إضافة كلية طب العريش إلى منصة «ادرس في مصر» بكافة تخصصاتها    يورتشيتش يمنح لاعبى بيراميدز إجازة 10 أيام بعد التأهل لمجموعات أبطال أفريقيا    مدرب مانشستر يونايتد يكشف أسباب التعادل مع كريستال بالاس    هل يُمكن استخدام السيارات الكهربائية في عمليات تفجير عن بُعد؟.. خبير سيبراني يوضح    وزير الخارجية: نرفض أي سياسات أحادية للمساس بوحدة أراضي الصومال    أحمد موسى: حزب الله معندوش قرار حتى الآن لضرب معسكرات الجيش الإسرائيلي    عبد العاطي يلتقي وكيلة السكرتير العام للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية    المحطات النووية تدعو أوائل كليات الهندسة لندوة تعريفية عن مشروع الضبعة النووي    نائب محافظ قنا: مبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان» تعزز مقومات التنمية الشاملة    هل تشهد مصر سيول خلال فصل الخريف؟.. خبير مناخ يوضح    التحريات تكشف ملابسات مصرع ابن المطرب إسماعيل الليثي في الجيزة: سقط من الطابق العاشر    مياه الأقصر تنفي انقطاع المياه أو تلوثها داخل المحافظة    انطلاق فعاليات المرحلة الخامسة لمسرح المواجهة والتجوال من قنا    حصلنا على التصريح من الرقابة.. منتج فيلم «التاروت» يكشف حقيقة مشهد خيانة رانيا يوسف لحبيبها مع كلب    تجديد الثقة في المخرج مسعد فودة رئيسا لاتحاد الفنانين العرب بالتزكية    أحمد سعد يعود لزوجته: صفحة جديدة مع علياء بسيونى    قناة «أغاني قرآنية».. عميد «أصول الدين» السابق يكشف حكم سماع القرآن مصحوبًا بالموسيقى    قرارات عاجلة من إدارة الأهلي بعد التأهل لمجموعات أفريقيا قبل مواجهة الزمالك    حزب المؤتمر: منتدى شباب العالم منصة دولية رائدة لتمكين الشباب    موسم شتوي كامل العدد بفنادق الغردقة.. «ألمانيا والتشيك» في المقدمة    "علم الأجنة وتقنيات الحقن المجهري" .. مؤتمر علمي بنقابة المعلمين بالدقهلية    فصائل فلسطينية: استهداف منزلين بداخلهما عدد من الجنود الإسرائيليين ب4 قذائف    تعرف على أهداف منتدى شباب العالم وأهم محاوره    الحكومة تكشف مفاجأة عن قيمة تصدير الأدوية وموعد انتهاء أزمة النقص (فيديو)    بلقاء ممثلي الكنائس الأرثوذكسية في العالم.. البابا تواضروس راعي الوحدة والاتحاد بين الكنائس    هل يمكن أن يصل سعر الدولار إلى 10 جنيهات؟.. رئيس البنك الأهلي يجيب    عبدالرحيم علي ينعى الشاعر أشرف أمين    بيكو للأجهزة المنزلية تفتتح المجمع الصناعي الأول في مصر باستثمارات 110 ملايين دولار    السجن 6 أشهر لعامل هتك عرض طالبة في الوايلي    تدشين أول مجلس استشاري تكنولوجي للصناعة والصحة    إيطاليا تعلن حالة الطوارئ في منطقتين بسبب الفيضانات    كاتبة لبنانية لإكسترا نيوز: 100 غارة إسرائيلية على جنوب لبنان وهناك حالة توتر    شروط التحويل بين الكليات بعد غلق باب تقليل الاغتراب    فتح باب التقديم بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الدينى    توتنهام يتخطى برينتفورد بثلاثية.. وأستون فيلا يعبر وولفرهامبتون بالبريميرليج    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى الشيخ زويد المركزى ووحدات الرعاية    وزيرة التنمية المحلية تعلن انتهاء استعدادات المحافظات لاستقبال العام الدراسي 2024-2025    بلد الوليد يتعادل مع سوسيداد في الدوري الإسباني    الاستخبارات