فرح بصعود "انحراف" و"جرافيت" و"عنب" و"الدرويش" الرواية صارت سلعة جماهيرية مطلوبة بفضل الجوائز جوائز العالم تخضع لذائقة المحكمين والتشكيك "غير مبرر" شلبي والعشماوي لا يسعدهم اسمهم في "البوكر"! امتزاج السياسة والصداقة بالتكريمات .. آفة جوائز العرب المغرب العربي والسودان يعانيان التهميش غياب جوائز مصرية عربية .. والفاعل مجهول ظاهرة إيجابية احتضنها الخليج العربي حين أطلق جوائزه الكبرى لتكريم المبدعين العرب وتحفيز القراءة عند شعوب المنطقة.. وتعد "البوكر" إحدى أرفع تلك الجوائز، والتي تحبس أنفاس الناشرين والمبدعين قبل إعلان قوائمها .. لكن الجدل عرف طريقه للجائزة منذ نسختها الثالثة تحديدا ، فبعد فوز "واحة الغروب" لبهاء طاهر و"عزازيل" يوسف زيدان، حدث أن اختلف المثقفون حول استحقاق الأعمال الفائزة والمرشحة ومدى سلامة معايير لجنة التحكيم . . حاز الجائزة الروائي السعودي عبده خال عن روايته "ترمي بشرر" ثم الروائي المغربي محمد الأشعري عن "القوس والفراشة" والذي تقاسم الجائزة مع الروائية الكويتية رجاء عالم صاحبة "طوق الحمام" ثم الروائي الكويتي سعود السنعوسي عن روايته "ساق البامبو" وأخيرا فوز العراقي أحمد السعداوي عن "فرانكشتاين في العراق" .. أما هذا العام فرشح 16 عملا لنيل الجائزة . حول الجائزة وما تطرحه من تحدٍ وصخب وبهجة وجدل سيتحدث كتاب مصريون في السطور التالية.. تساؤلات تشوب البهجة الناقد الأكاديمي المصري د. حسام عقل يرى أن جائزة البوكر تعد واحدة من كبريات الجوائز العربية المخصصة لفن الرواية، وهي تتنافس مع جائزتي "كتارا" القطرية و"الطيب صالح" السودانية ، وتشكل تلك الجوائز في مجملها حافزا للروائيين العرب، وبالتالي فالتطلع إليها مشروع تماما طالما كان عن عمل مستحق فنيا. ورأى عقل أنه لا داعي لهمهمات المنتقدين فكثير منهم صدره أوغر لعدم وصول كتاباته لقوائم تلك الجوائز . لكن في البحث عن صدقية الجائزة، يؤكد الناقد أن النسختين الأولى والثانية حملتا روايتين لم يختلف المبدعون والوسط الثقافي حولهما وهما "واحة الغروب" و"عزازيل" وبعدها بالفعل بدأ الجدل حول معايير منح الجائزة وهل هي "فنية أدبية" أم تشوبها المجاملات لأقطار ومبدعين بل وناشرين بعينهم، عُرف نفوذهم وذراعهم الإعلامي الكبير، وكثير منهم مصريون وتصعد أعمالهم لقوائم الجائزة بإصرار كبير . أليس غريبا مثلا أن تخرج "اسطاسية" خيري شلبي من قوائم جائزة لتحل محلها رواية "بروكلين هايتس" لميرال الطحاوي، فيصاب الوسط المصري بالدهشة النسبية، للاتفاق حول القامة السامقة لشلبي في عالم الأدب، وهو ما علق عليه الأديب الراحل بقوله "أنا لا تنطبق علي معايير الجائزة" ، ويستطرد حسام عقل بقوله أن ذلك يشير لأثر ضغط الميديا الحديثة ونفوذ الناشرين على بعض اختيارات الجائزة ببعض دوراتها. كما يثور تساؤل حول دخول شخصيات محسوبة على حقل علم الاجتماع أو الصحافة، كجلال أمين وإبراهيم عيسى، بلجان تحكيم الجائزة في دورات سابقة، وكلاهما غير مؤهل لتقييم السرد الأدبي، وبالتالي يمكن أن يكون خوض رواية "مولانا" لإبراهيم عيسى بقوائم البوكر من قبل "ثمن سياسي لا أدبي" وهو ما ينطبق أيضا على رواية "العاطل" لناصر عراق . وهو نفس ما أخبر عنه الروائي أشرف العشماوي حين لم يجده الناقد مسرورا بترشح