني إعطاء الضوء الأخضر للدول الأخرى لتمرير هذا القرار، وهو ما حدث بالفعل. كانت ردود الفعل الدولية مرحبة لهذا القرار التاريخي، عدى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي قال عبر تغريدة إن الأمور ستكون مختلفة فيما يتعلق بالأممالمتحدة بعد 20 يناير. قد تكون تدوينة الرئيس الأمريكي المنتخب لها على تويتر فيما يخص الأممالمتحدة لها دلالات في فهم سياسته الجديدة له، عقب تسلمه السلطة رسميًا في 20 يناير القادم. الرسالة تبدو واضحة بعض الشيء في تعامله مع الأممالمتحدة والعالم العربي، والشرق الأوسط بشكل عام. قد يجبر الأممالمتحدة في صياغة قوانين تتناسب مع رغبته الشخصية للكيان الإسرائيلي، ومحاربة ما يسميهم الإرهابيين، الذي قد يصنفهم بحسب الكيفية التي تروق له. ربما قد يصمم قائمة طويلة للإرهاب، يضيف فيها الجماعات المسلحة أو المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي كحزب الله اللبناني، وحركة فتح وحماس، بل كل من هو فلسطيني لا يرغب بواقع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا سيكون مدعوم من الأممالمتحدة وبضغط من ترامب نفسه. إضافة إلى ذلك فإن الدول التي دعمت وصوتت على تجريم الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة، ستكون تحت أنظار ترامب، وسيسعى للضغط عليها لإصدار قرارات مماثلة تجيز الإستطيان في أماكن مختلفة في فلسطين. إضافة إلى ذلك، فهو سيسعى لابتزاز العديد من الدول العربية، وعلى رأسها دول الخليج العربي، بهدف الضغط عليها لتطبيع علاقتها مع إسرائيل، وقد ينجح في ذلك، بعد أن يعمل على تقوية شوكة إيران في المنطقة بطريقة أو بأخرى ووضعها ك"بع بع" يخوف بها دول الخليج. نقل السفارة إلى القدس. في 19 كانون الثاني 1982 وبالتحديد في اليوم الأخير لولاية الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، وقعت أمريكا وإسرائيل على وثيقة سميت " اتفاق إيجار وشراء الأرض" حصلت الحكومة الأمريكية بموجبها على قطعة أرض من أملاك الوقف الإسلامي والأملاك الفلسطينية الخاصة في القدسالغربيةالمحتلة عام 1948 لبناء السفارة الأمريكية عليها. وكانت الحكومة الأمريكية قبل التوقيع على هذه الوثيقة تعتبر القدس كياناً منفصلاً خارج نطاق السيادة الإسرائيلية. واعتُبر التوقيع على هذه الوثيقة اعترافًا ضمنيًا أمريكيًا بسيادة "إسرائيل" على القدسالمحتلة، وفي الوقت نفسه يحرم القانون الدولي الحصول على أرض من سلطة الاحتلال عن طريق الاستئجار أو الشراء. وفي عام 1990، اتخذ الكونغرس الأمريكي قرار رقم "106"، والذي نص على نقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدسالمحتلة، وصدر قانون نقل السفارة الأمريكية في عام 1995، وذلك بعد أربعة أسابيع من توقيع اتفاق طابا (أوسلو) في البيت الأبيض بين دولة الاحتلال والمفاوضين الفلسطينيين، والذي تم فيه الالتزام بعدم المساس بوضع القدس، وتأجيل بحثها إلى مفاوضات الحل النهائي. القانون الذي وافق عليه آنذاك مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة (93) مقابل (5) أصوات ضده، وأعلن الرئيس بيل كلنتون حينها أنه لا يؤيد القانون ولكنه سيلتزم بتنفيذه. وصمتت حينها معظم الدول العربية صمتاً مريباً، وتفاوتت بعض الردود التي صدرت عنها بين التعبير عن شكر الرئيس كلنتون (لأنه لم يؤيد القانون ولكنه وقّع عليه) وبين إبداء الدهشة والأسف. تلى ذلك، توقيع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في 30 أيلول 2002 قانوناً أقره مجلس الشيوخ الأمريكي ينص على أن "القدس الموحدة" عاصمة للكيان الإسرائيلي، مما أثار حينها الغضب والاستنكار الشديدين في جميع العواصم العربية والإسلامية. وقد اعتبرت الدول العربية ذلك القانون خطيرًا ويهدد الاستقرار في المنطقة، ويدل بشكل كامل على الانحياز الأمريكي لدعم الاستعمار الاستيطاني اليهودي في القدسوفلسطين وبقية الأراضي العربية المحتلة وتبنيه والدفاع عنه. ذلك القانون لم يتم تنفيذه في عهد الرئيس الأمريكي المنتهية فترته الرئاسية أوباما، والتي حاولت إدارته تفادي تطبيق القرار قدر المستطاع، خوفًا من تفجير حالة من الغضب لدى الفلسطينيين وانعكاس ذلك بالطبع على دولة الاحتلال، حيث أرجئ أوباما أكثر من مرة نقل سفارة بلاده لدى الكيان الإسرائيلي من تل أبيب إلى القدسالمحتلة، بالرغم من الضغط الكبير الذي كان يلعبه اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية، وبحسب القانون الذي تم تمريره في عام 1995، ولكن القانون كان يجيز للرئيس تأجيل العملية لمدة ستة أشهر لأسباب تتعلق "بالأمن القومي". لكن الرئيس الأمريكي الجديد، قد يعمل على تنفيذ هذا القرار، والذي من شأنه قد يشهد العالم اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة وقوية، لأن "القدس هي القضية الأكثر حساسية بين المسلمين عامةً وخصوصًا الفلسطينيين والإسرائيليين مثلما ظهر في اندلاع الانتفاضة الثانية ومواقف أخرى، إضافة إلى ذلك فإنه قد ينهي آمال حل السلام. وهذا القرار يبدو أنه جزءًا من تحول أكبر تستعد إدارة "ترامب" للقيام به نحو اليمين المتطرف في "إسرائيل"، وما يؤكد ذلك اختياره لديفيد فريدمان، المؤيد للاستيطان والمعروف بمواقفه المتشددة، سفيرًا لواشنطن في "إسرائيل". الخلاصة: إن إدانة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة، وصمت المندوب الأمريكي، قد تكون لعبة سياسية ضمن السياسة الأمريكية، لإعاء فرصة تاريخية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتنفيذ خططه في الشرق الأوسط، المتمثلة بإشعال الصراعات على أساس طائفية وعرقية، وابتزاز دول أخرى في المنطقة، لضمان أمن إسرائيل بعد أن تتخذ خطوات أكثر تصعيدية لتغيير هوية الأراضي العربية، وسط انشغال العالمين العربي والإسلامي بصراعتهما الطائفية.