الهنغارية تؤكد أنها لم تنتج أجهزة "البيجر" التي تم تفجيرها في لبنان    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم «توك توك» بدراجة نارية بالدقهلية    بالصور.. إصلاح كسر ماسورة مياه بكورنيش النيل أمام أبراج نايل سيتي    علاج ارتفاع السكر بدون أدوية.. تناول هذه الفاكهة باستمرار للوقاية من هذا المرض    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج فلكية تدعو للهدوء والسعادة منها الميزان والسرطان    بطاقة 900 مليون قرص سنويًا.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع "أسترازينيكا مصر"    بداية جديدة لبناء الإنسان.. فحص 475 من كبار السن وذوي الهمم بمنازلهم في الشرقية    حزب الله يعلن استهداف القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا    هانسي فليك يفتح النار على الاتحاد الأوروبي    المشاط تبحث مع «الأمم المتحدة الإنمائي» خطة تطوير «شركات الدولة» وتحديد الفجوات التنموية    ضبط شركة إنتاج فني بدون ترخيص بالجيزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة البحيرة    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    اسكواش - نهائي مصري خالص في منافسات السيدات والرجال ببطولة فرنسا المفتوحة    حكاية بطولة استثنائية تجمع بين الأهلي والعين الإماراتي في «إنتركونتيننتال»    فيديو|بعد خسارة نهائي القرن.. هل يثأر الزمالك من الأهلي بالسوبر الأفريقي؟    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الوفاء والرثاء.. متحف الفن الحديث يحيي ليلة في حب الجويلي
نشر في محيط يوم 29 - 05 - 2016

أعربت الأستاذة منى كمال الجويلي، في تصريح خاص ل"محيط"، عن سعادتها بتكريم والدها، شيخ نقاد الفن التشكيلي، من خلال الاحتفالية التي أقامها قطاع الفنون التشكيلية له في قاعة "محسن شعلان" بمتحف الفن الحديث.
وقالت منى: "رغم الأحزان إلا أنني سعيدة بالاحتفالية التي أقامها د. خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية لولدي بإقامة معرض استيعادي لأعماله الفنية، وندوة عن مشواره الطويل كناقد وفنان،
وهو المعرض الذي كان والدي يتمنى إقامته قبل وفاته بفترة طويلة.
وتأتي أهمية المعرض في أنه يضم أكثر من 35 بورتريه واسكتش صحفي ومناظر طبيعية رسمها منذ الأربعينيات من القرن الماضي وحتى قبيل وفاته بأيام قليلة.
أما الندوة المصاحبة (الجويلي ناقدا وفنانا) فقد ألقت الضوء على جانب من حياة الجويلي غير معروف للكثيرين وهو إبداعاته الفنية ورسومه بالقلم الرصاص والحبر الشيني والباستيل أو حتى بالقلم الجاف، بمعنى أنه كان يرسم من وحي اللحظة بأي خامة في متناول يده".
وتابعت منى: "أسعدني في الاحتفالية ردود أفعال الحضور وانبهارهم بالأعمال سواء مقتنيات المتحف، وفيها لوحات منفذة زيت على توال أو زيت على سيلوتكس وعددها سبع لوحات،
أما باقي الأعمال المعروضة فقد كان يحتفظ بها والدي وهي تعرض لأول مرة، ومن هنا تأتي أهمية المعرض".
وأكدت ابنه الجويلي أن هذا التكريم أصبح دافعا محفزا لها وشقيقتها "نادية" أن يستكملا مشروع الكتاب الذي طالما حلم والدهما بإصداره، والذي يضم مقالاته في جريدة المساء منذ عام 1959 وخواطره وذكرياته، مشيرة إلى أن والدها كان يتمنى أن يخرج هذا الكتاب للنور في حياته، وأنه أصبح عليهما الآن مسؤولية استكمال مشروعه.
الصورة الشخصية عند الجويلي
كما قالت الفنانة والناقدة شادية القشيري في دراستها عن الجويلي في كتالوج المعرض: "حين نتناول أعماله في فن "الصورة الشخصية" بالألوان الزيتية بالشرح والتحليل نجد أنه كان يمتلك موهبة فنية ثرية يغذيها حسه المرهف وتغلفها شخصيته الهادئة، وحيث أن فترة ممارسته لهذا الفن لم تكن طويلة لذا نرى أن الجويلي قد سلك فيها منهجا واحدا سواء في التقنية أو في اختيار"المجموعة اللونية" لأعماله، فنجده يستخدم ضربات فرشاة عريضة وطويلة نسبيا توحي بالمساحة أكثر ما توحي بالخطوط، بينما يستخدم لمسات الفرشاة القصيرة ليحدد ملامح الوجه... وتعتمد "المجموعة اللونية" الأثيرة لديه على الألوان الباردة بمسحة ترابية بالإضافة إلى القليل من الألوان الساخنة مثل الأصفر بدرجات.. ولمسات من الأحمر والبرتقالي في تكوينات نجح في جعلها متزنة دائماً.. ونرى اهتمامه بإبراز نظرات العيون على وجه الخصوص فنجده يرسم بؤبؤ "ني ني" العين في بعض اللوحات أكبر قليلا مما هو عليه في الواقع فيضفي على الوجه قدراً من الحيوية والجاذبية تشد عين المتلقي للعمل الفني.. والمتأمل لتلك الأعمال يلحظ أنها تنم عن الصفاء والسلام الداخلي سواء بالنسبة للشخوص التي رسمها أو بالنسبة للفنان ذاته، كما أن دراسته الأكاديمية على يد الفنان الرائد أحمد صبري قد شكلت أسلوبه التقليدي المحافظ في رسم "الصورة الشخصية"، ذلك الأسلوب الذي يرتكز أولاً وأخيراً على محاكاة الواقع والتمكن من أصول الرسم الكلاسيكي، وهو يجنح إلى التعبيرية في معظم هذه الأعمال...".
واصلت القشيري: "يختار الفنان نماذجه من أبناء الطبقة المتوسطة الذين يرتدون ملابس مهندمة غير مبالغين في تأنقهم والنساء منهن تتزين بحلي بسيطة قد تكون فقط قرطا في الأذن.. وهم يبدون على سجيتهم.. يشعرون بالراحة في جلستهم، فلا نحس أنهم يخضعون لجلسة رسم وهو ما أضفى على هذه "الصور الشخصية" ما يمكن أن نطلق عليه "وحدة الإحساس" في كل جلسات الرسم.
نرى "صورة شخصية" لرجل متوسط العمر رسمها عام 1944 "زيت على خشب" نجد الوجه يتوسط اللوحة في التفاته بسيطة جهة اليمين، ويلفت النظر في هذا العمل أن الإضاءة مدروسة بعناية فهي موزعة على مناطق مختلفة من وجه الرجل بما يحقق قيمة جمالية...
الإضاءة في اللوحات
تشدك الإضاءة فوق الحاجبين وأسفل إحدى العينين على شكل مثلث مقلوب يجاوره ظل يجسد عمق الأنف فيما تعاود الإضاءة الظهور فوق الذقن ليبرز الفنان ملمحاً من ملامح الوجه وهو"طابع الحسن" في نهاية الذقن، كما نلاحظ الاهتمام بتجسيد الشعر الكثيف بضربات فرشاة بالأسود تخلق تموجات طبيعية تخترقها لمسات من الأصفر الأوكر تؤكدها، بينما اختار للوجه درجة فاتحة من الأوكر تتناغم مع نفس اللون في الشعر... ونرى الخلفية بالأخضر الترابي الممزوج بقليل من البني في بعض المناطق، بينما ملابس الرجل لا يظهر منها غير جزء صغير من ياقة القميص البيضاء وجزء من رباط العنق الأسود وخط ابيض رفيع يحدد جزء من الكتف. وهو بهذه الخطوط البسيطة للياقة وجزء من رباط العنق الأسود المتجه إلى أسفل بما يوحي بالجاذبية الأرضية قد حفظ اتزان اللوحة حتى لا يكون الوجه سابحاً في الفراغ.
