لا تزال لبنان تبكي فقديها بعد مرور إحدى عشر عاما على اغتيال رئيس وزرائها الأسبق رفيق الحريري فهي الآن دون رئيس أو مؤسسات فيما تعصف الطائفية والانقسام بين أبناء الوطن، ما جعل زوجته نازك الحريي توجه كلمة له في ذكراه قائلة "يا رفيق العمر: ليتك معنا في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بلادنا بها، لتساعد في إيجاد الحلول، التي تنقلنا من الغموض، ومن حالة عدم استتباب الأمن والاستقرار إلى مكان أفضل". لقى الحريري ربه بعد تعرض موكبه لانفجار في العاصمة بيروت في 14 فبراير لعام 2005، أودى بحياته وعدد من مرافقيه وحراسه الشخصيين، وهو الحادث الذي وقع عقب استقالته من الحكومة معارضا التواجد السوري في لبنان. إعادة تأهيل لبنان ولد الحريري في أول نوفمبر عام 1944 في مدينة صيد، وتخرج في الجامعة ببيروت حيث درس المحاسبة، ففضلا عن مكانته السياسية في لبنان كان أيضا من أكبر رجال الأعمال بها، فقد عمل في السعودية في فترة السبعينيات وكوّن ثروة ضخمة في فترة وجيزة وأصبح من كبار رجال الأعمال المتنفذين في مجال البناء والعمارة، وحصل بعدها على الجنسية السعودية عام 1978. وعن نشاطه التجاري هناك تشير تقارير إعلامية إلى أنه خلال هذه الفترة قام بشراء شركة أوجيه الفرنسية ودمجها مع شركته ليصبح اسمها "سعودي أوجيه" التي أصبحت من أكبر شركات المقاولات في العالم العربي، ومع مرور السنوات اتسع نطاق إمبراطوريته ليشمل شبكة من البنوك والشركات في لبنان والسعودية، إضافة إلى شركات للتأمين والنشر والصناعات الخفيفة وغيرها. وفي مطلع الثمانينيات أصبح واحداً من بين أغنى مائة رجل في العالم، وعمل خلال الثمانينيات كمبعوث شخصي لملك السعودية آنذاك فهد بن عبد العزيز آل سعود في لبنان، وبعد تعيينه رئيسا للوزراء المرة الأولى عمل على تنفيذ خطة إصلاح وإعادة تأهيل البنية التحتية اللبنانية التي كانت الحرب الأهلية قد عصفت بها، وكانت لخطته نتائج إيجابيه في خفض معدل التضخم ورفع سعر العملة اللبنانية. قرار مجلس الأمن تولى الحريري منصب رئيس الوزراء طوال الفترة التي تلت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، وذلك في الفترتين (1992-1998) و(2000-2004)، وخلال توليه للحكومة للمرة الثانية صدر قرار مجلس الأمن الدولي (1559) في 2 من سبتمبر 2004 ، والذي نص على عدَّة بنود أبرزها: دعوة "كل القوات الأجنبية الباقية إلى الانسحاب من لبنان"، و"تفكيك كل الميلشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها"، ودعم "مدّ سلطة الحكومة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية"، وتأييد انتخاب رئيس الجمهورية المقبل "انتخابًا حرًّا... من دون أي تدخُّل أجنبي. كان هذا القرار محل اعتراض من الرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله، وبعد تمديد رئاسة الرئيس إميل لحود فترة ثانية بضغط من سوريا، استقال الحريري من منصب رئيس الوزراء وعلق على ذلك بقوله "لقد قدمت استقالتي للحكومة وأعلنت أني لن أترشح لرئاسة الوزراء في الحكومة التالية"، كما كان الحريري متمسكا بحق لبنان في المقاومة واسترجاع الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل. أصابع الاتهام واستمر توليه رئاسة الحكومة لمدة ثانية حتى زاد الخلاف بينه وبين الرئيس اللبناني إميل لحود الذي مدد الدستور ولايته لثلاث سنوات إضافية حتى تقدم باستقالته ووقع حادث الاغتيال في العاصمة بيروت، لكن الاحتجاجات الغاضبة التي ثارت بعدها أدت لتنفيذ رغبته وسحبت سوريا قواتها الأمنية من لبنان بعد أن استمر تواجدها نحو ثلاثين عاما. وعقب اغتياله اتفقت الحكومة اللبنانيةوالأممالمتحدة على تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وهي المرة الأولى التي تحاكم فيها محكمة دولية أشخاصًا لجريمة ارتكبت ضد شخص معين، وأشارت لجنة من الأممالمتحدة تولت التحقيق في الحادث بقيادة ديتليف ميليس إلى إمكانية تورط عناصر رسمية سورية وأفراد من الأمن اللبناني بسبب موقف الحريري المعارض لسوريا لكن محللين وكتابا لبنانيين ذهبوا بعيدًا ووجهوا أصابع الاتهام نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية.