الحرية قيمة من القيم الانسانية التي وهبها الله تعالى للانسان وكرمه عز وجل بها عن سائر المخلوقات , وبحسب الاصل حرصت جميع القوانين والنصوص الدستورية على حماية هذه الحرية وكفلت ضمانة صيانتها وتجريم الاعتداء عليها , الا انه خروجاً على هذا الاصل نظم القانون الحبس الاحتياطى فعلى الرغم من ان الحبس الاحتياطي يتنافى مع مبدأ "الاصل فى الانسان البراءة" , ويقيد مبدأ الحرية الشخصية الا ان وجوده ضرورة قد تكون هذه الضرورة مكروهة الا انها واجبة الوجود , حيث انه عند التحقيق فى جريمة ما ، قد تشير هذه التحقيقات الى ان شخص بعينه هو من ارتكب هذه الجريمة , اذن لابد حينها من وجود ضمانة لحماية هذه المؤشرات فى التحقيقات وهذه الضمانة لا مفر من انها ستكون "الحبس الاحتياطي" ذلك حتى لا تطال اصابع المتهم مؤشرات التحقيقات وتغير معالمها . إذن فالحبس الاحتياطي ليس وسيلة عقاب انما وضعه المشرع لحماية ضمانات التحقيق وبمجرد الإنتهاء من التحقيقات يستوجب فوراً اخلاء سبيل المتهم لانتهاء الضمانة التي شرع من اجلها . اذن فالاشكالية التي امامنا هي كيفية الموازنة بين ضمانات التحقيق وحريات الافراد ، وحيث انه لا مفر من ضرورة الحبس الاحتياطي , فكان لابد من تنظيم وتقنين هذه الضرورة حتى لا تعارض مبدأ البراءة ، لذلك فان التعديل الاخير الذي جرى على تنظيم الحبس الاحتياطي يبعد عن الصواب كثيراً , كما تابع الاستاذ احمد عبدالله المحامي بالاستئناف العالى ومجلس الدولة والباحث فى العلوم القضائية مؤكداً انه وفقا لمبدأ "الاصل فى الانسان البراءة" والمفترض توافره فى اي انسان فكما تخبرنا نصوص الدستور ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته ، ولكن قد تثار مشكلة تطبيقه بمناسبة التحقيق في جريمة ما ، وقد تشير الدلائل الاولية الى الظن بأن فلان هو من ارتكب هذه الجريمة . وقد ترى النيابة أو جهة التحقيق مبررات تتأرجح تقديرياً بين الخطأ والصواب حيث تقرر من خلالها حبس المتهم بالجريمة احتياطيا على ذمة التحقيق . وفى بعض الاحوال يتضح بعد قطع شوط من التحقيقات او حتى اثناء مرحلة المحاكمة ان الشخص المحبوس احتياطيا ليس الجاني الحقيقي فيكون المحبوس احتياطيا فى هذه الحالة قد سلبت منه حريته دون ان يقترف ذنبا واحدا , ولكن قاده حظه العسر لان يكون موضع اتهام . بذلك يجب توافر مزيد من الضمانات والضوابط لممارسة سلطة الحبس الاحتياطي بهدف حصر نظامها من حيث التطبيق فى اضيق الحدود الممكنة بما يكفل الموازنة بين مصلحة التحقيق وصيانة امن المجتمع من ناحية وبين الحقوق والحريات الفردية من ناحية اخرى . وفقا للقانون مادة رقم 145 لسنة 2006 فان الحبس الاحتياطي يقتصر نطاقه على الجنايات بصفة عامة والجنح متى توافرت شروط واوضاع معينة , اما المخالفات لا يجوز الحبس الاحتياطي بشأنها . وعلى صعيد آخر تقوم فكرة الحبس الاحتياطي على مبررات اهمها : - الخشية من عبث المتهم بادلة الثبوت او الاثبات والخوف من هروب المتهم . والجدير بالذكر ان هذا القانون قد حدد الحد الاقصى لمدة الحبس الاحتياطي حسب الجهة التي أصدرت قرار الحبس ، كما تحدد مدته حسب نوع العقوبة ، فكانت اقصى مدة سنتين بالنسبة للجرائم المعاقب عليها بالسجن المؤبد والاعدام الا انه قد صدر قرار جمهوري بقانون برقم 83 لسنة 2013 أثناء فترة حكم الرئيس السابق عدلى منصور حيث اجاز من خلاله لمحكمة النقض او لمحكمة الاحالة – الجنايات – اذا كانت العقوبة الاعدام او السجن المؤبد ان تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة 45 يوم قابلة للتجديد دون التقيد بحد اقصى . وقد انتقد حقوقيون ومختصين بحقوق الانسان هذا التعديل الاخير حيث انه يمس بحريات الانسان . كما يرى جانب اخر ان هذا التعديل مطلوب لانه يبرر الحبس الاحتياطي فى جرائم شديدة عقوبتها الاعدام فيعد ذلك ضمانة للتحقيق . كما تابع عبد الله مؤكداً من جانبه انتقاد هذا الرائ المؤيد حيث ان الجرائم شديدة الوطئة والخطورة ينبغي فيها على النيابة العامة سرعة انجازها وتقديمها للمحكمة وينبغي على المحكمة سرعة انجازها والفصل فيها طبقا لمبدأ العدالة الناجزة حتى يتحقق الهدف من الردع العام وتحقيق القصاص العادل . ان المشكلة الحقيقة فى ضرورة وجود الحبس الاحتياطي ليست وجوده إنما الطريقة التي يتم التطبيق بها والآثار الناتجة عن هذا التطبيق ، فلا يمكن اغفال كم الاضرار النفسية والاجتماعية التي يسببها الحبس الاحتياطي والتي لا تقع على من صدر بحقه فقط , بل تلحق هذه الاضرار باهله سواء من الحالة المادية والاقتصادية او من حيث سوء السمعة التي قد يتسبب فيها نتيجة حبسه . واذا جئنا للطريقة فنجد ان المحبوس احتياطيا لا فرق بينه وبين المحكوم عليه ، فكلهم فى اماكن احتجاز واحدة مما يزيد من حجم الاضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن الحبس الاحتياطي . كما انه من ضمانات العدالة وسيرها ان يكون هناك ضمانات لسير التحقيقات حتى تأخذ العدالة مجراها من كل مجرم ، وانما ذلك فى اطار احترام حريات الافراد وعدم انتهاكها ، ومن منطلق ذلك لابد وان يعيد المشرع نظرته فى التعديل الذي جرى ومناقشة الحبس الاحتياطي مناقشة موضوعية بين فقهاء القانون الاكفاء حتى نتأتي بالموازنة المطلوبة بين ضمانات التحقيق وحريات الافراد .