بقلم / صلاح بديوي في وقت كانت فيه الفضائيات تنقل لمصر وللعالم، مراسيم صلوات أقامها ملايين الثوار المصريين علي أرواح الشهداء، ضمن فعاليات جمعة الفرصة الأخيرة، وذلك في أعقاب انتهاء الثوار من أداء صلاة الجمعة في ميدان التحرير بقلب القاهرة، وفي عدة ميادين آخري بكبريات محافظات الوطن.
نقول في ذلك الوقت ،حرصت تلك الفضائيات -أيضا- أن تنقل من ميدان العباسية تظاهرات لبضعة مئات من البشر، وهم يرفعون أعلام مصر، غير عابئين بقول، من ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء:"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ".
ومتظاهروا العباسية،يمثلون فلول الحزب الوطني ،ومنافقوا أي نظام، يقولون أنهم قرروا الخروج عن صمتهم، من اجل عيون المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي غمرهم بكرمه، وغمر رئيسهم، ورفاقهم، هذا المجلس الذي نثق ثقتنا في وجود الله،أن تلك الفئة من الفلول المرفوضة شعبياً ،هي من الكائنات الحية التي تسيء لهذا المجلس بشكل غير مسبوق.
ولقد اختار توفيق عكاشة زعيمهم ...ميدان العباسية ...المجاور لمستشفي العباسية إياها..منطلقا لتواصل تظاهراتهم، وبالفعل العباسية ...هي المكان الذي تستحقه قيادات الفلول.
وبغض النظر عن صغائر الفلول، فأننا نعتقد أن جماهير جمعة الفرصة الأخيرة، التي احتشد الثوار أمس خلالها بمئات الآلاف، في عدة ميادين في القاهرة والمحافظات، بعثت برسالة قوية للأخوة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تلك الرسالة مفادها :" أنكم اجتهدتم ، أصبتم في أمور متعددة، وأخطأتم أخطاء فادحةً، ولم تعد مصر قادرة علي تحمل تلك الأخطاء،وآن لكم الآن - كفرسان- أن تترجلوا عن صهوة حكمكم،وتسلموا الأمانة إلي أهلها, وأتمنى أن يتفهم قادة المجلس تلك الرسالة جيدا، قبيل فوات الأوان.
وعندما يقرر غالبية رموز مصر، والشرفاء فيها، وازهرها، الانحياز للثوار وينزلون التحرير، وعندما يوفد شيخ الأزهر وفد يمثله، علي رأسه شيخ فاضل هو الشيخ حسن الشافعي، ليتوجه باسم شيخ الأزهر بتحية للثوار، ويؤيد مطالبهم، ويدين إراقة دماء شباب مصر، في وقت كان فيه بالتحرير كل المرشحين المفترضين لموقع الرئاسة حتى الآن، إلي جانب رموز مصر الفكرية والفنية والأدبية وقادة نقاباتها وأحزابها ومنظمات مجتمعها المدني، عندما تحدث تلك التحركات من قبل نخبتنا الواعية، هنا لابد أن يفهم إخواننا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الرسالة جيداً.
وحسناً، فعل المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، عندما ابلغ الدكتور كمال الجنزوري، انه لا يطمع في السلطة وعازف عنها وسيتركها فور أداء مهمته التي حمله إياها له وللمجلس الرئيس المتنحي، تاركاً إياهم يعبرون عن الثورة.
وحسناً، فعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، عندما أعلن اعتذاره عن عمليات إراقة الدماء ،والقتل التي لحقت بالثوار، وأعطي تعليماته للنائب العام، لكي يحقق مع المتهمين بالقتل سواء كانوا بالشرطة، أم غيرها من دوائر الدولة، متعهدا بتعويض الشهداء والجرحى والمصابين.
لكن عندما يخرج إلينا الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وعدد من قادة العالم، ويتدخلون بشئوننا، ويهددون ضمنيا قادة جيشنا، هنا نقول لهم، يا سادة ابتعدوا عنا كمصريين، ودعونا نحل مشاكلنا مع حكامنا بمعرفتنا، فنحن قادرين علي حماية ثورتنا، وتحقيق ما تبقي من مطالبها، ومحاكمة أي متجاوز للقانون منا.
نعم ،نحن نختلف مع قادة جيشنا، ونعم ننتقد جانب من سياسات اتبعوها نراها خاطئة، لكن عندما يتدخل من لا يكن لنا خيرا، ويهدد قادة جيشنا، ويبتزهم بمعوناته ومساعداته، وتعاونه الاستراتيجي معهم، نقول له عفوا ابتعد عنا، وعن خير أجناد الأرض، والذي ندعوهم لوضع نهاية لهذا التعاون الذليل.
إذ نشخص الوضع الراهن ونتابع فعالياته، وننتقد سياسات خاطئة أوصلتنا إليه، نناشد الثوار أن يتحلوا بالعقل بعد اعتذار الإخوة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبدء النيابة التحقيقات مع قتلة ثوار التحرير في موجة ثورتنا الثانية، وتكليف الدكتور الجنزوري بتشكيل حكومة جديدة، وهو رجل نشهد له جميعا بالصلاح، وبأنه قادر علي إدارة السلطة في تلك المرحلة، وقد منح الرجل صلاحيات واسعة، وهو شخصية تكنوقراط، ولم يكن يوما عضوا بالحزب الوطني المنحل.
