الرجل الذي اضطهده النظام منذ حكم بورقيبة مرور بالرئيس الهارب زين العابدين بن علي، ومنع من الظهور على وسائل الإعلام المختلفة.. يقف حالياً لجني ثمار المعارضة التي استمرت عدة سنوات للخروج بتونس من حكم الديكتاتورية وحماية الثورة من النكسة، وأصبح اسمه الآن من أبرز الأسماء المرشحة لتولي رئاسة الحكومة، فقد احتل ترشيح المعارض التاريخي للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة "المستيري" موقعا مهما في المشاورات التي تشهدها الساحة التونسية حاليا لتشكيل الحكومة، نظراً لما يتمتع به من شخصية توافقية وطنية مستقلة تستطيع تحقيق إجماع وطني حولها من قبل مختلف التيارات السياسية والفكرية والحقوقية. المستيري في سطور
ولد أحمد الطاهر المستيري في الثاني من يوليو لعام 1925 بضاحية المرسى، وهو ينتمي إلى عائلة ثرية من كبار الملاكين العقاريين المرتبطين لمدينة تونس، وخلال الفترة من العام 1944 وحتى العام 1948 درس الحقوق بالجزائر، كما التحق بمعهد الدراسات السياسية، وحصل علي الإجازة في الحقوق من، وبدأ الانخراط في الحياة العملية في العام 1948 وعمل بمهنة المحاماة في تونس العاصمة.
بدأ المستيري الخوض في الحياة السياسية في العام 1950 كعضو جامعة تونس للحزب الدستوري الجديد، وأصبح يتعاون مع كل من الباهي الأدغم والهادي نويرة في جريدة ميسيون الأسبوعية الناطقة بالفرنسية، وبدأ نشاطه الفعلي بالحزب في يناير 1952 حينما دخل الديوان السياسي السري للحزب وبدأ الدفاع عن المناضلين الوطنيين أمام المحاكم المدنية والعسكرية الفرنسية، وكان ذلك السبب في محاولة اغتياله من قبل المنظمة الإرهابية المسماة اليد الحمراء.
وكان اعتراضه علي بعض سياسات أحمد بن صالح رئيس الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم آنذاك، هي السبب في طرده من الديوان السياسي به في 29 يناير 1968، ولكن بمجرد إزاحة بن صالح عاد مرة أخرى للديوان في 23 أبريل 1970.
الصعود السياسي
بدأ الدخول في الهيكل الحكومي لبلاده من خلال شغله منصب مدير ديوان وزير الداخلية المنجي سليم في أغسطس 1954، وفي أول حكومة شكّلها الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال في 14 أبريل 1956 سمي المستيري على رأس كتابة الدولة (أي وزارة) العدل، وكان له مساهمات بارزة في الجهاز القضائي، وفي تحرير القوانين الجديدة ومن ضمنها مجلة الأحوال الشخصية، وبعد فترة قليلة أصبح ممثلاً لبلاده في مجلس الأمن للأمم المتحدة إثر النزاع مع فرنسا في إطار قصف ساقية سيدي يوسف في 8 فبراير1958.
وأصبح المستيري وزيراً للمالية والتجارة في العاشر من ديسمبر 1958، وكان إبرام الاتفاقيات مع فرنسا وإصدار عملة جديدة "الدينار التونسي" أبرز اهتماماته في تلك الفترة، وفي العام 1960 سمي سفيراً في الاتحاد السوفييتي ثم في الجمهورية العربية المتحدة عام 1961، ثم في الجزائر عام 1962، وفي 24 يونيو 1966 عاد إلى تونس وتولى منصب وزير الدفاع، ثم انتقل لتولي حقيبة أخرى وشغل منصب وزير الداخلية، ولكنه سرعان ما استقال من منصبه في 21 يونيو 1971 لعدم وفاء الرئيس بورقيبة بوعوده بشأن الانفتاح السياسي، وفي العام ذاته انتُخب في اللجنة المركزية للحزب الحاكم، ولكن تخوف بورقيبة من سيطرة الليبراليين أدى إلى طرد المستيري من الحزب نهائياً في 21 يونيو 1972، كما طرد من البرلمان في العام التالي بعد أن كان عضواً فاعلاً به منذ الاستقلال .
لم يستسلم المستيري بمجرد طرده من الحزب، ولكنه أسّس في العام 1978 حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وتولى أمانتها العامة، وفي العام 1981 شارك حزبه في أول انتخابات تعددية انتهت بالإعلان عن فوز ساحق للحزب الحاكم، وقد كشف أكثر من مسئول فيما بعد أن تلك الانتخابات وقع تزويرها.
وكانت مشاركته في مظاهرة مندّدة على العدوان الأمريكي على ليبيا في أبريل 1986السبب في إيقافه وسجنه وإخضاعه للإقامة الجبرية.
مبادرة وطنية
كان له موقفٌ بارزٌ عقب قيام الثورة التونسية، فقد دفعته فرحته بسقوط النظام الديكتاتوري البائد إلى إطلاق مبادرة «المجلس الوطني لتأطير الثورة» بهدف حماية الثورة وأهدافها ومطالبها، والخروج بها من المرحلة الحرجة ووصولها إلى مرحلة آمنة تتسم بالديمقراطية والحرية.
وتعرض إثر إطلاقه هذه المبادرة للعديد من الاتهامات بشأن رغبته في الوصول للحكم لأنه ظل صامتاً طوال 23 عاماً ولم يتحدث إلا بعد اندلاع الثورة وسقوط نظام بن علي، ولكنه واجه تلك الاتهامات بجرأة معبراً عن أنه كان ممنوعاً من الكلام والحديث، ولم تكن هناك وسيلة إعلام تونسية واحدة تقوم بنقل آرائه، نظراً للقيود التي وضعها " بن علي" على حرية الإعلام والنشر . ترشحه لرئاسة
في بداية المشاورات التي شهدتها الساحة التونسية لتشكيل الحكومة، كان المستيري مجرد اسم تم إدراجه في قوائم المرشحين، ولكن في الأيام القليلة الماضية أصبح محوراً للخلاف والجدل بين قوى التحالف الثلاثي الموكل إليها مهمة اختيار رئيساً للبلاد، ففي الوقت الذي يتمسك فيه حزب النهضة الإسلامي برئيس الحكومة المؤقتة الحالي الباجي قايد السبسي، أبدي كل من حزبي المؤتمر والتكتل اعتراضهما على ذلك مدعومين بأطراف سياسية وحقوقية أخرى، ترى أن السبسي قام بدوره في ضمان الوصول بالبلاد إلى انتخابات حرة و نزيهة، ويطرحون اسم "المستيري" بشدة لتولي الرئاسة.