واحدة من أعماله للقوائم، رأى أنها لم تكن الأهم وأن الأمر لا يستحق التوقف عنده كثيرا. وعن النسخة الجديدة، اعتبر الناقد الأدبي أنها تحمل بشرى دخول أعمال قيمة ك"انحراف حاد" لأشرف الخمايسي وأعمال عربية بارزة، لكنه أبدى تحفظا ضئيلا بعد ترشح رواية سودانية وحيدة وكانت ل حمور زيادة "شوق الدرويش" وهي رغم جودتها لكنها حظيت بجائزة رفيعة في مصر منذ أسابيع قليلة، وهذا ما يؤكد تجاهل الأدب السوداني على زخمه وأهميته. واعتبر الناقد أن مصر بظرفها الثقافي المتكلس ، لن تتمكن من تقديم جوائز عربية كبرى على غرار تلك الجوائز. أما الجائزة الإماراتية فأقر حسام عقل بأنها تحتاج لحيدة أكثر سياسيا وثقافيا وجغرافيا، متسائلا عن سر غياب الأدب المغربي والتركيز على بقاع كمصر والشام والخليج. الأفضل .. والأكثر مبيعا! على حين اعتبر القاص المصري والناقد البارز د. أحمد الخميسي أن الجوائز العربية والمصرية الأدبية هي ظاهرة إيجابية تحفز المشهد الثقافي من دون شك ، باعتبار أنها تلفت النظر للأدب كقيمة ثقافية وللأديب في الوقت ذاته ، لكن الأمر يحمل إشارة لتحول الكتاب ل"سلعة مهمة" ! جديرة بالترويج لها في سوق البيع والشراء، وهذا لا ينفي الدوافع الثقافية الخيرة لدى مؤسسي الجائزة . أما حصول عدد كبير من الخليجيين على الجائزة فهو أمر مفهوم وليس به مشكلة، كما يرى الناقد، من أجل تشجيع الأدباء، خاصة بالمناطق التي تفتقد لفرص لفت النظر للأدباء كما هو بالخليج، خلافا للأدباء المصريين الذين يتمكنون بقدر ما من الترويج لذواتهم. أما القائمة الطويلة للجائزة فليست الأفضل برأي الخميسي ، ولكنها تسعى لأن تكون متوازنة بين الأعمال "الإبداعية" وتلك التي تدخل بقائمة "أفضل المبيعات" . وعن الهاجس السياسي، يرى الخميسي أنه مراعى بكل الجوائز العالمية بما فيها "نوبل" ، لكن سنجد أن جوائز الدولة في مصر تذهب لكتاب الدولة حتى لو لم يكتبوا شيئا . ورأى الأديب أن مصر لديها إهمال جسيم في مسألة تقديم جوائز للمبدعين العرب، مؤكدا أن الارتقاء بالثقافة في مصر يحتاج لطاقات كثيرة من الدولة والمثقفين ووزراء الثقافة "الديكورية" والحكومات "سميكة الجلد" والتي آخر ما يعنيها الثقافة والعلم . المنافسة تحتدم يتفق الكاتب عماد العادلي، المستشار الثقافي لمكتبات "ألف" مع الرأي القائل بإيجابية جوائز الرواية العربية التي خلقت منافسات قوية في المجال الإبداعي وهو أمر لصالح القراء العرب بلا شك ، وزاد على ذلك أسباب للتفاؤل حين تجد الاهتمام بالجوائز تجاوز نطاق أهل التخصص والذين هم كُتاب ونُقاد الأدب إلي الاهتمام الجماهيري بدليل تهافت الإعلام علي نشر أخبار تلك الجوائز والحديث عن المُصَعدين والفائزين فيها ، فالاهتمام الإعلامي دال بالضرورة علي الاهتمام الجماهيري ، وهذا مُبشر جداً ويؤكد علي أن الاهتمام بالثقافة والكتاب في ازدياد وتقدم . وفيما يخص الأعمال المُصعدة يعتقد الكاتب أن جائزة البُوكر مثلها مثل كل الجوائز الأخرى لها معايير تختار علي أساسها الأعمال المُصَعدة ، لكن لا نغفل ذائقة لجنة التحكيم والتي ليست بالطبع متوافقة مع ذائقة كل الناس ، لذا يمكن اختيار أعمال قد تصدم البعض وتُثير حفيظته أو رفضه أو حتي التشكيك في اللجنة . ثم إن الجوائز عموماً بما فيها جائزة نوبل قد يكون لها بعض الاعتبارات