وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة اليوم الاثنين، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ عشر سنوات، يلتقي خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ويتوقع أن تثار خلال اللقاء ملفات هامة، أهمها الأوضاع في سوريا، وفي ليبيا، والتسوية الفلسطينية الإسرائيلية، ومكافحة الإرهاب، ومناقشة العديد من الملفات الاقتصادية التى يأتى فى مقدمتها ملف الغاز، والتعاون النووي، والاستثماري، بالإضافة إلى التعاون العسكري ، فضلا عن أهمية الزيارة لمصر في الجانب السياحي. تسارع الاتصالات وقبل الزيارة التاريخية اليوم، طرأ تسارع كبير وغير مسبوق في الاتصالات بين روسيا ومصر، منذ أن زار رئيس المخابرات العسكرية الروسي القاهرة أكتوبر 2013. وفي نوفمبر من العام نفسه، وصل وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان معا إلى مصر لأول مرة منذ بداية سنوات السبعينيات، وفي أعقاب ذلك، زار موسكو في فبرراير 2014 وزير الدفاع آنذاك والرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية نبيل فهمي، برفقة وفد عسكري رفيع المستوى. الموضوع المركزي الذي طرح في هذه الاتصالات هو تعميق التعاون العسكري بين الدولتين، وحسب تقارير عديدة بحثت في المحادثات أهمها صفقة سلاح كبرى بين الطرفين، بحجم 2 – 3 مليارات دولار. دعم عسكري ويفترض بالصفقة أن تتضمن سربين من طائرات ميغ 29، مروحيات ام.اي 35، منظومات دفاع جوي، منظومات صواريخ شاطئ ضد السفن وسلاح مضاد للدبابات متطور، ويفترض أن يأتي تمويل الصفقة من السعودية والإمارات في الخليج، حسبما يرى محللون سياسيون. ووفقا لتقارير إعلامية عدة فإن مصر ستمنح روسيا خدمات بحرية في ميناء الإسكندرية، يمكنها أن تشكل بديلا عن الخدمات التي تتلقاها روسيا في ميناء طرطوس في سورية، إذا ما سقط نظام الأسد، والعلاقات الموسعة كفيلة بان تتضمن أيضا التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، التدريبات العسكرية المشتركة والتعاون الفني، وفي مجال الاقتصاد، تجديد منظومة الكهرباء في سد أسوان. أسباب التقارب لا شك أن كثافة الاتصالات بين مصر وروسيا ترتبط بالتوتر الناشئ بين مصر والولاياتالمتحدة في الأشهر التالية لعزل مرسي. ففي مصر يوجد غضب شديد على الانتقاد العلني الذي وجهته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على إسقاط نظام الإخوان المسلمين فيما أسموه "انقلابا عسكريا" وعلى استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة تجاه النشطاء والمعارضين. وزاد إثارة غضب المصريين بشكل خاص قرار الإدارة الأميركية حينها تعليق جزء من المساعدة العسكرية إلى مصر، ولاسيما في الوقت الذي تكافح فيه قيادتها لصد موجة العمليات الإرهابية وفرض القانون والنظام، خاصة فى سيناء على الحدود الإسرائيلية الفلسطينية. قرار الإدارة الأميركية كان بمثابة الحل الوسط لأولئك الذين طالبوا– في الكونغرس أيضا– بتجميد المساعدات العسكرية لمصر وبين أولئك الذين حذروا من خطوات تمس بالمصالح الأميركية، بما في ذلك بالعلاقات بين مصر وإسرائيل، وهكذا قررت الإدارة تجميد قسم من المساعدات العسكرية لمصر بمبلغ 250 مليون دولار، وتأخير الإرساليات المخطط لها لبضع طائرات اف 16، مروحيات اباتشي، صواريخ مضادة للسفن وقطع غيار للدبابات – بموجب الحظر على منح مساعدة لدولة أطيح بزعيمها "بانقلاب عسكري" حسبما يرى ذلك نواب في الكونجرس الأمريكي. صفقة سلاح السؤال المهم الذي يطرحه المراقبون السياسيون هو، هل الاتصالات بين الدولتين ستولد صفقة سلاح كبيرة بينهما؟