أمام الأخوة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيسه المشير محمد حسين طنطاوي طريقان لا ثالث لهما، الطريق الأول: الإشارة بوضوح إلي أن الجيش لن يسلم السلطة للشعب، وسيطرح مرشحا عنه لانتخابات الرئاسة، والطريق الثاني: تسليم السلطة للشعب فور انتهاء الانتخابات البرلمانية، والعودة إلي ثكناته، وعلي المجلس التوقف الفوري عن سياسة اللف والدوران، تنفيذاً لأجندات خارجية، لا تضمر الخير لوطننا علي الإطلاق، فالشعب المصري قام بثورته ليسقط حقبة «كامب ديفيد» التي تغتصب السلطة والثروة بمصر منذ 26مارس من عام 1979م، بيد أنه فوجئ بمن يخرج من بين صفوف حكام تلك القبة، ويُعلن انحيازه لثورة 25يناير المجيدة. هذا الانحياز لتلك الثورة العظيمة ،الذي أثبتت ممارسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أن لا محل له من الأعراب علي ارض الواقع، وان ثمة مخطط يجاهد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتنفيذه يستهدف مرضاة قوي خارجية، يرتبطون معها بعلاقات شراكة إستراتيجية، تلك العلاقة التي يعتبرها الفقير لله -كاتب تلك السطور- آثمة ،لابد أن تفكك وتقام علاقات تعاون بين مصر الثورة وبين تلك القوي، تبني علي الندية والاحترام المتبادل، وليس علي التبعية والسمسرة، وإهانة دور مصر ومكانتها وتاريخها وتراثها أمام أشقاءها في المنطقة.
ومن يتابع سلوكيات الأخوة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ قيام ثورة 25يناير المجيدة، يجدهم اتبعوا إستراتيجية وضعتها عقول تنتمي لجهة سيادية، وتقوم علي سياسة فرق تسد، وإرهاق أبناء الثورة، وتشتيت جهودهم، وتشويه سمعتهم، وتهديد الشعب في أمنه، عبر الادعاء أن البلطجة باتت تسود الوطن، وعملية السرقة والقرصنة، وتهديد الناس في أموالها وأعراضها، وأمنها بشكل عام، وفي ظل هذا المناخ، تم استخدام مسئولون في حكومات متعاقبة، ليتلاعبوا بالتعديلات الدستورية، وبالإعلان الدستوري، وبخارطة طريق تسليم السلطة للشعب، وبالمحاكمات التي تتم للمفسدين .
فتارة يقولون لنا، أن ثمة حوارا ً قوميا يستهدف وضع دستور جديد، يتم الاسترشاد به عندما يحين وقت تشكيل جمعية تأسيسية لصياغة الدستور، وبعد أن يفشل هذا الحوار، ويذهب نائب رئيس الوزراء الذي يقوده وهو الدكتور يحي الجمل ،يخرجون علينا بملعوب جديد وهو المبادئ فوق الدستورية، وعندما رفض الثوار تلك المبادئ، طرحوا علينا وثيقة نائب رئيس وزراء جديد وهو دكتور السلمي، بيد أن تلك الوثيقة نسفتها أحداث التحرير الأخيرة، وبسرعة كان بديلهم جاهزا، وهو المجلس الاستشاري، الذي شكلوه، لنجده يخرج علينا مسخا مشوها، يضم في غالبيته فلول نظام مبارك، وعناصر الأحزاب السياسية التي أفسدت الحياة العامة في عصره.
ونفاجأ بمن يخرج علينا إعلاميا من بين صفوف المجلس العسكري ،ليهين دور مجلس الشعب - تحت الانتخاب الآن - ويزعم انه لن يتمتع بسلطاته كاملة ،وان المجلس الاستشاري ومجلس الوزاري سيقاسمه تلك السلطات ،وينفي أن يكون من حق مجلس الشعب مناقشة ميزانية الجيش ،وهو ما تسبب في صدور ردود فعل غاضبة من بين ممثلي التيار الإسلامي وغالبية القوي الوطنية ،مؤكدين رفضهم أن يلعب المجلس الاستشاري أي دور تنفيذي إلي جوار مجلس الشعب ولابد ان يظل دوره استشاري لا أكثر، وعلي الرغم من ذلك فاجأنا المشير طنطاوي بتشكيل هذا المجلس المشوه.
ولم يكتفي بذلك بل عهد إلي هذا المجلس أن يصدر قانونا ينظم اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور الجديد ،وهذا قرار يشكل التفاف صريح وواضح علي الإعلان الدستوري والتعديلات الدستورية، وخارطة طريق تسليم السلطة للشعب، وهي رسالة خطيرة بعث بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأبناء الشعب، مفادها انه لن يترك السلطة ولن يسلمها للشعب وانه يكتسب الوقت تلو الآخر، ويخطط لتنفيذ ما عجز عن تنفيذه في الماضي، إلا وهو ضمان بقاء مصير «كامب ديفيد»، والشراكة مع واشنطن في أيدي الجيش، وجعل ميزانية للقوات المسلحة خارج إطار المناقشة ،هذا هو سر لف ودوران المجلس الأعلى للقوات المسلحة ،والذي يواجه مقاومة جادة من أبناء شعبنا لهذا المخطط.
أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان بإمكانه، أن يقضي علي الفوضى، فور تنحي الرئيس مبارك ولم يفعل ذلك، لا عن عجز وإنما لأنه ينفذ ملعوب، وكان بإمكانه أن يحل مشاكل فئوية كثيرة، لكنه تركها من غير حل، وكان هذا امتدادا لهذا الملعوب، وكان بإمكان المجلس أن يسلم السلطة للشعب، ويأمر قواته بالعودة لثكناتها، لكنه رفض تسليمها، لمعني في بطن الشاعر، معني بات مكشوفا للجميع، عندما اجتاحت قوات الشرطة المدنية والعسكرية ميدان التحرير وقتلت أكثر من أربعين شهيداً، وبات الأمر قبلها مكشوفا عندما تم فتح النار علي ضحايا ماسبيرو، والملعوب انكشف عندما أطلقت الصحف القومية كالغيلان محاولة الكيد لثورة 25بناير المجيدة.
والفقير إلي الله يحذر كافة القوي الشريفة في مصر، وفي طليعتها القوي الإسلامية ،من أن نظام حكم الرئيس المتنحي حسني مبارك ،يحاول الآن استعادة توازنه ويخطط لبناء مؤسساته الأمنية الداخلية، التي انهارت تحت أقدام الثوار، وعندما يشعر انه استعاد عافيته، وان الظروف الدولية مواتية، لن يتردد لحظة واحدة للنيل من ثورة 25ينايرالمجيدة، والنيل من الثوار الأحرار، ولا يقول لي احد أن الأخوة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، يؤيدون الثورة أو هم مع الثوار، لأن الواقع يشير إلي خلاف ذلك بعد أن تم قتل الثوار بدم بارد وأهانتهم.
إننا ننتظر إحالة «مبارك» ورجاله قتلة الثوار إلي محاكمات «عسكرية» عاجلة، بدلا من المحاكم المدنية فاقدة الإحساس بالناس ومعاناة اسر الشهداء، وننتظر تطهير فوري لمؤسسات الوطن، واحترام الإعلان الدستوري، وتحقيق عاجل لمطالب الثورة والثوار، خلاف ذلك الفقير لله كاتب تلك السطور لن يتوقع أي خير يمكن أن يجيء من وراء الإخوة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذين تركوا الناس تعاني تحت وطأة مظالم لا حدود لها تركوها منذ قامت الثورة وحتى الآن. E-MAIL: [email protected]