الغير إبداعية ، فأحياناً تكون سياسية وأحياناً دينية أو أخلاقية ، وأحياناً إقليمية بمعني أنها قد تلجأ لنظام المُحَاصصة حتي لا يستحوذ بلد واحد علي نسبة أعلي أو يُهمش بلد أخر ، وهذا ما ينطبق أحيانا برأيه مع جوائز منحت لروايات خليجية، بعضها كان الأفضل وبعضها لم يكن !. وفيما يخص مصر والجوائز ؛ فمصر كما يشير "عماد العادلي" كانت بالفعل متصدرة المشهد في هذا المجال قبل أن يدخل الخليج بثقله المادي المعروف لينافس مُنافسة شرسة، ورغم أن ظروفنا الاقتصادية لا تسمح بالمنافسة في بعدها المادي إلا أنه يعتقد أن الجائزة المصرية لا زال لها ثقلها في الأوساط الثقافية العربية . لقد قرأ الكاتب "شوق الدرويش" للأديب السوداني حمور زيادة واعتبرها امتداداً للكتابات العظيمة في الأدب السوداني ورشحها بقوة للفوز بالجائزة أو علي الأقل الدخول في القائمة القصيرة ، كما قرأ رواية هشام الخشن "جرافيت" وهي عمل هام في مسيرة الكاتب الإبداعية ، وأيضاً قرأ رواية "انحراف حاد " للمبدع المُثير للجدل اشرف الخمايسي والذي يعتبره من القلائل الذين يمتلكون مشروعاً روائياً من العيار الثقيل . المعايير الفنية يرى الأديب محمد العون ، أن الجوائز الخليجية وفي قلبها "البوكر" ليست على المستوى المطلوب ، لا من جهة لجان تحكيمها، ولا من جهة الأعمال التي تصعدها لجوائزها ، فهي تعتمد على الضجيج الإعلامي أكثر من المعايير الفنية بالسرد، ودلل بأنه قرأ أعمالا هزيلة جدا بالقائمة القصيرة للجائزة العام الماضي، ويخص بالذكر الروايات المصرية المرشحة آنذاك. ويرى العون أن قائمة هذا العام أفضل نسبيا، فقد تقدمت رواية "شوق الدرويش" وهي رائعة، وكذلك روايتي "انحراف حاد" و"بحجم حبة عنب" وكلتاهما لمبدعين يثق بقدراتهما السردية الفائقة، وهما أشرف الخمايسي ومنى الشيمي . إبداع الخليج .. واختراق الأسوار يتفق الكاتب المصري سمير الفيل مع رأي المثقفين بأهمية ظاهرة الجوائز الخليجية والعربية للرواية، باعتبار أنها محفزة للناشرين لتقديم أفضل ما لديهم، وكذلك فهي تمنح للكتاب مساحة من البهجة هم أحق بها من غيرهم بعد أشهر بل سنوات المعاناة من أجل كتابة جادة . والجائزة تنحاز أحيانا للأعمال الإبداعية ذات النزعة الجمالية المؤكدة ، وفي بعض الأحيان تنحو باتجاه زيادة شعبية الجائزة باختيار أسماء شهيرة ، لتربح الجائزة قبل الحركة السردية. وهو كما يصفه سمير الفيل "شغل تجار ، قادمون من " البندقية " . لكن ومع ذلك يؤكد الكاتب أن اللغط الذي يحدث كل عام بعد الإعلان عن القائمة القصيرة والفائز بالبوكر غير مفهوم؛ ذلك لأن شروط اللعبة أنك تخضع لأذواق لجنة تحكيم بعينها، عليك إذن أن ترضى بما تراه . الكلام المجاني والمشكك في نزاهة لجان التحكيم أمر "لا أقره ولا أرضاه". أما عن الروايات الخليجية ، فيرى سمير الفيل، المبدع المصري البارز، أنها لا تستوفي أحيانا شروط النضج الروائي، ولكنه يعتقد في الوقت ذاته أن عبده خال أو سعود السنعوسي أو غيرهما لهم أعمال تستحق المنافسة. ثم أن هناك مثل شعبي يصلح في هذا الشأن : " طباخ السم بيدوقه".. والمال ليس سما .. على وجه اليقين. أما لجنة التحكيم فيجدها سمير الفيل رصينة وتتضمن أسماء نقدية بارزة، وبالتالي فهي متمرسة بعملها، وعن السياسة تحديدا وتأثيراتها، أجاب بأنها عنصر