انقسم سياسيون وخبراء أمريكيون حول الإعلان عن الاتفاق المبدئي بشأن الملف النويي الإيراني، الذي أعلن عنه أمس الخميس، بعد أشهر من المفاوضات الصعبة. ولم يكن الانقسام هذه المرة بين الجمهوريين والديمقراطيين كما جرت العادة لكنه بدا واضحًا داخل حزب الإدارة الأمريكية (الديمقراطي) نفسه. ومساء أمس، أعلن مسؤولون غربيون التوصل في لوزان السويسرية، إلى اتفاق على خطوط عريضة مع إيران، يمهد لاتفاق نهائي، ويشمل رفع للعقوبات (لم يتبين بعد آلياتها)، وتعليق عمل أكثر من ثلثي قدرات التخصيب الإيرانية الحالية ومراقبتها 10 سنوات. رئيس مجلس النواب الأمريكي وعضو الحزب الجمهوري عن ولاية أوهايو، جون بينر، قال إن "أساس الاتفاقية النهائية قد مثّل ابتعادًا عن الأهداف المبدئية للبيت الأبيض". وأضاف بينر، الذي كان قد زار كلاً من إسرائيل والسعودية قبل أيام،: "تظل مخاوفي على المدى البعيد من أسس هذه الاتفاقية المحتملة ولكن ما يقلقني حاليًا هو تلويح الإدارة بأنها ستقدم تخفيفاً للعقوبات على المدى القريب". وأوضح أن زيارته للشرق الأوسط قد "جعلت مخاوفي تتنامى من جهود إيران لنشر الاضطرابات والعنف الوحشي والرعب". بينما قال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ وممثل ولاية نيفادا، هاري ريد، إنه "متفائل بحذر من إطار العمل هذا"، داعيًا إلى "اليقظة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي" إلا أنه لفت إلى أنه "حل دبلوماسي، هو بدون شك، المفضل بشكل ساحق على غيره من البدائل". ودعا في الوقت نفسه إلى التريث و"تدقيق التفاصيل ومنح هذه العملية الفائقة الأهمية الوقت لتبدي فاعليتها". وبلغ الأمر انقسامًا واضحًا داخل حزب الإدارة الأمريكية الديمقراطي وهو ما تمثّل في تصريحات عضو مجلس الشيوخ، روبرت مينانديز، (ممثل الحزب الديمقراطي عن ولاية نيوجرسي) والذي يدعم مسودة قانون يفرض على الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عدم رفع العقوبات عن إيران قبيل اطلاع الكونغرس على نص الاتفاقية التي تتوصل إليها الولاياتالمتحدة مع إيران في 30 يونيو/ حزيران القادم ومنح الكونغرس فترة 60 يومًا لدراسة بنودها. منينديز، الذي يواجه تهمًا بالفساد الإداري من قبل محكمة أمريكية، قال، في بيان له عقب الإعلان عن التوصل لاتفاق مع إيران، إن "أفضل النتائج ستكون صفقة جيدة تنتهي بمنع برنامج إيران غير المشروع للأسلحة النووية وهذا يتطلب نهجًا قويًا وموحدًا ومتفقًا عليه بين كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) ومن الإدارة والكونغرس". فيما قال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الجمهوري بولاية تينيسي، بوب كروكر، شريك منينديز في مسودة قانون مراجعة الاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015 والذي يفترض تقديمه للتصويت في 14 أبريل/ نيسان الجاري، إنه من المهم أن ننتظر لنرى التفاصيل المحددة للاتفاق. وأضاف: "رغم انتهاء مجموعة 5+1 من العمل من أجل اتفاقية نهائية، فعلينا أن نبقى يقظين فيما يتعلق بمقاومة إيران لتقديم تنازلات والتاريخ الطويل من النشاطات السرية المتعلقة بالأسلحة النووية ودعم الإرهاب ودورها الحالي في زعزعة استقرار المنطقة". ومن السياسيين إلى خبيرين أمريكيين التقتهما الأناضول، اختلفا في نظرتهما للاتفاق، فبينما عده أحدهما "نصرًا للدبلوماسية"، وصفه الثاني على أنه "خطة غير جيدة". وقال المستشار الخاص لمعهد