قال شارل رزق الذي كان وزيرا للعدل في الحكومة اللبنانية التي أقرت إنشاء محكمة دولية خاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، إنه لولا اللجوء إلى المحكمة الدولية لما كان القضاء اللبناني قادرا على محاكمة قتلة الحريري. ورأى رزق، في مقابلة خاصة مع وكالة "الأناضول" بمناسبة الذكرى العاشرة لاغتيال الحريري في انفجار ضخم هز بيروت ظهر يوم 14 فبراير/ شباط 2005، إن الحريري قتل لأنه "صاحب قضية كبرى ذات أبعاد اقليمية ودولية"، ووصف اغتياله بأنه "زلزال" ما زال اللبنانيون يعيشون تردداته بعد مرور 10 سنوات عليه. ووافقت الحكومة اللبنانية، التي كانت تسيطر عليها قوى "14 آذار" المناوئة للنظام السوري، في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 على مشروع الاتفاقية بين لبنانوالأممالمتحدة القاضية بإنشاء محكمة ذات طابع دولي خاصة بقضية اغتيال الحريري وعدد من مرافقيه والمواطنين اللبنانيين، ومشروع النظام الأساسي المتعلق بها، وذلك على الرغم من مقاطعة وزراء "حزب الله" و"حركة امل" الشيعيين للحكومة اعتراضا على ذلك. وفوضت الحكومة وزير العدل في حينه شارل رزق على التوقيع على الاتفاقية مع الأممالمتحدة. وأصدر مجلس الامن الدولي في 30 مايو/ أيار 2007 القرار رقم 1757 الذي نص على إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. وكانت لجنة التحقيق الدولية اشارت في تقارير لها الى احتمال ضلوع مسؤولين أمنيين سوريين ولبنانيين في اغتيال الحريري، في عملية أرغمت تداعياتها دمشق على سحب قواتها من لبنان بعد تواجد استمر 29 عاماً، وذلك في 26 أبريل/نيسان 2005. وقال رزق إنه لم تكن هناك أي معرفة شخصية أو سياسية بينه وبين الحريري قبل اغتياله، وأضاف "الحريري لم يكن بالنسبة لي رئيس حزب او حكومة ولم أعرفه إلا شهيدا". وأردف بأنه عيّن وزيرا بعد اغتيال الحريري، لكن "هذا الاغتيال، واستشهاد الحريري خاطبني وكان تحديا بالنسبة لي: من يحاكم المجرمين؟ هل يمكن لجريمة بهذا الحجم ان تكون بلا محاكمة؟". واستدرك قائلاً: "أنا كوزير عدل كنت اعرف ان القضاء اللبناني غير قادر على هذه المحاكمة لان ليس لديه القوة والقدرة، ذلك انه لا يمكن ان يكون للقضاء القوة الا اذا كان محميا من الدولة، فكيف يكون هناك قضاء قادر اذا كانت الدولة غائبة كما كانت في تلك الأيام ولا تزال حتى اليوم؟". وأشار رزق إلى أنه كوزير للعدل آنذاك "كان همه ومهمته ايجاد المحكمة الصالحة او القادرة لمحاكمة هؤلاء (المجرمين) لذلك لجأنا الى المحكمة الدولية، وانا اسارع الى القول اني لا اعتبر المحكمة الدولية مثالية وإلهية لكن على علاتها اظن انها افضل من اللا محكمة المحلية". وردا على سؤال حول اعتبار بعض الاطراف السياسية في لبنان ان انشاء هذه المحكمة واستدعاء مسؤولين لبنانيين للشهادة فيها هو انتقاص من السيادة اللبنانية، قال "صحيح أن المحكمة بأساسها هي انتقاص للسيادة الوطنية اللبنانية لكن هي نتيجة حتمية وموضوعية لتبخر السيادة اللبنانية لأسباب أخرى لا علاقة للمحكمة بها". وأوضح أن "المحكمة أتت فقط لتسد فراغ القضاء اللبناني وهذا الفراغ بدأ سنة 1975(بدء الحرب الاهلية اللبنانية حتى 1990)، وأكرر بأنه لا وجود للقضاء اذا لم يكن هذا القضاء محمياً". ورأى رزق أن "الدولة (في لبنان) متبخرة.. الدولة اللبنانية دولة ناقصة وأحد أدلة هذا النقص هو ضرورة انشاء محكمة خارجية تكون في الخارج وتكون محمية أكثر من القاضي اللبناني المسكين إذا ترك الأمر له. لذلك قلت حين لجأت إلى المحكمة الدولية كوزير للعدل