كانت الأمطار تتساقط في زقاق ضيق بسوق "فوشان" التابع لإقليم "كونجدنج" جنوب الصين حين خرجت طفلة -صغيرة تبلغ العامين من العمر- من متجر أبيها إلى الشارع لتلهو معها؛ إلا أن الصغيرة فوجئت بإطارين لسيارة فارهة يقطعان عليها اللعب والحياة أيضا. قبل قليل كانت الطفلة " وانغ يوي" تسير إلى جوار أمها "كو فيفي" في متجر أبيها "وانغ شيغانغ" الذي يطل على الزقاق الذي شهد الحادث؛ غير أن المطر المتساقط دفع الأم البائسة إلى المسارعة في الذهاب إلى الطابق الأعلى لتجمع الغسيل قبل أن يصاب بالبلل، تاركة طفلتها التي دفعت باب المتجر وتحركت إلى الشارع الضيق لتدهمها سيارتان، واحدة بعد الأخرى، على مرأى ومشهد من المارة الذين لم يبالوا بأي شيء، أو يحاولوا حتى إسعاف هذه الطفلة الصغيرة.
كانت الأم من الطابق الثاني تصرخ، حين صدمت السيارة الفارهة صغيرتها، حيث مرت العجلة الأمامية على الصغيرة؛ لتتوقف السيارة برهة ظن كل مشاهدي الفيديو -الذي نشره موقع يوتيوب الشهير بعد أن نشره موقع "ويبو" الصيني المشابه ل"تويتر"- وقتها أن الجاني سوف ينزل من السيارة ليسعف الصغيرة، ولكن هذا لم يحدث بل النقيض هو الذي حدث حيث أكملت العجلة الخلفية مسيرتها على جسد الصغيرة، قبل أن يلوذ الجاني بالفرار بها.
كانت الأم تصرخ وتستغيث، حين جاءت سيارة أخرى أكبر من الأولى (شاحنة) شاهد قائدها الصغيرة وهي تتلوى من الألم بعد أن دهمتها السيارة؛ إلا أنه قرر أن يضيف إليها ألما جديدا -بدلا من أن ينقذها- حين مر بسيارته دون أدنى اهتمام على جثة الصغيرة.
كانت الأم تصرخ، حين شاهد طفلتها ثمانية عشر شخصا من المارّة تحت إطارات السيارتين دون أن يحاول أحدهم إنقاذ الطفلة أو إجابة استغاثات أمها.
كانت الأم تصرخ، حين مرّ ثلاثة أشخاص على دراجاتهم البخارية وهم يشاهدون جثة طفلتها، ولا ينقذها منهم أحد، حيث تفادى أحدهم المرور على جسد الطفلة بدراجته ومضى في طريقه.
كانت الأم تصرخ، في أحد أحياء عاصمة الاقتصاد العالمي دون أن يرد عليها أحد، كانت الأم تخاطب أنفسا طمست المادة كل معالم الإنسانية من على قلوبها هناك في بلاد مدن الإسمنت.
كانت "زيانمي تشين" (عاملة نظافة عمرها 58 عاما) تصرخ حين بادرت إلى سحب الطفلة جانبا، محاولة الحصول على المساعدة؛ ولكن النهاية المفعمة بالألم والموت كانت قد بدأت تذوقها الطفلة التي قالت عنها جدتها «لي زانغروي» إنها كانت طفلة مرحة مفعمة بالحياة.
تأتي سيارات الإسعاف متأخرة دائما في الدول المتقدمة رغم أنها تكون مجهزة على أعلى مستوى، إلا أن هذا التقدم المادي والتكنولوجي عاجز عن أن يسد مسد التأخر الأخلاقي والإنساني في تلك الدول، حيث أكد الطبيب المعالج للصغيرة في المستشفى الذي نُقلت إليه أنها ماتت إكلينيكيا.
توفيت الطفلة الصينية الصغيرة "وانغ يوي" حقيقة وليس إكلينيكيا في حوالي الساعة 12:32 بالتوقيت المحلي من يوم الجمعة (21 أكتوبر 2011م)، وفقا لمسئولين في المستشفى العسكري بمدينة قوانغتشو؛ ليبقى الشريط الذي صورته كاميرات مراقبة في سوق فوشان بإقليم كونجدنج بجنوب الصين شاهدا على طريقة جديدة للموت في بلاد الإسمنت.
يشعر الطبيب "لي سو" مديرة وحدة العناية المركزة في المستشفى العسكري -الذي لفظت فيه الصغيرة أنفاسها الأخيرة- ب"ألم عميق وخزي شديد" على حد تعبيره، ولكن هل يشعر الصينيون بنفس هذا الإحساس أم أن الصين لا تستطيع الوقوف دقيقة حدادا على روح هذه الطفلة الصينية الصغيرة؛ لأن الوقوف دقيقة يمثل عائقا أما تقدم الاقتصاد الصيني.