نظم المجلس الأعلى للثقافة أمس ندوة لمناقشة رواية "عناق عند جسر بروكلين" للروائي الدكتور عز الدين شكري فشير الأمين العام السابق للمجلس . والرواية رشحت لجائزة البوكر العربية للرواية، وتدور أحداثها حول أستاذ جامعي مصري يعيش في أمريكا ويكتشف بعد بلوغه الستين إصابته بالسرطان، ليبدأ في الإعداد لحفل يدعو فيه كل أصدقائه، وهم الذين تتوزع فصول الرواية لتروي قصة كل منهم، وتعكس الرواية بين طياتها علاقة الشرق والغرب ومشاعر الغربة الإنسانية المتزايدة..
أدارت الندوة الدكتورة فاطمة البودي مديرة وصاحبة دار العين للنشر، الصادرة عنها الرواية، وشارك فيها كل من الناقد د.صلاح فضل، والناقد د.حسام عقل، والشاعر شعبان يوسف، بحضور وزير الثقافة الدكتور عماد أبو غازي.
في كلمته تطرق الناقد الدكتور صلاح فضل إلى حبكة الرواية، التي تحكي عن أستاذ جامعي مصري هو دكتور درويش فوق الستين بقليل يكتشف وهو في أمريكا إصابته بالسرطان، فيؤثر الموت بشرف كما يقول بعيداً عن العلاج الكيماوي، ولمعرفته بدنو أجله يقيم حفلاً ليودع أصدقائه، دون أن يعرفوا مرضه، ويفتعل مناسبة لذلك الحفل هي عيد ميلاد حفيدته سلمى.
وتتوزع الرواية على ثمانية فصول، كل منها يحكي عن المدعوين، حيث يقدم كل منهم نفسه ويتأمل حياته وتحول ظروف كل منهم عن تلبية الدعوة.
من بين شخصيات الرواية "رامي" المصري المهاجر الذي تزوج من كوبية من أصل لبناني، وتتنامى في الغربة وحدته وإحساسه بالخوف كما تجرده الزوجة من الثروة والوظيفة التي حققها .
ويشير فضل إلى المعنى الدلالي التي تحمله أحداث الرواية، حيث نرى دكتور درويش يحتفظ في مكتبته الضخمة بكتب عزيزة عليه وقريبة إلى قلبه على الرغم من ضعف موضوعاتها، في رسالة إلى أن ما يتبقى للإنسان مهما عظمت قيمته هي الأشياء التي تدخل عليه السرور ويحتفظ لها بركن خاص في قلبه حتى وإن لم تكن ذات أهمية.
اللغة في الرواية كانت محل إشادة من الناقد الدكتور صلاح فضل حتى أنه تعجب من شاعريتها نظراً لأن مؤلف الرواية دبلوماسي وهم عادة كما يقول فضل يديرون ظهورهم إلى اللغة العربية ويولونها شطر اللغات الأجنبية الأخرى.
الرواية كذلك كما يشير الناقد تتماس مع السيرة الذاتية للمؤلف وهو ما يدركه الناقد ، برغم بناء المؤلف لعوالم موضوعية بعيدة عن حياته ، ويظهر ذلك كما يشير فضل حين يصف المؤلف مثلا مطعم صغير يهرب إليه موظفو الأممالمتحدة للراحة.
ويختتم فضل بقوله أن شكري جسد كل آلام الغربة في هذه الرواية، لتصبح خلاصة مقطرة لخبرة جمالية معتقة تبرز فجائع المغتربين، وتجعل هوياتهم مصدراً للمتعة والعذاب والتمزق.
من جانبه أثنى دكتور حسام عقل على تصعيد الرواية إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية متمنياً فوزها بالجائزة، مشيراً إلى أن الرواية تقع في 219 صفحة وتثير الأسئلة، نظراً لتعلقها بعلاقة الشرق مع الغرب، وذلك عبر ثمانية نماذج تعيش في المهجر الأمريكي كل منها تحول إلى حالة من الإخفاق والفشل.
أضاف أن رواية " عناق عند جسر بروكلين " تعد إمتداداً لأعمال أدبية وعربية هامة ناقشت العلاقة بين الشرق والغرب أمثال رواية عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم ، و قنديل ام هشام ليحي حقي ، و موسم الهجرة للشمال للطيب صالح وغيرهم كثير.
بطل الرواية دكتور درويش يمثل حالة خاصة من التعامل مع النموذج الغربي، فهو يبدو أنه تأقلم مع هذا النموذج حين خرج من مصر ناقماً على طلابه والعمل الجامعي الذي لم يعط له حقه، لذلك حين هاجر نجح هناك على المستوى المهني والعلمي فقط، لكن على المستوى الإنساني لفظه المجتمع الأمريكي.