وبعد غدا يفترض أن تبدأ فعاليات المرحلة الأولي للانتخابات المصرية، والتي قد تستغرق شهرا وتجري علي ثلاثة مراحل ،بإشراف كامل من القضاء، ومراقبة حقوقية، في تجربة ديمقراطية هي الأولي من نوعها في تاريخ مصر الحديث، ونري أن نمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة فرصة إتمام مهمته وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والتي ستتمخض عن تشكيل حكومة للثورة، يسلمها المجلس السلطة، ثم يستعد لانتخابات رئاسية، بمقتضاها يكون هذا المجلس قد أدي مهمته في يونيو المقبل، ويترك السلطة بشكل كريم .
وعلي الرغم من أخطاء المجلس الفادحة، وعلي الرغم من تجاهله تنفيذ جانب مهم من مطالب الثورة ،إلا أن رصيد المجلس المتبقي لدينا كثوار، يجعلنا نغفر له ونصبر علي أخطاء ارتكبها، ونشكره عندما يسلم السلطة للشعب، وعلينا أن لا ننسي علي الإطلاق أننا هتفنا له مرارا.."الجيش والشعب إيد واحدة"، وبالفعل جيشنا وشعبنا سيظلان أيد واحدة للأبد، وعلينا أن لا ننسي انحياز قادة المجلس الأعلى لثورتنا، في ظل ظروف قاسية، تسلح خلالها قادة جيشنا بالحكمة، وأنقذوا وطننا من بحور دماء.
وقد يقول قائل أن في كلامنا نوع من التناقض، فنقول له علي الإطلاق، كل ما هنالك أن العبد لله ، لا يتجاهل أبدا الحق وكلمة الحق مهما لاقي في سبيلها من تطاول صغار وموتورين وحاقدين، وان أخطاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، التي ارتكبها خلال الأشهر الماضية، لن تنسينا أبدا سماحه لنا - كثوار- بامتطاء دبابات الجيش، وكتابة يسقط مبارك علي هياكلها، وإعلان الجيش حمايتنا كثوار، والانحياز لنا.
وان هذا المجلس أنقذنا من هجوم للحرس الجمهوري، وهذا لا يعلمه إلا القليل من الناس، و لولا إحباط جيشنا لهذا المخطط واعتقال قائد الحرس الجمهورية، لكان من الممكن أن ينجم عن هجوم الحرس لفض اعتصام التحرير مذبحة يقتل خلالها الآلاف في الموجة الأولي من ثورتنا.
وهنا نتوجه لشباب مصر الثائر الوطني المخلص وأحبة الوطن ونقول لهم لقد حققتم في الموجة الثانية من الثورة ما أردتم، والتمسك باختيار رئيس وزراء غير محايد من بينكم تابع لفصيل بعينه، قد يتسبب في فتنة ،والدكتور كمال الجنزوري رجل تكنوقراط مستقل محايد، نعتقد انه خيار مناسب، نناشدكم وضع نهاية لهذا الاعتصام علي ضوء الاتفاق الذي توصلت إليه شخصيات نجلها ونحترمها من الشخصيات العامة المحسوبة علي الثورة، توصلت إليه مع الإخوة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة،لتسوية أزمة الثقة الأخيرة مع قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
ولا نعتقد أن إصراركم - أيها الشباب - علي مواصلة تصعيد الأزمة، يستهدف الانتخابات وتأجيلها، كما يردد البعض، وذلك بعد أن فشلت عناصر معروفة في تمرير وثيقة فوق دستورية، صاغتها وأرسلتها إلينا، دوائر خارجية وهذا للأسف من أخطاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أستمع لتلك الدوائر، لأجل عيون «تل ابيب»، والشراكة الإستراتيجية مع واشنطن، والحفاظ علي «كامب ديفيد»، تلك المعطيات التي يريد الأمريكان فرضها علي حكومة مصر الثورة، مستخدمين قادة الجيش، والذين نناشدهم أن يبلغوا الأمريكان أن شعبنا سيفصل في تلك القضايا ويتحمل تبعية هذا الفصل، وان الوصاية عليه قد سقطت ولن تعود.
وفي الختام، إن اعتذار الإخوة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، للشباب الثائر ولأبناء شعبنا تجاه الممارسات التي حدثت بالتحرير ،وتعهده بالقصاص من مرتكبيها،وتعويض الضحايا ،هذا الاعتذار ،إذا ما أضفناه إلي رصيد تلك القوات، في عقولنا وقلوبنا ووجداننا ،والي رصيد جنودها، في سنة رسولنا العظيم صلي الله عليه وسلم ،والذي وصف رجالها بأنهم خير أجناد الأرض،هذا الرصيد الهائل ، يجعلنا نقبل الاعتذار.