وفي "صورة شخصية" رسمها الفنان عام 1948 لسيدة شابة ترتدي قرطا بسيطا في أذنيها نلاحظ أن الوجه مشرق مضيء بما يماثل لون البشرة الطبيعي مستخدما اللون الوردي الفاتح ويظهر الاهتمام بالظل والنور بتدرج جميل، فالإضاءة هنا في منتصف الجبهة وأعلى الحاجبين وفوق جزء من الأنف وتشمل الوجنة كلها جهة اليسار وحتى نهاية الذقن... إضاءة مشربة باللون الوردي الفاتح بينما نلحظ الظل جهة اليمين وأسفل الذقن ليجسد عمق العنق وليظهر جزءا من الرداء الأبيض الذي ترتديه السيدة، بينما استخدم الفنان اللون البني بدرجات في رسم الشعر الذي يصل طوله إلى حد الكتفين وبلمسة من الوردي يحدد الشفتين، كما استخدم البني الداكن ليحدد الحافة الأفقية العليا والحافة الرأسية اليسرى لمساحة اللوحة بتدرج محسوب ليظهر الإضاءة خلف الرأس".
تابعت القشيري: "وفي "صورة شخصية" أخرى لرجل "زيت على سيلوتكس" يظهر فيها أيضا ولعه بالإضاءة التي حددها بخط رأسي يقسم الأنف بوضوح باسطاً الإضاءة على الوجه يسار اللوحة لتشمل نصف الأنف وجزء كبير من الجبهة والوجنة وأعلى وأسفل الفم، بينما نرى لمسات إضاءة بسيطة أعلى الجبهة جهة اليمين تنسدل على حافة الوجه حتى منتصف الأذن ليغمر الظل الجزء الأكبر من الوجه جهة اليمين، وقد اهتم الفنان في هذه اللوحة برسم جزء من الجسد أسفل الكتفين.
رسوم صحفية
يحوي المعرض أربعة رسوم صحفية "حبر صيني على ورق فبريانو" رسمها الفنان بين عامي 1954 – 1956 لباب "هذا المساء" كما هو مدون على خلفياتهم، ومثل أغلب الرسوم الصحفية نجدها رسوما تعبيرية تضع مضمون "المتن" في قالب تشكيلي، وهي لرجال في أعمار مختلفة. واللوحات الأربع ترصد حالات نفسية متباينة توحي بانطباعات مختلفة عن هؤلاء الأشخاص يؤكدها تنوع زاوية الرسم التي اختارها لكل منهم ويؤكدها أيضا نظرات العيون وتباين مدى الرؤية الذي حدده الفنان لتلك الشخصيات، فقد تنظر الشخصية إلى الأمام بشكل مباشر في مدى متوسط للرؤية أو تنظر إلى نقطة بعيدة، أو تركز نظرها إلى مدى قريب.
وهنا نجد الجويلي قد استطاع أن يصف ما يدور في ذهن الشخصية كما يراه كرسام صحفي من خلال قراءة "المتن" المرافق للرسم .. ونلاحظ في هذه الرسوم الدقة والاحتراف فالنسب مضبوطة والفنان متمكن من أدواته في رسم "الصورة الشخصية" بسن ريشة الحبر الصيني.
في المعرض لوحة واحدة رسمها الفنان عام 1945 بالألوان المائية مستخدما "مجموعة لونية" قليلة العدد وهي لسيدة ترتدي غطاءا للرأس، ورغم استخدامه للألوان المائية إلا أننا نجده قد رسم الخلفية بتقنية الرسم بريشة الحبر الصيني والتي تعتمد على الخطوط المتجاورة المتتالية، وهو يخبرنا بخطوط قليلة عن عمر السيدة دون الدخول في تفاصيل كثيرة".
وواصلت القشيري: "لم تفتر موهبة الفنان كمال الجويلي رغم سنوات الانشغال الدائم بالنقد التشكيلي فقد ظل يرسم من آن إلى آخر وكأنه كان يرسم بالأمس القريب أو يستكمل ما بدأه منذ مدة قصيرة، فما تعلمه على يد أستاذه أحمد صبري ظل عالقاً بوجدانه يدفع أنامله للعمل من جديد بين الحين والآخر فيرسم بالقلم الرصاص أو بقلم الحبر الجاف.
