بداية، نسجل هنا أننا نتطلع، أن نرى أية إنجازات حقيقية بالنسبة للأمن، والشئون الاقتصادية، وتحسين حياة الناس بمصر، خلال الشهور القليلة المقبلة المتوقع أن يمكثها دكتور كمال الجنزوري في الوزارة. ذلك نسجله لكي يخرس المزايدون، الذين يتصيدون أية ثغرات، ويلوكونها بدون تمييز، ويلبسون الحق باطلاً، ويخلطون الأوراق أيضاً.
ولقد تابعت كلمة الجنزوري الموجهة للثوار أمس، وتوقفت طويلا أمام لهجة التهديد المبطنة التي توجه بها الرجل لثوار التحرير، المعتصمين أمام مكتبه برئاسة مجلس الوزراء الآن لمنعه من الدخول، عندما قال لهم بجرأة يحسد عليها أنه قادر على فض اعتصامهم خلال ربع ساعة، لكنه استدرك قائلا بأنه لن يفعلها، إذن طالما هو لم يفعلها لماذا أطلقها؟ لتسجل عليه؟
نحن نقول للجنزوري "أنت لن تفعلها لأن سلفك فعلها وكان عبرة للجميع، ورأيت كيف كان مصير من فعلوها قبلك".
هذا المصير كان إقالة الوزارة، واختيار الجنزوري لا لكي يعيد الكرة، ويفعل ما أقدم عليه سلفه، وإنما ليتلاشى سلبيات المرحلة الماضية، ويحاول أن يحقق أية إنجازات تبيض وجوه من أداروا وطننا منذ تفجرت ثورة 25 يناير الماضي.
إذن الجنزوري يعلم أنه غير قادر على تكرار المذبحة التي راح ضحيتها 48 شهيدا، في شارع محمد محمود وجرح بسببها المئات، ونحن نحمل المسئولية عن تلك المذبحة لقادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وخصوصاً بعد أن أعلن منصور العيسوي أن المجلس العسكري، هو من أمر بفتح النيران على الثوار.
ونحن ربما نلتمس بعض العذر للدكتور الجنزوري المشتاق للعودة إلى مكتبه بمجلس الوزراء، ويمنعه الثوار من تلك العودة، ومن هنا أطلق تهديده المبطن والمرفوض والمدان، والذي هددهم فيه بفض اعتصامهم خلال ربع ساعة.
ولكن ما لا يجب أن نلتمس العذر للجنزوري فيه، ويتوجب أن لا يمر، هو ما ذكره من مزايدات في كلمته، تتعلق بالإنجازات المزعومة التي حققها، وكلها إنجازات شكلية، محاولا أن يصور لنا أنه كان يتحدى مبارك، وأنه كان معتزا بقراراته، ويعمل باستقلالية.
وتوقفت طويلاً أمام ما قاله دكتور كمال الجنزوري، فيما يتعلق بإدخال شحنات مبيدات فاسدة لمصر، وكيف أنه أمر بصرف تعويضات لمزارعي القطن عندما سببت تلك المبيدات أضراراً بأقطانهم، وهنا نقول للجنزوري "توقف يا دكتوركمال، لقد صدر على كاتب تلك السطور ورفاق له حكم قضائي ظالم في عهدك الأسود عندما كنت على رأس الوزارة أيام مبارك".
"حكم قضائي بالحبس عامين، والغرامة ثلاثون ألف جنيه"، ومن ثم زُج بنا بالفعل في السجن، وقضينا العقوبة، ولم نتمكن من الدفاع عن أنفسنا، بعد مصادرة المحكمة لحقوقنا في الدفاع عن أنفسنا؛ لأن نائبك الدكتور يوسف والي استخدم سلطاته، وأمر النائب العام أن يحاكمنا بسرعة ويحبسنا، دون أية اعتبارات لشنطة مستندات كبيرة قدمناها للمستشار عادل عبد السلام جمعة -رئيس الدائرة الثامنة بمحكمة جنايات جنوبالقاهرة- تلك الدائرة المطعون في نزاهتها، والتي انتقوها خصيصا لحبسنا.
وهذا الحكم الظالم الذي صدر بحقنا استنادا لقانون الغاب، كان بسبب مستلزمات الإنتاج الزراعية الملوثة بالآفات والأمراض، ومن بينها المبيدات الفاسدة والمسرطنة المستوردة من "إسرائيل"، والتي تحدث عنها رئيس الوزراء الموقر دون أن يشير لهويتها.
إذن فالدكتور الجنزوري كان يعلم أن يوسف والي أدخل المبيدات الملعونة، التي سرطنت أهلنا، واكتفى بإعطاء تعويضات للزراع، وتجاهل من كشفوا تلك الجريمة، حين تركهم ليوسف والي يبتلعهم، وينكل بهم، ويزج بهم ظلما في سجون هذا العصر الأسود.
يزج بهم في السجون، عبر الرشوة والغش والتدليس، وهذا ما هو مثبت ببلاغات رسمية أمام النائب العام ضد رئيس الدائرة الثامنة عادل عبد السلام جمعة و التي أصدرت الحكم بحبسنا.
ومن مفارقات الأقدار أن الجنزوري يعود للسلطة ليجد نائبه يوسف والي، ملقى في السجن بتهمة اللصوصية، وليجد التحقيقات حول جريمة المبيدات المسرطنة قد اكتملت منذ شهور حيث يتجاهلها النائب العام، ولا يريد إحالتها للجنايات، لا لشيء إلا حماية لنظام مبارك وعدم فضح تلك الجريمة، التي تسببت في إصابة ملايين الناس بالسرطان والفشل الكلوي والعقم.
وان كان دكتور الجنزوري بالفعل صادق فيما يقول حول مقاومة الفساد، فإن موقفه من تلك القضية يظهر لنا نواياه، فقضية المبيدات المسرطنة، والمفترض محاكمة يوسف والي على جريمتها، وليست قطعة أرض منحها لحسين سالم بالأقصر.
وفي تقديري أن قضية المبيدات المسرطنة، التي كانت من بين أسباب تفجر ثورة 25 يناير المجيدة من عام 2011م، أخطر من قضية الأسلحة الفاسدة التي تفجرت في حرب فلسطين عام 1948 والتي أدت لقيام ثورة 23يوليو.
ومن هنا كان على الدكتور الجنزوري أمس بدلا من أن يجتر ذكريات تواجده بعصر مبارك، وبأن مبارك لم يمنحه وسام الدولة، "دونًا" عن كافة رؤساء الوزراء الذين سبقوه.
كان عليه أن يعلن بوضوح أنه سيستجيب لمطالب الثورة والثوار، ومحاكمة من قتلوا الثوار بشارع محمد محمود، وقتلوهم عقب ثورة 25يناير المجيدة ، لكن دكتور الجنزوري تجاهل مطالب الثوار، وأخذ يتلو علينا سيرته الجنزورية خلال عهد مبارك، ويهدد الثوار، وهي سقطة للجنزوري لن تغتفر. E-Mail: [email protected]