وكمسؤول، فعلت ذلك لأحمي القضاء اللبناني الذي كان مكشوفا". وحول مساندته لإنشاء محكمة دولية بينما كان يعارضها النظام السوري وحلفائه في لبنان وذلك على الرغم من خطر تعرضه للاغتيال نتيجة ذلك، قال: "أنا كرجل سياسي قبلت هذه المهة، كل مسؤول متى خاف ليتنحى ويعود الى منزله". ولفت إلى أنه ليس مخولا بإيجاد أسباب اغتيال الحريري بل الأمر منوط بالمحكمة الدولية، لكنه أوضح: "اعرف أن الحريري استشهد وطبعا لم يستشهد لأسباب شخصية بل لأسباب كبيرة، أسباب سياسية تتناول لبنان وخارج لبنان لأن الرجل كان يحمل قضية كبرى لها أبعاد لبنانية وإقليمية ودولية". ووصف هذه الجريمة بأنها "طبعا سببت هزة ارضية وزلزالا كبيرا وهذا الزلزال لا نزال اليوم بعد 10 سنوات نشعر به وبارتداداته ومن هنا تاتي أهمية المحاكمة". لكنه لفت إلى أنه لا وقت متوقع لانتهاء المحاكمات، مضيفا ان "المحكمة الدولية معروفة ببطئها". وأوضح الوزير السابق ما وصفها ب"حسنات" بطء المحاكم الدولية، بالقول إن "الفرق كبير بين وضع المحكمة اليوم أي الجو الذي يحيط بها وبين الدور الذي أحاط بها عند نشوئها. أكثر من ذلك أنا اقول بأن الذين انتقدوا المحكمة ورفضوها هم اليوم يقبلونها. قد لا يعلنون ذلك لكنهم عمليا وضمنا قبلوها. انت تعرف ان الحكومات اللبنانية التي شكلت بعد الحكومة التي كنت انا فيها وزيرا للعدل وانشأت المحكمة الدولية، موّلت المحكمة وكانت هذه الحكومات تضم بين أعضائها فئات سياسية كانت ترفض المحكمة في البداية بدءا بحكومة الرئيس (نجيب) ميقاتي التي كانت تتأثر كثيرا بحزب الله، وحين تمول حكومة يتمثل فيها حزب الله المحكمة، ألا يعني ذلك اعترافه ضمنا بالمحكمة؟". وبدأت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ومقرها مدينة لاهاي في هولندا، وهي محكمة جنائية ذات طابع دولي عملها رسميا مطلع مارس آذار 2009 لمحاكمة المتهمين بتنفيذ اعتداء 14 فبراير 2005 الذي أدى إلى مقتل الحريري و23 شخصاً آخرين بينهم مرافقيه. وكانت المحكمة أصدرت في عام 2011 قرار اتّهام بحقّ أربعة أفراد ينتمون لحزب الله في اغتيال الحريري، وهم سليم عيّاش ومصطفى بدر الدين، وحسين عنيسي، وأسد صبرا. وفي سبتمبر/أيلول 2014، أصدرت قرار اتّهام جديد بحق عنصر خامس من حزب الله هو حسن حبيب مرعي لمشاركته باغتيال الحريري. ويرفض حزب الله تسليم المتهمين ويتعاطى مع المحكمة على انّها "أميركية-إسرائيلية ذات أحكام باطلة". وأضاف رزق "نحن نعرف جميعا ان المتهمين فيما لو ثبت أنهم الفاعلون وقد لا يثبت ذلك، لن يحضروا لأن المحاكمة محاكمة غيابية، وأريد أن أذكر أنني من أصرّيت على ادخال(نظام) المحاكمة الغيابية في نظام المحكمة، لأن النظام الذي اعتمد أولا جاء بناء على الانظمة الدولية والانكلوسكسونية التي لا تلحظ المحاكمة الغيابية أما المحاكم اللاتينية على النسق الأوروبي أو الفرنسي فهي تلحظ ذلك". وأوضح أنه "انطلاقا من معرفتنا بأن الفاعلين لن يحضروا وهم لم يحضروا، رأينا ان المهم رمزياً أن يصدر قرار لذلك كان اصرارنا على المحكمة الغيابية كما يحصل الآن. نعلم جميعا انهم لن يحضروا وحتى لو ثبت أنهم الفاعلون لكن المهم ان يصدر قرار وأن تفعل المحكمة شيئا". ولفت رزق إلى أهمية إنشاء المحكمة وإصدارها للاحكام في هذه الجريمة، مؤكدا أن "الامثولة الكبيرة والمغزى الكبير من انشاء المحكمة الدولية في قضية استشهاد الرئيس (رئيس الوزراء) الحريري هي إعادة ترميم ثقافة العدالة في لبنان لأننا فقدنا هذه الثقافة منذ بداية الحرب اللبنانية وما جرى خلالها من فظائع"، على حد قوله.