اسكتشات
يحوي المعرض عددا كبيراً من الرسوم التحضيرية "sketches" التي رسمها منذ الأربعينيات من القرن الماضي وحتى قبل وفاته بحوالي شهر واحد وهي في معظمها رسوما تشخيصية نجد فيها تنوعا كبيرا في الأوضاع الحركية للجسد وأيضا في الفئات العمرية فنجده قد رسم طفلا ويافعا وشابا ورجلا ناضجا وفتاة مراهقة وسيدات في أعمار مختلفة، ويلفت النظر "رسما" بخطوط سريعة لا تنم عن السرعة أو العجلة في الرسم بقدر ما تنم عن الغضب... وهي لشخصية نسائية مؤرخة 7/7/2006
نلاحظ أن الرسوم التحضيرية لشخصيات نسائية تمثل عددا محدودا بالمقارنة بالشخصيات الذكورية الكثيرة التي رسمها، وربما تقتصر على شخصيات من العائلة فقط.. وقد رسم الفنان الراحل ثلاثة رسوم في نوفمبر وديسمبر 2015 قبيل وفاته في يناير 2016 وهي رسما لابنته الكبرى منى بالقلم الرصاص والذي وقعه "الأب جويلي" للمرة الأولى والأخيرة، وآخر بالقلم الرصاص أيضا لابنته الصغرى نادية والثالث لزوجها منير بقلم الحبر الجاف وهي كلها رسوما سريعة توحي بالشخصية من الوهلة الأولى لرؤية الرسم".
وأنهت القشيري تحليلها لأعمال الجويلي قائلة: "بالتأمل في أعمال "الرسوم التحضيرية" القديمة والحديثة نجد أن الأعمال التي رسمها في مستهل ممارسته للفن تتميز بخطوط هادئة.. ناعمة.. تخاطب المتلقي همساً، ويغلفها إحساس مرهف وتحمل قدرا كبيرا من الشاعرية لتخرج إلينا بهذا الشكل.... أما رسومه في الأعوام الأخيرة فتتميز بالسرعة واستخدام الخطوط الكثيرة المتراكمة والمتشابكة بانحناءات كثيرة متداخلة ونحس أنها لا تستغرق زمنا طويلا في الرسم لنجد الشخصية تطل علينا مفصحة عن ذاتها.
لقد عاش الناقد الكبير والفنان الراحل كمال الجويلي حياة حافلة بكل ما هو راق وجميل وإنساني ، تاركاً لنا إرثاً ثرياً وهاما لا غنى عنه لكل راغب في دراسة ملامح الحركة التشكيلية في مصر فيما يزيد عن نصف قرن من الزمان".
الجويلي ناقداً
أما الفنان والناقد محمد كمال فقال في كتابه "السنابل المضيئة" الذي نشر في عام 2012: "أظن أن المنعطف الأهم في حياة كمال الجويلي يبدأ من عام 1952م، عندما التحق بجريدة الأهرام حتى عام 1958م كرسام وناقد فني، وهو ما جعله يميل صوب مشروعه النقدي منذ ذلك الحين، حتى التحق بجريدة المساء على نفس الدرب من عام 1959م حتى عام 1983م، علاوة على نشر نصوصه النقدية في أكثر من مطبوعة مصرية وعربية، فيما شكل مشواره النقدي الطويل المحتشد بالمؤتمرات والندوات والأمسيات التي شارك فيها بمنهجه الذي يعتمد على سلاف من المدارس المختلفة، بين السياقية والإنطباعية والشكلانية والقصدية، وذلك داخل قالب لغوى رصين وخفيف في آن.. وربما يدفعنا هذا إلى تحليل لغوي وبنائي وتعبيري لعينة تطبيقية من نصوص الجويلي التي أعتقد أنها امتداد لمنهجه التصويري المرتكن إلى بساطة الأداء وعمقه كما أومأنا سلفاً .
يقول الناقد كمال الجويلى عن الفنان الكبير حامد ندا ( 1924م _ 1990م ) بجريدة المساء _ يونيو 1965م " المتابع للوحات الفنان حامد ندا يلمح لأول وهلة ثبات شخصيته ووضوح الرؤية الفنية أمام عينيه ويلمح الاستقرار الفلسفي النابع من إيمان صاحبه بالأرض التي نشأ فوقها والتاريخ الحضاري العميق الذي يشكله ".. وهنا نلاحظ في هذا النص جنوح الجويلى نحو المدرسة السياقية في تناول النص البصري لندا، على المستويين الجغرافي بأبعاده الجيولوجية والمناخية، وأيضاً الحضاري بمحاوره التاريخية والإبداعية والسياسية والاجتماعية، وهو ما يبدو في عبارته "إيمان صاحبه بالأرض التي نشأ فوقه"،" التاريخ الحضاري العميق الذي يشكله "، وهما العبارتان اللتان بلورهما في عبارة "الاستقرار الفلسفي" التي يعتقد من خلالها في خصوصية فلسفات الشعوب عبر تفرد ملامحها الجغرافية المتجسدة في تضاريسها بين أنهار وبحار وجبال ووديان، ومناخها المتنوع بين حرارة ورطوبة وضوء ورياح، فيما يشكل الموضع، بينما يؤدى الموقع إلى تحديد سماتها التاريخية كما حدث في مصر عبر أزمنة متتابعة، وكل هذه المؤثرات السياقية تصب بدورها في وعاء الخلق لدى الفنان والناقد معاً أثناء دوران رحى عملية الإبداع" .
ويكمل محمد كمال: "ثم بعد أربعة وثلاثين عاماً يقول كمال الجويلى عن الفنان محمد حسن الشربينى فى مجلة إبداع _ عدد أبريل 1999م " تقوم لوحات هذا الفنان على مبدأ التداعيات التي يستشعرها من خلال تأملاته للطبيعة والحياة والواقع من حوله، بحس رومانسي يمتزج بالبراءة، وأكاد أقول الطهارة النفسية.. ويتداخل كل هذا في جيشان وجداني وإيمان بروعة الوجود وجماليات الكون، فيسقط هذه التركيبة على خطوطه ومساحاته، فيما يشبه العفوية الغنائية التي تشبه بدورها "الدندنة" ، فهو قريب من الحس الموسيقى، ويظهر هذا في هارمونية العلاقات الشكلية واللونية معاً".. فإذا دققنا في هذا النص سنجده مزيجاً من الآليات النقدية السياقية والانطباعية والشكلانية، عبر معمار لغوى شديد البساطة ومتين البنية في آن؛ حيث يشير الجويلى إلى السياق النفسي الذي يدثر الفنان عبر ماوصفه بالبراءة الناجمة عن تربيته ومنشأه كما ألمح في مطالع النص الأصلي، وهو ما اختزله في عبارة "الطهارة النفسية " التي تمنح العمل شفافيته الإنسانية الخاصة، حتى ينخرط الجويلى نفسه في حالة من التطهر داخل النصين البصري والنقدي معاً ، فيما يتمثل في اتكاءه على الآلية الانطباعية المعتمدة على الاشتعال العاطفي عبر اللغة المجنحة المتجسدة في عبارات "جيشان وجداني"، "روعة الوجود"، "جماليات الكون"، وهي التراكيب اللغوية المكثفة التي يطلق فيها العنان لمشاعره الخاصة كناقد، حتى يربطها بمنجز الفنان عبر الآلية الشكلانية في الأداء النقدي، والتي يصل من خلالها تصاوير الفنان بسياقه النفسي، إلى أن يصل إلى أقصى درجات الحمأة الانطباعية في كلمة "الدندنة" التي يتخذها جسراً لربط تصاوير الفنان بهارمونيتها الشكلية واللونية _ على حد تعبيره _ مع الإبداعات الموسيقية داخل دائرة فلسفية جمالية واحدة، بما يمنح النص متانة وطراوة في آن، رغم تعدد مدارسه النقدية .