تحدث كذلك الناقد عن العبارات القصيرة التي تتميز بها الرواية، فالكاتب لا يستخدم الصورة القصصية ذات النفس الممتد، بل يعتمد على صور قصيرة دالة، ويصف الناقد الشخصيات بالمعزولة والأجواء بالمقبضة، كذلك ما يميز أسلوب الكاتب هو جنوحه إلى الأسئلة ولجوئه إلى أسلوب الاستفهام، فالراوية حققت معدلاً في صيغ الاستفهام ففي صفحة واحدة نجد 17 سؤالاً، حيث يفتح الراوي الفضاء السردي على فضاء الأسئلة ويتعامل بطزاجة مع الدهشة.
يواصل عقل: الرواية تشهد تسريبات رمزية فحين يتحدث المؤلف عن الستائر التي تحجب الضوء، تكون إشارة كذلك إلى الحاجز الكثيف الذي يفصل العرب عن الغرب، وعجزهم في التعامل معه.
من ضمن شخصيات الرواية التي يخصها عقل بالذكر، "رامي" الذي يمثل حالة من انتقاد الرأسمالية، ابتعد عن السلك الأكاديمي وعمل في شركة لفظته نتيجة الخصخصة، في كل مشهد من مشاهد الرواية يوجه الراوي نقداً ضمنياً لمظهر من مظاهر الحضارة الغربية.
لا يملك "رامي" سوى 14 دولار وحين يكلم أخيه لمساعدته إلى العودة لوطنه مصر، يثنيه أخيه عن العودة، تصف الرواية "رامي": "وقف في النصف لا يجد طريقه للمترو كلما ذهب من ممر وجده مغلقاً" النسق الرمزي كما يشير عقل يقصد بالممرات هنا، ممرات المستقبل الذي أغلق أبوابه.
"يوسف" احدى شخصيات الرواية، يلتحق بالأممالمتحدة ويكلف بمهمة في دارفور وينجزها، يرى رصاصاً يطلق وامرأة تحترق فيكتب تقريراً عمّا رآه وينتهي الأمر بتقرير إدانة من قبل مجلس الأمن، حينها يشعر "يوسف" بأن جهده ديكوري ويتساءل ماذا قدم للبسطاء في دارفور؟، لتاتي إجابته لا شئ، ويشير عقل إلى أن كل نموذج من الثمانية في كل مرة ينتهي إلى حطام.
"الشيخ داود" شخصية أخرى في الرواية، نموذج أفرزته ثقافة تريد أن تدمر الأخضر واليابس في أوروبا وأمريكا، يزور متحف يمثل ضحايا برجي التجارة، تشعر حين تقرأ أنه مسجون بنزعات الحقد والانتقاد، تنتقد الرواية كما يقول الناقد تلك الشخصية وتتطلع إلى نموذج معتدل.
"رباب العمري" محامية عربية تقيم في أمريكا، تفاجئ بإقصائها من الجهة التي تعمل فيها لأسباب لا تتعلق بالكفاءة بل لأسباب عنصرية.
تحدث الناقد كذلك عن "سلمى" حفيدة دكتور رشدي التي تتعرض لاعتداء في آخر الرواية من أربعة شبان أمريكيين، بعد أن حاولت احتضان النموذج الغربي، لتنتهي الرواية و"سلمى" تنزف دمائها وتسقط على الأرض بعد دوار.
الرواية تحمل كذلك إشارات لما يحدث في الأراضي الفلسطينية وتظهر بها أسماء ادوارد سعيد، ومحمد الدرة وغيرهم، حيث يحيل مؤلفها إلى التاريخ عبر تسريبات معلوماتية تتم بطريقة عفوية.
وفي كلمته، قال الناقد والشاعر شعبان يوسف أن الرواية تشبه صاحبها، ورغم تعاسة الشخصيات فإنها تحمل أيضا قدرا من خفة الظل المصرية، وهي تقدم نقدا قاسيا لنموذج الحلم الأمريكي رغم أن جرعة السياسة فيها أقل بكثير من رواية "غرفة العناية المركزة" لشكري.
في حين أشار دكتور شاكر عبد الحميد إلى أن شخصيات الرواية منعزلة رغم نجاحها المهني، وتسعى دوماً للتحقق والاكتمال لكن هذا لا يحدث.
وأخيرا علق صاحب الرواية على النقاد بقوله أن الرواية الناجحة هي تلك التي تثير الأسئلة وتحتمل القراءات المتعددة، واعتبر أن روايته إنسانية بالدرجة الأولى ولا يجب التعامل معها على أنها سياسية .