حاسم في أعتى الجوائز ، ونموذج لذلك جائزة نوبل للآداب ، فما بالك بجائزة عربية مازالت ناشئة. وعموما يرى سمير الفيل أن هناك أسماء كتاب هامين في الخليج. ربما كانت التجربة السياسية والاقتصادية لها دور رئيس في تشكيل فضاء النص. والبعض يشير إلى عدم نضوج التجربة الحياتية على وجه العموم ، لكنه يستطرد بأن "الأسوار التي تحيط ببعض البلدان المقيدة نوعا ما بالمحاذير تدفع الكاتب لاختراق السور ، والبحث عن غير المألوف والنمطي". قد نستبعد بعض " روايات البنات" التي تلقى رواجا لأسباب سيكولوجية . لكن هناك روائيات متحققات قرأت أعمالهن ، ولهن إسهامات جيدة إلى حد بعيد. وذكر الكاتب أمثلة لكتاب خليجيين لهم تأثير في المشهد السردي العربي ، مثل : عواض الشهري ، ويوسف المحيميد ، وأميمة الخميس ، وعبده خال ، ورجاء عالم ومحمد حسن علوان في السعودية ، أمين صالح وفوزية رشيد ومحمد عبدالملك في البحرين، فهد إسماعيل فهد وفاطمة العلي ، وطالب الرفاعي في الكويت ، جوخة الحارثي ، ومحمد عيد العريمي ، وعلي المعمري في سلطنة عمان ، والامر يصعب حصره في قطر والإمارات. وعن الجوائز المصرية يشير "الفيل" إلى أن مصر دولة سكانها يقاربون 90 مليون نسمة ، ولديها عجز في ميزان المدفوعات. لكنها تمنح جوائز مهمة لأبنائها منها جائزة الدولة التقديرية وجائزة النيل مع ظهور المؤسسات الخاصة التي بدأت المشاركة ومنها جائزة ساويرس . أما في المجال العربي فهي تمنح جائزة "ملتقى الرواية العربية" ويشكل علامة فارقة في المشهد السردي العالمي لوجود باحثين من مختلف بلاد العالم ، ومنهم على سبيل المثال المستشرق " روجرآلان " الذي ترجم نجيب محفوظ وغيره إلى الإنجليزية. ويتفق سمير الفيل مع حالة البهجة بتصعد أعمال للروائية منى الشيمي والروائي أشرف الخمايسي ولدى كل منهم اجتهاد واضح في الرؤية والتجريب والكتابة الناصعة . صخب مشجع يرى د. خالد البوهي، الشاعر والناقد الأكاديمي، أن الجوائز تسعد المبدعين ، وأن صخب جائزة البوكر في حياتنا الثقافية العربية، أمر جيد، لكن على ألا يتحول هدفا لذاته ، فالأديب الحقيقي يكتب نفسه قبل أن يكتب للجوائز. وقوائم البوكر لا تعكس بالضرورة جودة إبداعية ، فالجائزة تهتم أحيانا بالوجود الإعلامي وهذه مشكلة تواجه مسابقاتنا العربية وتجعلها فى محنة حقيقية ومع ذلك فقد طالع الناقد روايات رائعة تمنى أن تكون مقياسا للترشيحات ومنها "انحراف حاد" للخمايسي. وعموما يرى البوهي أن حرص الجائزة على تقديم الأجود وتنحية المجاملات التي صارت آفة مسابقاتنا، سيعطيها مزيدا من المصداقية. ويرى الأديب أننا كعرب نعاني حقا من مزج "التكريمات" ب"السياسة" وهذا سبب كاف على حد اعتقاده لازدراء عديد من الأدباء لأنهم لا يتفقون و السلطة فى الموقف السياسى وعلينا جميعا إن كنا جادين فى أن ننهض بالأدب والإبداع أن نطرح السياسة جانبا عندما نتناول عملا أدبيا فلا يعنينا توجه الأديب الأيدولوجى كما لا يعنينا ما تتضمنه كتابته الإبداعية التى قد تطرح طرحا مغايرا للقائمين على الجوائز أو للسلطة وعلينا أن نهتم برؤيته الفنية وتناوله ببساطة شديدة أن نقيس الفن بمقياس الفن. واعتبر "البوهي" أن غياب مصر عما وصفه ب"السيل الجوائزى العربى" يشكل تسليما ثقافيا خاصة وأننا لم نقدم محاولات حتى نقول بأنها فشلت .