استوطن الحزن قرية "العور" المصرية، وأصبح الفكاك منه أمرا بعيد المنال، بعد أن فقدت القرية الواقعة في محافظة المنيا وسط البلاد، 13 من شبابها على أيدي تنظيم "داعش" في ليبيا. ودع الفرح "العور"، وامتلأت شوارعها بنحيب وعويل، يقطعه بين فنية وأخرى لحظات من الصمت لاستقبال معزين بينهم مسئولين كبار في الدولة. وفي كنيسة "مار مرقس" بالقرية، يصدح الصراخ والبكاء من سرادق عزاء السيدات المكلومات من أقارب القتلى، وعدد من ضيوفهن ممن قدموا من كل حدب وصوب لتقديم واجب العزاء في شباب نحرت رقابهم على مرأى ومسمع من الجميع. وكان الصمت ضيفا ثقيلا على عزاء الرجال الذين جلسوا منكسوا الرؤوس، ربما لاستحضار لحظة سيق فيها أحباءهم إلى الموت بسكاكين "داعش"، حسب مراسل "الأناضول" الذي حضر العزاء، وقال إن السرادق امتلأ بالمسلمين والأقباط ممن أرادوا المواساة في المصاب الأليم. فيما أقعد الحزن عدد من أسر القتلى، فلم تحملهم أقدامهم إلى الكنيسة لتلقي العزاء، ومكثوا بمنازلهم في حاله لا يرثي لها. ومن فراشه، تحدث سمير مجلي (45 عاما)، وهو والد أحد الضحايا، بعدما خانته قدماه ولم يستطع التحرك، مرددا اسم ابنه "جرجس". وأضاف في حديث ل"الأناضول"، قطعه كثيرا صوت نحيبه: "الشهيد سافر أكثر من مرة لدولة ليبيا للعمل هناك خلال ال4 سنوات الماضية، واتى إلى القرية خلال هذه الفترة مرتين". وتابع: "هو ولدي الكبير ومن يعاونني في الإنفاق على شقيقيه، وهما طالبان بالتعليم الجامعي"، متابعا: "جرجس سافر كغيره من الشباب، نظرا للبطالة التي تضرب قرى مدينة سمالوط (تتبعها العور)". ولفت الأب المكلوم إلى أن أبنه "كان يقص علي العائلة في كل إجازة معاملة أهل ليبيا له وما يكنوه من ود وحب للمصريين حتى أن أكثر من 90%من شباب القرية كان يسافر إلي ليبيا للعمل بها"، إلا أنه استدرك قائلا: "في إجازته الأخيرة، قرر جرجس أن يسافر إلى ليبيا للمرة الأخيرة بعد ما تردد عن وجود جماعات إرهابية مسلحة هناك، أملا في جمع بعض المال وإتمام زواجه". وختم مجلي باكيا "دفع حياته ثمنا للقمة العيش". أما منزل إبراهيم عياد (22 عاما)، فعمه الحزن والنحيب، لأن عائلته فقدت 7 من شبابها على أيدي "داعش"، منهم شقيقين هما بيشوي اسطفانوس كامل (26 عاما)، وصموءيل (22 عاما). وقال إبراهيم بصوت أقرب للبكاء إن إعدام عدد من شباب القرية في ليبيا "حدث لأنهم أقباط"، قبل أن تتساقط الدموع من عينيه ويستطرد قائلا: "أخي سافر ليجمع نفقات زواجه فأصبح عريس السماء.. كل ما يحدث من عزاء وضربات جوية لن يعيد إلينا الضحايا". أما اسطفانوس كامل (50 سنة) الذي فقد 2 من أبنائه هما بيشوي الابن الأكبر وصموءيل، فيعاني من صدمة كبيرة أفقدته الوعي وتم نقله للمستشفى لتلقي العلاج. من جانبه لفت إيهاب رمزي محام وناشط قبطي، في تصريحات للصحفيين إلى "ضرورة توطيد العلاقات المصرية مع القبائل الليبية ومد جسر جوي وبري لحماية المصريين في ليبيا، وتمكينهم من العودة للوطن، فضلا عن حظر السفر لدولة ليبيا لحين استقرار الأوضاع بها". إلى ذلك شهدت قرية العور، زيارات لكبار المسئولين بالدولة المصرية من أجل تقديم واجب العزاء، فقدم رئيس الحكومة إبراهيم محلب، ووزير الداخلية محمد إبراهيم، ووفد حكومي العزاء، يوم الاثنين، ووعد محلب ببناء كنيسة تقديرا للضحايا. في السياق ذاته، قالت الكنيسة المصرية في بيان: "في زيارته لايبارشية سمالوط لتقديم التعزية إلي الأنبا بفنوتيوس وأسر الشهداء، قدم إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء تصريح صادر من رئاسة الجمهورية ببناء كنيسة على اسم الشهداء علي أن تتحمل الدولة تكلفة البناء"، دون أن يذكر موقعها. واعتبرت الكنيسة أن هذه الخطوة "لفتة تاريخية وتقديرا من الدولة لشهداء الوطن"، مشيرا إلى أن "محلب كان قد استقبل أهالي الشهداء بمقر مجلس الوزراء يوم الجمعة الماضي وقرر إصدار معاش استثنائي لكل أسرة وكذلك منحهم حق التمتع بالتأمين الصحي". وأظهر تسجيل مصور بثه موقع تشارك الفيديوهات "يوتيوب" مساء الأحد، إعدام تنظيم "داعش" في ليبيا 21 مسيحيا مصريا مختطفا ذبحا. وإثر ذلك، أعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الحداد العام رسميًا في البلاد لمدة 7 أيام، وسط إدانات عربية ودولية للحادث. وأعلن الجيش المصري، صباح الاثنين، توجيه ضربة جوية "مركزة" ضد أهداف لتنظيم "داعش" بليبيا، ردا على مقتل 21 مسيحيا مصريا على يد عناصر تنظيم "داعش" في ليبيا.