كشف الكاتب الليبي د. أحمد إبراهيم الفقيه في مقاله المنشور اليوم الخميس في صحيفة " العرب " اللندنية ، عن عصابة " القط الأسود" التي تسيطر على الهلال النفطي في ليبيا. فقال في مقدمة المقال:" مثل مسلسلات الصراع بين الخير والشر التي تقدمها أفلام السينما وتمثيليات التليفزيون، عن ظهور واختفاء الرجل العنكبوت أو عصابة القط الأسود، أو عودة زورو أو مغامرات طرزان، يتفنن المشهد الليبي في إنتاج بدائل واقعية من دم ولحم وطين بشري لهذه النماذج الخيالية، ولا يخرج رجل من أهل البلطجة والميليشيات والسوابق الجنائية من الساحة حتى نجده قد عاد في ثوب جديد". وتابع ،آخر أفلام المغامرات الليبية، تلك التي تابع الناس أحداثها في اليومين الأخيرين، فوق مسرح الهلال النفطي، الذي أعطى موقعه الاستراتيجي وارتباطه بقوت الشعب الليبي ومصيره ومقدراته، المزيد من الإثارة وعوامل التشويق لما يجري فوق أرض الذهب الأسود، وبعد تجاذبات وعمليات ابتزاز وتهديد وشد وجذب وأخذ عطاء (الأخذ كان دائما من قبل عصابة القط الأسود، التي تحرس المنشآت، والعطاء من خزانة الشعب الليبي التي تناوب على حراستها فرسان المعبد المقدس لتيار الإسلام السياسي في ليبيا) جاء في الآونة الأخيرة أرنب الرسوم المتحركة الخارق، التابع للأمم المتحدة، السيد باجز باني، بظرفه ولطفه وملامح الأرنب المسالم الجميل، يجري مصالحة بين قط العصابة فوق أرض الهلال، وبين أسياد المشهد الجديد في طرابلس، في مجلسهم الغرائبي العجائبي الذي يمثل خلطة عجيبة من أهل إسلام سياسي، وإسلام قتالي، وتوجهات شعبية قبلية ومدنية وعلمية. ووأردف قائلا: كان يمكن أن يفلح باجز باني في توفير أرضية أكثر ملاءمة، أمام هذه الخلطة المثيرة، إلا أن ليبيا ليست طرابلس وأحوازها فقط، ولكن هناك في جانب آخر من الخارطة الليبية، مجلسا آخر بخلطة لا تقل غرائبية، مدعو لتقاسم السلطة، إلا أن الحصة المعروضة عليه، لا ترضيه، فظل يرتقب متربصا، وينظر، بكثير من القلق وعدم الارتياح، إلى هذه الأوراق التي يضعها أرنب المصالحة الدولية في سلال الخلطة الطرابلسية. وقرر أنه جاء الوقت لاستخدام ذراعه الحديدية، العسكرية، لطرد عصابة القط الأسود من الهلال النفطي، وبسط سلطة أكثر شرعية ولديها قبول ومصداقية لدى الشعب الليبي، فوق أرض هذا الهلال، وتقديمه هدية لبابا نويل المؤسسة النفطية، لكي يتحول على يديها إلى سلال من الهدايا تقوم بتوزيعها بمناسبة العام الميلادي الجديد على أطفال الشعب الليبي، فعمت الفرحة البلاد، وخرج الأطفال إلى الشوارع يغنون أغاني العيد القادم الذي يبشر بعودة الألعاب والهدايا ووضعها تحت وسائدهم ليلا. وختم المقال قائلا: إلا أن الفرحة للأسف الشديد لم تتم، لأنه في اليوم التالي لهذه المظاهرات الاحتفالية التي استبشرت بعودة بابا نويل إلى البلاد حاملا سلال الهدايا، عادت عصابة القط الأسود تضرب ضربتها، وتتحرك تحت أستار الظلام، مستعينة بعصابات مجلس شورى ثوار بنغازي الإرهابية، تسفر عن روح الانتقام، وشراسة العصابات الإجرامية تسفك الدماء وتشعل النيران في مخازن النفط، وتدعي أنها تطالب بحق مكتسب، فهي صاحبة هذا الهلال وليس الشعب الليبي كما كان يظن العالم، بدليل اعتراف المندوب الأممي لها بهذا الحق، وتوقيعه المواثيق معها، تحت سمع العالم ونظره، ولم يكن ممكنا لمثل هذه العصابة أن تظهر من جديد، وتعاود مثل هذا الهجوم، لولا إحساسها بأن هناك قوى دولية تساندها، هي الولاياتالمتحدة الأميركية وخمس دول أوروبية أصدرت بيانات تطالب بانسحاب الجيش الذي أسمته القوات الغازية من الهلال النفطي، وتستنكر على جيش البلاد أن يبسط نفوذه على هذه المنطقة الإستراتيجة بدلا من عصابة القط الأسود، وكأنها تدعو بصريح العبارة إلى وضع المصدر الأول للاقتصاد الليبي تحت إرادة الميليشيات، ويبقى من تحصيل الحاصل أنها توافق على ارتهان كل مقدرات ليبيا لهذه الميليشيات، ولعلها كانت عاملا مساعدا على عرقلة قيام الدولة وإبقائها سداحا مداحا لهذه القوى الخارجة على السيطرة والتي تعمل دون التزام بقانون ولا تخضع لحساب ولا عقاب، وقد وجدنا هذه الدول نفسها تقدم مشروعا لمجلس الأمن لأدانة الجيش وطرده بإرادة دولية من منطقة الهلال النفطي، إلا أن الأقدار شاءت ألا تستفرد هذه الدول الغربية بإدارة هذا المجلس الذي يقود الهيئة الأممية والسياسة الدولية في العالم وأن هناك دولا أخرى أنصفت الشعب الليبي وجيشه بحيث تم وأد هذا المشروع على يد روسيا والصين والشقيقة مصر أعضاء المجلس. ولعل هذه الدول الغربية بعد فشل المشروع في الهيئة الأممية عمدت إلى بعض عملائها لتحريك ودعم ميليشيا حرس المنشآت النفطية السابقة بهذا الهجوم الذي شاركت فيه عصابات إرهابية بينها القاعدة، كما تقول التقارير الإعلامية، والذي أفشله الجيش وأفشله زعماء قبيلة مجاهدة عريقة في وفائها لبلادها هي قبيلة المغاربة وشيخها صاحب الأيادي البيضاء على أهله وبني قومه الشيخ صالح لطيوش، فتم إبطال الهجوم ودحر عناصره وعاد الجيش الليبي يبسط نفوذه على كامل موانئ الهلال النفطي. ولعل في ما حدث من عبث بهذه المنطقة التي تمثل شريان الحياة للبلاد ومورد غذائها ومعيشتها، درسا لكل الليبيين، لكي لا ينتظروا خيرا يأتي من خارج أنفسهم، وأن يتولوا تقرير مصائرهم، وأخذ أمورهم بأيديهم، والاعتماد على عزيمتهم وإرادتهم، وأن يجتمعوا على كلمة واحدة، لا بديل لها، ولا ولاء لسواها، ولا مصلحة لهم إلا بالتشبث بها، هي ليبيا، ليبيا، ليبيا.