، إذا كانت هذه هي النتيجة بالفعل، فسيكون في ذلك تغييرا مهما في السياسة المصرية. فمنذ 1974 توقف توريد السلاح من الاتحاد السوفييتي إلى مصر، بعد أن انتقلت هذه من الاتجاه المؤيد للسوفييت إلى الاعتماد السياسي، العسكري والاقتصادي على الولاياتالمتحدة، بما في ذلك على السلاح الأميركي. وقرار النظام المصري الحالي– بعد أشهر طويلة من تسلمه الحكم– التوقيع على صفقة سلاح كبرى مع روسيا معناه انه يسعى إلى تغيير– وان كان بشكل محدود، ميزان علاقاته مع الدولتين العظيمتين، وان يوقف اعتماده الحصري على توريد السلاح من الغرب. فروسيا معنية بمثل هذه الصفقة، لأن ذلك يعد انجازا هاما سواء لمجرد عودتها إلى سوق السلاح في مصر، وتعتقد أن ذلك سيعطي دفعة قوية إلى الدول العربية التي تعتمد على سلاح غربي بأن صفقة السلاح مع روسيا جديرة وشرعية، ويمكن للصفقة بالتالي أن تشكل جسرًا متجددًا لنفوذ روسيا في العالم العربي، مثلما حصل أيضا في منتصف الخمسينيات. فائدة مشتركة وعلى ما يبدو ستكون متعلقة في ثلاثة مواضيع هامة، وفقا لما يراه محللون عسكريون. الأول، منذ الثمانينيات تقيم مصر علاقات عسكرية وثيقة مع الولاياتالمتحدة، وهذه تتضمن ليس فقط توريد واسع للسلاح إنما وأيضا تبني النظرية القتالية الأميركية، الإرشاد والتدريب للضباط المصريين، مناورات مشتركة وبناء علاقات شخصية بين الضباط من الجيشين. ومع انه بقيت في الجيش المصري منظومات سلاح من عهد العلاقات مع الاتحاد السوفييتي؛ إلا أن هذه هي أسلحة قديمة تعود إلى 40 سنة فأكثر، والجيل الحالي من الضباط المصريين لم يعد لهم علاقة بالمنظومة العسكرية الروسية، وبالتالي فإنه لن يكون سهلا إعادة استيعاب منظومات سلاح روسية بحجم حقيقي. أما الثاني فهو مالي، فالسلاح الأميركي يورد إلى مصر كجزء من المساعدات التي تقدم لها منذ بداية الثمانينيات، بينما روسيا لن تورد هذا السلاح في إطار المساعدة، ومصر غير قادرة في وضعها اقتصادي الحالي– على تمويل مثل هذه الصفقة بنفسها، لكن ذلك ووفقا لمحللين سياسيين فإنها مسألة مفتوحة هي هل السعودية والإمارات معنية بالفعل بتمويل الصفقة، لكن هناك توتر في العلاقات بين الدول الثلاث بسبب زلات الإعلام، حسبما أوردت ذلك مصادر رفضت الإفصاح عن هويتها. والثالث وهو الأهم، فالإدارة الأميركية لم ترد بعد علنا على إمكانية التوقيع على الصفقة، ولكن ينبغي الافتراض بأنها تنظر إليها باستياء شديد، لان توجه حليف مركزي لها إلى صفقة غير مسبوقة مع روسيا ستشير إلى ضعف أميركي آخر في المنطقة وستشكل انجازا لروسيا. سيناريوهات محتملة يعتقد المصريون أن التقارب الروسي المصري يمكن أن يتسبب فى إغاظة الولاياتالمتحدةالأمريكية، مما يعتقد معه أنه سيسبب رد فعل قد يتمثل في أحد سيناريوهين الأول- أن تعيد أمريكا حساباتها عبر تقديم عروض عسكرية ولوجيستية أكثر إغراءً لمصر في شكل الإفراج عن صفقات السلاح المجمدة، وأن تزيد من معدلات توريد قطع الغيار للقاهرة، بالإضافة إلى ضخ بعض الأسلحة الحديثة التي كانت تمنعها عن مصر لأسباب تضمن تفوق الجيش الإسرائيلي على نظيره المصري. أما السيناريو الثاني- فهو أن تتشدد أمريكا في تصعيد ضغوطها ضد مصر بإيقاف توريد قطع الغيار وعمرات الطائرات، وتزويد إسرائيل بأسلحة متقدمة لا تزال تحت الإنتاج في أمريكا- مثل المقاتلة ف - 35، وأنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت (باك - 3) وثاد THAAD، وإيجيس Aegis. وإذا صح ما يتناوله الإعلام المصري حول وضع بلادهم شروطا أساسية على روسيا لإنجاح التعاون العسكري بينها، وهي ألا تتدخل روسيا في الشئون السياسية الداخلية في مصر، أو الضغط عليها بأي شكل فيما يخص علاقات مصر مع الدول الأخرى خاصة الولاياتالمتحدة، أو طلب قواعد وتسهيلات بحرية أو جوية داخل الأراضي المصرية، خاصة أن مصر لم تمنح الولاياتالمتحدة أية قواعد أو تسهيلات بحرية في أراضيها عندما كانت العلاقات بينهما على أفضل ما يكون. لذا فإن ذلك يعتبر تطمينات للولايات المتحدةالأمريكية، بأن تلك رسالة مصرية لها وإن كانت غير مباشرة بأن أي تقارب مصري روسي لن يؤثر على الولاياتالمتحدةالأمريكية التي هي في صراع دائم مع روسيا لتوسيع نفوذهما العسكري والاقتصادي والثقافي في الشرق الأوسط.