الولاياتالمتحدة للسلام (حكومي تابع للكونغرس)، دانييل برومبرغ، إن "ما حدث قد لا يكون معلمًا ولكنه انتصار للدبلوماسية بكل تأكيد، البديل كان يمكن أن يكون انهيار العملية واحتمال اللجوء إلى القوة المسلحة وصراع عنيف". واعتبر إعلان مجموعة 5+1 وإيران "هو خطوة إيجابية، وأعتقد أنها ستجعلهم (المتفاوضين) يبذلون جهدهم للتوصل إلى اتفاق كامل في نهاية يونيو (حزيران)". ورأى أن غموض لغة الاتفاقية سيساعد كلاً من وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، ونظيره الإيراني، جواد ظريف، للعودة إلى بلدانهم والظهور بمظهر المنتصرين "ولو تطرقنا للغة العقوبات التي تظل غامضة في بعض الاعتبارات إلا أنها تكفي ظريف ليعود إلى بلاده ويقدمها على أنها انتصار كبير". وأوضح أن الإدارة الأمريكية ستكون "قلقة وذلك بسبب موقف إسرائيل وموقف السعودية اللتين غير سعيدتين بهذه العملية برمتها، وفي بعض النواحي فإن الكابيتول هيل (الكونغرس الأمريكي) ربما يكون أقل سروراً من الإسرائيليين أنفسهم". ووفقا لوكالة " الأناضول"، توقع برومبرغ أن الاتفاقية التي يفترض التوصل إليها نهاية يونيو/حزيران "ستواجه بعض المقاومة، لكن عندما يكون لديك حلف دولي من البلدان تجلس على الطاولة، مثل تلك التي فاوضت على هذا الاتفاق، عندما يكون لديك إجماع ولديك روسيا والصين وفرنسا وألمانيا وكل الباقين الذين يدعمون هذا الاتفاق فعندها يمكنك صنع ساحة دولية يصعب تجاهلها". وأشار إلى أن هناك الكثير من أعضاء الكونغرس الساخطين على تفاوض الإدارة الأمريكية وقرارها برفع عقوبات إيران، مضيفًا: "يرون العقوبات ليست آلية يمكن إزالتها من خلال التفاوض على اتفاق ولكن كآلية لإضعاف إيران وإما وسيلة لتغيير النظام أو تمهيداً لمواجهة عسكرية". وقدر الخبير الأمريكي إمكانية إسرائيل في تحرك عسكري ضد المفاعلات النووية الإيرانية بالقول: "أعتقد أن لديهم خيارات قليلة، فبدون دعم أمريكي، لايمتلكون الذخائر الكافية للحصول على النتيجة التي يريدونها لذا فلا يتبقى لهم سوى خيار مهاجمة الاتفاقية". بدوره، أبدى مدير مركز دوغلاس وسارة اليسون لدراسة السياسة الخارجية في مؤسسة هيرتيج (مستقلة)، جيمس كارافانو، امتعاضه من الصفقة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي أمس الخميس، قائلا: "أنا غير متأثر تماماً (بالصفقة مع إيران)، يبدو أنهم عقدوا الصفقة للحصول على صفقة فقط والتي يفترض بها أن تتعامل مع منع إيران من التحول إلى قوة نووية وأن لا تتحول إلى تهديد لجيرانهم". وانتقد كارافانو الرئيس الأمريكي لكون طروحاته دائماً ما تركز على الدبلوماسية أو الحرب "أن فكرة ألا يكون لديك عناصر من القوى الوطنية لمساعدتنا على التصدي للنظام الإيراني هو ضرب من الجنون". وتوقع أن يستشعر الإيرانيون تراخي المواقف الأمريكية، قائلا: "عندما يشعرون بأنهم حصلوا على إذن بالخروج من السجن (رفع العقوبات)، عندها سيكونون أكثر عدائية وطموحين بشدة أكبر". وسخر الخبير في الشؤون الخارجية لكون "الإدارة الأمريكية قد قلبت الغرض من العقوبات ليصبح أداة لإجبار إيران على التفاوض على اتفاقية بينما أن الغرض الأساسي من العقوبات هو معاقبة النظام (الإيراني) ومنعهم من القيام بعمليات خطيرة، لذا فهم (الإدارة الأمريكية) نوعاً ما قد قلبوا العقوبات رأساً على عقب"، مشيرًا إلى أن "الكونغرس الأمريكي سوف لن يتدخل قبل الانتهاء من الاتفاقية بشكل كامل في نهاية يونيو القادم".