وعلى نفس النهج الفكري تأتى معظم نصوص الناقد الكبير كمال الجويلي التي شكلت تاريخه النقدي، مقترباً من الذائقة الجمالية الشعبية، وهو مااكتسبه من عمله في الصحافة السيارة على مر السنين، ليصبح عاشقاً للكلمة والصورة في بستان البساطة المصرية، والذي تم تكريمه فيه غير مرة كواحد ممن يسقون السنابل المضيئة" .
الجويلي أباً وأستاذاً
وقرأ الفنان د. عبدالمنعم معوض كلمته التي كتبها في كتالوج المعرض على حضور الندوة، وهي عبارة عن رثاء للجويلي لدى علمه بوفاته، وكان وقتها قد بدأ برسم بورتريه للجويلي قرر استكماله بعد وفاته: "فراقك صعب علينا جميعا، تركت فراغا عظيما.. كنت أباً وأستاذاً وفناناً له قدره العالي بيننا.. كنت مثلاً أعلى لكل من عرفك من بعيد أو قريب، ومشجعاً لكل من يطلب منك العون، وخير من يعين لكل ناشئ أو كبير.. فنان حر أو دارس عن يقين.. الكل كان يلجأ لكلماتك وتحليلاتك في معارضهم وكان لي نصيب الأسد منهم..
كلماتك كان لها مفعول السحر عندنا جميعا.. وأخص بالذكر كاتب السطور الذي تعلم منكم الكثير، من الثناء والإطراء.. تعلم كيف ينجو من "المطبات"، تعلم كيف يبوح بالكلمات.. إنها لحلاوة ومذاقها كالكهرمان..
كانت تجربتي من الثمانينات وأنا أعرفك محباً لكل من كان.. شجعتني بكلامك ووصاياك منذ البداية وكانت رؤيتك دائما لي بمثابة كبسولات فيها الشفاء ومزيد من الإتقان.. تقدمها بعيون الخبرة والإمعان.. ترى في كل فنان حاجة!! فتعطي كل حاجة..
إنه حدث جلل حين سمعت بفراقك عنا وعني بالأخص.. وكنت فرحا وأنا أسجل البورتريه الخاص بشخصك الكريم.. عرفانا بقليل مما قدمته من كثير لنفسي طوال أكثر من أربعين عاما مضت..
كنت أزهو بمقدمة معظم معارضي وأتباهى بما تقوله عني لكل من أمسك بمطبوعاتي الورقية. بل زاد من تقديرك لي في ندواتك في معارض من ثناء واطراء عن أعمالي. ولا أنسى تنبؤاتك عن مستقبلي في حديث خاص بالإذاعة عندما قلت عني "لو لم يكن عبد المنعم معوض فنانا لكان دبلوماسيا على مستوى رفيع وسفيراً لنا في الخارج" إنها العين الفاحصة والخبرة الرائعة.. والشفافية الربانية.. رحمة الله عليك يا أستاذي وأستاذ الأجيال والمثل الأعلى .. الأستاذ كمال الجويلي".
يذكر أن المعرض يضم 35 بورتريه واسكتش صحفي ومناظر طبيعية رسمها الراحل كمال الجويلي (1921 – 2016) منذ الأربعينيات من القرن الماضي وحتى قبيل وفاته بأيام قليلة. وقد شارك في الندوة التي أقيمت للجويلي عقب افتتاح المعرض بعنوان "كمال الجويلي فنانًا وناقدًا" د. عبدالمنعم معوض والناقد محمد كمال، كما أدارت الندوة الفنانة والناقدة شادية القشيري"، في حضور د. خالد سرور، الفنان آدم حنين، الفنانة نادية التطاوي، الفنان محمد الطراوي، الفنانة أحلام فكري، الفنانة والناقدة ماجدة سعد الدين، الأستاذ إبراهيم عبدالرحمن مؤسس جاليري "بيكاسو"، الفنان محمد الصبان، الفنان أحمد عبدالفتاح رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض، والفنانة ضحى أحمد مدير متحف الفن الحديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.