المذاهب المصرية تعبر عن الوسطية فموقع مصر الجغرافي الذي يتوسط العالم جعل لسكانها توسط في كل شيء.وقد كان الغزاة يأتونها فما هي إلا فترة وجيزة ثم تصبغهم مصر بصبغتها المتميزة. وقد حدث ذلك مع كل الديانات والمذاهب والأفكار وقد تبدأ الفكرة متشددة متطرفة ثم لا تلبث أن تنطبع بوسطية مصر وبوسطية شعبها. والمتتبع لفكر القاعدة نجد أن أصوله ُتعزى للشيخ محمد بن عبد الوهاب وأن ابن لادن يعبر عن فكر يظنه يمثل مذهب أهل الحديث.واحتراما للأحياء والأموات فإن ابن لادن هو شيخ أمضى حياته باحثا ومقاتلا عن ما يظنه نصرا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وله أحباء من المسلمين وأهل وقربى لهم حقوق الإسلام علينا. والأمر بحث وليس انتصارا لمذهب أو فكر. وهو بين يدي الله وهو أعلم به. هذا الفكر حينما أتى إلى مصر وتلقفه بعض الإخوة من المتمذهبين بمذهب أهل الحديث لم يصلوا إلى اجتهادات ابن لادن . ولم يأخذ بفقه ابن لادن إلا القلة وبقي أغلب أهل الحديث بمصر يسلكون مسلكا دعويا لمذهبهم. ومن قبل ذلك لما ُعرض مذهب الفاطميين على المصريين وأراد أن يفرضه الفاطميون على المصريين اعتنق المصريون مذهب الأشاعرة هروبا من المذهب الفاطمي الشيعي على يد صلاح الدين الأيوبي . ومن قبل حين جاءنا الإمام الشافعي إلى مصر فكتب مذهبه الجديد تأثرا بأحوال مصر وعادات شعبها . ولقد توسط أهل مصر بين الشيعة بالرغم من حبهم لأهل البيت وبين من يحملون على آل البيت ووقفوا موقفا شديدا ممن يسبون السيدة عائشة والصحابة رضوان الله عليهم . ولعل الشيخ ابن تيمية من أوضح الأمثلة فالمصريون يذكرون له جهاده للتتار تحت إمرة الإمام ويأخذون عليه تفرده في بعض الفتاوى . فالمصريون متوسطون حتى حين تطرفهم فيتوسطون في التطرف. وعند نشأة الإخوان تصور البعض أنهم يشبهون إخوان الجزيرة العربية فكانوا مختلفين فهم دوما يختارون الموادعة والمسالمة . ولعل البعض يستعجب من أن إخوان مصر يختلفون عن إخوان سوريا يختلفون عن إخوان العراق وهذا ليس تحزبا للمصريين إلا أنه واقع للدارس. وكثير من الإخوان كان يستغرب للشيخ عبد القادر عودة حين سحب الإخوان من أمام عبد الناصر فأُعدم بعدها . وأن الإخوان لم يثوروا ثورة مسلحة فتلك طبيعة شعب مصر فشعب مصر يكره سفك الدماء . حتى ما حدث في ثورة 25 يناير يدلك على شعب مصر وانظروا إلى ليبيا وسوريا واليمن . وانظروا إلى جيوشهم ماذا فعلت وانظروا إلى جيشنا . حتى الفكر الاشتراكي الذي سوق له عبد الناصر وبصمة المصريين عليه وانظروا إلى غيرنا من الشعوب التي حاولت أن تكون اشتراكية. وبالرغم من أن الأزهر أشعري المذهب في الأصول إلا أنه يدرس جميع المذاهب والدولة المصرية يؤسس فيها جمعيات تتبع مذهب أهل الحديث في الأصول. إن الشعب المصري قادر على استيعاب جميع المذاهب والرؤى والآراء وصبغها بصبغته المعتدلة فلا خوف على مصر. وأحب أن أُطمئن المصريين كل المصريين أن الضمان لوحدة مصر وعدم تقسيمها هو شعبها الذي ظل متماسكا على مر السنين. قد يتشكك البعض من الإخوان أو السلفيين فاعلموا أنهم منا ونحن منهم وكل منا حريص على خصوصيته الفكرية والمذهبية إلا أن وحدتنا هي ضماننا للمستقبل وبغيرها لا مستقبل للرأي أو مذهب أو رؤيا. وإن مذهب مصرهو الوسطية والاعتدال وأذكر قول الله تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}البقرة143.